رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه

  • 8/22/2013
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

سجل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ يحفظه الله ــ موقفا للتاريخ لن ينسى، في كلمته التي حملت رسالة قوية لكل من يحاول المساس بأمن واستقرار مصر العروبة أو التآمر على شعبها العظيم، بقوله: «... وليعلم العالم أجمع بأن المملكة العربية السعودية شعبا وحكومة وقفت وتقف اليوم مع أشقائها في مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة، وتجاه كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية، في عزمها وقوتها ــ إن شاء الله ــ وحقها الشرعي لردع كل عابث أو مضلل لبسطاء الناس من أشقائنا في مصر، وليعلم كل من تدخل في شؤونها الداخلية بأنهم بذلك يوقدون نار الفتنة، ويؤيدون الإرهاب الذي يدعون محاربته، آملا منهم أن يعودوا إلى رشدهم قبل فوات الأوان، فمصر الإسلام، والعروبة، والتاريخ المجيد، لن يغيرها قول أو موقف هذا أو ذاك، وأنها قادرة ــ بحول الله وقوته ــ على العبور إلى بر الأمان، يومها سيدرك هؤلاء بأنهم أخطأوا يوم لا ينفع الندم». هذا الموقف العظيم من خادم الحرمين الشريفين، يؤكد قوة المملكة وحكمة قيادتها، وأنهم لطالما كانوا واستمروا امتدادا لنهج راسخ لا يحيدون عنه تجاه أشقائهم المسلمين والعرب، أرسى قواعد هذا النهج الملك المؤسس عبدالعزيز ــ يرحمه الله ــ وسار أبناؤه الملوك على خطاه، يسجلون مواقف للتاريخ ويسهمون في صناعته، ولا تزال ذاكرة التاريخ تحفظ للمؤسس الموقف العظيم، بعد نكبة 1948م، واغتصاب فلسطين، وقرار التقسيم، عندما أرسل الرئيس الأمريكي ترومان، في 10 فبراير 1948م، إلى الملك عبدالعزيز، رسالة يستنجد به باسم السلام العالمي وباسم الإنسانية المعذبة ليستخدم نفوذه العظيم في وضع حد للحرب الأهلية الناشئة بالأرض المقدسة بين أهلها العرب واليهود ــ على حد زعمه، وتلميحه بالتهديد باستخدام هيئة الأمم غطاء لشن الحرب على العرب، وتلويحه بقطع العلاقات مع المملكة، فما كان من الملك عبدالعزيز إلا أن رد عليه في 10 ربيع الآخر 1367هـ، برسالة شديدة اللهجة، جاء فيها: «... لا يسعني إلا أن أصارحكم والصراحة من آدابنا المرعية بأنه ما كانت تتلى علي الرسالة حتى عجبت أشد العجب من أن يبلغ بكم الحرص على إحقاق باطل اليهود إلى حد أن تسيئوا الظن بملك عربي مثلي، لا تجهلون إخلاصه للعروبة والإسلام، فتطلبوا منه أن يناصر باطل الصهيونيين على حق قومه...»، إلى أن قال له في رسالته التاريخية: «... إنني ما بلغت المكانة المرموقة التي تذكرونها لي عند العرب إلا لما يعرفون من تمسكي الشديد بحقوق العروبة والإسلام، فكيف تطلبون مني ما لا يمكن أن يصدر عن أي عربي مسؤول؟ وليست الحرب القائمة في فلسطين حربا أهلية كما ذكرتم، ولكنها حرب بين العرب أصحابها الشرعيين وغزاة الصهيونيين الطارئين عليها من الآفاق على كره من أهلها، وبمساعدة الدول التي تدعي حب السلام العالمي، وهي تتلاعب به، وما قرار التقسيم الذي كان لحكومتكم الوزر الأكبر في دفع الدول إلى تأييده إلا قرار جائر...»