كلباء: محمدو لحبيب شهدت فعاليات اليوم الرابع من مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة في دورته السادسة، ملتقى فكريا تحت عنوان «المسرح العالمي..المصطلح ومفهومه»، وذلك بمشاركة نصار النصار من الكويت، ورابح هوادف من الجزائر، وسفيان عطية من الجزائر أيضا، وهبة بركات من مصر، وحمادي الوهايبي من تونس، وحسين نافع من الأردن. قدمت هبة بركات ورقة بحثية تحت عنوان «المسرح العالمي...مراوغة المصطلح»، بينت من خلالها أن مصطلح «العالمية» الذي يستخدم في أدبياتنا المسرحية العربية هو مصطلح مراوغ، وفضفاض جدا، ويبدو في كافة مجالات النشاط البشري وكأنه نهائي الدلالة ولا يحمل أي مسافة اختلاف بين مستخدمي التعبير.واستعرضت الباحثة في ورقتها المفهوم الشائع لمصطلح العالمية، حيث قالت إنه عندما نصف منجزا إبداعيا بأنه عالمي، فإننا بذلك نعني عادة أن ذلك المبدع كاتبا مسرحيا أو مخرجا أو غيرهما، نجح في تجاوز حدود الانتشار المحلي والمرتبط بتقبل المتلقين المنتمين لثقافته أو لغته الأم أو محيطه الجغرافي لإبداعه.وأضافت أن الدلالة المباشرة السائدة لمفهوم العالمية تبدو غير متماسكة وتخفي خلفها عشرات التناقضات والأزمات إذا طرحنا في أفقها أسئلة من قبيل: ما هي مواصفات العمل الفني الذي يمكن أن نطلق عليه كلمة «عالمي»؟، وهل هناك نماذج مسبقة يتم القياس إليها؟من هو الذي يمتلك القدرة على إطلاق لفظ العالمية ؟.وأشارت الباحثة إلى أن العالمية كمفهوم ظلت مرتبطة بالذائقة الأوروبية ونظرتها للتاريخ، والتي ترى أن ما يصل إليه الإنسان الأوروبي هو بالضرورة قمة التطور الحضاري للجنس البشري، وبالتالي صار الأوروبي هو المواطن العالمي، بينما تقبع بقية الأعراق والثقافات الأخرى في درجات أدنى من سلم التطور التاريخي، وعليها بالتالي أن تسعى لتكون مثل الغربي في كل قيمه ومفاهيمه الثقافية، ولفتت الانتباه إلى أنه جراء تلك النظرة المركزية الغربية ظهرت تأويلات أخرى تبدو وكأنها رد فعل على ذلك، من قبيل أن الطريق إلى العالمية يبدأ من الاستغراق في المحلية، وكذلك جرت محاولات لتقديم مفهوم العالمية عن طريق تقديم عمل إبداعي يجمع عدة لغات وثقافات مختلفة، وخلصت الباحثة إلى أن توصيف العالمية في مسرحنا لا يمكن أن يتم إلا بالخضوع للمعايير وقواعد التذوق الجمالي للمراكز الحضارية.وبعد ورقة الباحثة تقدم كل من المشاركين بتجربته ورؤيته في إطار الوصول للعالمية في المسرح العربي.وتضمن اليوم الرابع من الملتقى كذلك عرض «استعد» للمخرج شعبان سبيت عن نص للكاتب المسرحي التركي عزيز نيسين، تناول من خلاله سيرة يومية لجنرال متقاعد أصيب بالعمى وهجرته زوجته وأبناؤه، ليبقى تحت رحمة جندي سابق من جنوده، يقوده ويوجهه حسب مزاجه، وبين العرض من خلال مفارقات كوميدية تنتمي لما يعرف بالكوميديا السوداء، المأساة التي يواجهها الإنسان حين ينتقل من قمة القوة والسيطرة، إلى قمة الضعف والاحتياج لأشخاص لم يكن يوما يحتاج إليهم، بل كانوا من الذين يقودهم ويوجههم.وبرغم طغيان الخلفية العسكرية بأوامرها من قبيل «استعد» وبالموسيقى العسكرية والحركات المصاحبة لحالة الاستنفار تلك، إلا أن النص أضاء جوانب تراجيدية، واستخدم المخرج شعبان سبيت الإضاءة بشكل مميز في لحظات الحكاية، والانتقال بين قصة الجنرال في شبابه وما شهده من فجيعة، وبين حاضره الذي يواجه فيه الفراغ.وتلت العرض ندوة تطبيقية أدراها الدكتور غانم السامرائي، وبحضور المخرج.أبرز الدكتور السامرائي في تعليقه النقدي على العرض، خلفية كاتبه عزيز نيسين وكيف أنه كان ضابطا في الجيش التركي، ولذلك فإنه نجح في استدعاء الأجواء العسكرية بشكل دقيق وصادق، ولفت الانتباه إلى أن نيسين يعتبر الأبرز في منطقتنا في كتابة الكوميديا السوداء، وقال الدكتور غانم إن العرض شهد بعض الهنات بسبب أن بعض المواقف لم توظف في السياق الكلي للعرض، وقال إن العرض في مجمله قدم أسئلة وجودية بقيت من دون جواب.المداخلات في الندوة شهدت تعقيبا أظهر أن ثمة تفاوتا بين رؤية النص الأصلي وبين العرض في مسألة تقديم شخصية الجنرال، حيث من المفترض أن تظهر قوية ثم تأخذ في الضعف تدريجيا وهو ما لم ينجح فيه العرض.وأثنى المشاركون في الندوة على قدرة المخرج على التعامل مع نص صعب، وقدرته على جعل ممثليه يمسكون شخصياتهم المسرحية، غير أن بعضهم أخذ عليه عدم استخدام الفضاء المسرحي بالكامل.العرض الثاني في أمسية اليوم الرابع وهو خارج المسابقة كان بعنوان «الأستاذ» للمخرج علي سراج، عن نص للكاتب المسرحي الروماني- الفرنسي يوجين يونسكو، وقدم العرض من خلال معالجته المسرحية إشكالية الديكتاتورية، التي تجعل الكل يلغي عقله وإرادته لأجل الزعيم الأوحد.كان العرض بشكل عام مملوء بالحركة، وحاول المخرج توظيف مفرداته المسرحية بشكل مميز.وبعد العرض وفي الندوة التطبيقية التي أعقبته ركز مصطفى آدم الذي أدار الندوة على أن هذه المسرحية التي أخذ عنها العرض مختلفة عن مسرح يوجين يونسكو العبثي المعروف، ولفت الانتباه إلى أن المؤلف ترك إرشادات مهمة لأي مخرج يعمل على نصه من خلال تحديد وتجسيد صورة الزعيم، وأثنى الحضور على محاولة المخرج تقديم عرض جيد، وقدرته على التعامل مع نص إشكالي كنص يوجين يونسكو.
مشاركة :