، وختم رسالته للرئيس ترومان بالرد التاريخي: «... أما ما ذكرتم من المصالح الاقتصادية التي تربط بلدينا فاعلموا أنها أهون في نظرنا من أن نبيع بها شبرا من أرض فلسطين العربية لمجرمي اليهود، ويشهد الله أنني قادر على أن أعتبر آبار البترول كأن لم تكن، فهي نعمة ادخرها الله للعرب حتى أظهرها لهم في الزمن الأخير، فلا والله تكون نقمة عليهم أبدا، ولقد صرحت للعالم مرارا أني مستعد أن أسير أنا وأولادي جميعا لنقاتل في سبيل فلسطين حتى نمنع قيام دولة اليهود فيها أو نموت، فكيف يعقل بعد هذا أن يكون المكسب المادي من البترول أعز من نفسي ونفوس أولادي...، لقد كان في ممالأتكم السافرة لأعدائنا الصهيونيين وموقف حكومتكم العدائي نحو العرب ما يكفي ليحملنا على قطع الصلات الودية بين بلدينا وفسخ عقود الشركات الأمريكية وإلغاء الامتيازات التي خولناها...، ويسرني أن أطمئنكم بأن الضيوف الأمريكيين النازلين في بلادنا لن يمسهم أي سوء ما داموا في أرضنا، وقصارى ما يصيبهم إذا جد الجد أن نقصر أمد غربتهم إلى بلادهم فنرحلهم إليها سالمين موفوري الكرامة مصوني الحقوق، وفي الختام نذكركم بأن البضاعة التي قامت عليها صلاتنا من البضائع التي يكثر طلابها ويقل عارضوها في أسواق العالم». نعم، هكذا تعبر المملكة عن قوتها وصلابة مواقف حكامها عندما يمس الأمر أشقاءها المسلمين والعرب. ولن ينسى التاريخ الموقف العظيم للملك فيصل بن عبدالعزيز ــ يرحمه الله ــ في حرب أكتوبر 1973م، وبعد أن عبرت القوات المصرية خط بارليف، وتقدمت القوات السورية نحو الجولان، وعندما أقامت الولايات المتحدة الأمريكية جسرا جويا لإمداد إسرائيل بالسلاح تعويضا لما دمر في الحرب، كيف أوقف الملك فيصل تدفق البترول للغرب حتى جن جنون العالم، وما زالت ذاكرة التاريخ تحفظ ما قاله الفيصل للرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون: «لقد عاش آبائي وأجدادي على التمر واللبن وأيضا كان شعبي ولا أمانع من العودة إليه». ورده على كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق في جدة في نفس العام، لدى محاولة إثنائه عن وقف ضخ البترول، عندما رأى الملك متجهما، فأراد أن يستفتح الحديث معه بمداعبة، فقال: «إن طائرتي تقف هامدة في المطار بسبب نفاد الوقود، فهل تأمرون جلالتكم بتموينها وأنا مستعد للدفع بالأسعار الحرة؟!». ويقول كيسنجر: «فلم يبتسم الملك، بل رفع رأسه نحوي، وقال: وأنا رجل طاعن في السن، وأمنيتي أن أصلي ركعتين في المسجد الأقصى قبل أن أموت، فهل تساعدني على تحقيق هذه الأمنية؟!». ولن ينسى التاريخ موقف الملك فيصل بن عبدالعزيز ــ يرحمه الله ــ أثناء حرب العاشر من رمضان عندما قال: «لقد نشأنا تحت الخيام، ونحن مستعدون للعودة إلى ظلالها، ولئن نخسر البترول خير لنا من أن نخسر الشرف». كما لن ينسى التاريخ الموقف العظيم للملك فهد بن عبدالعزيز ــ يرحمه الله ــ إبان غزو صدام حسين للكويت، عندما قال بلهجته السمحة البيضاء: «... في الحقيقة.. الحياة والموت عندنا تساوت واحد بواحد.. بعد ما احتلت الكويت وبعد ما شفت بعيني وش اللي عمل بالشعب الكويتي.. ما عاد فيه كويت ولا فيه سعودية.. فيه بلد واحد.. يا نعيش سوى يا ننتهي سوى...». وهكذا هم ملوك المملكة العربية السعودية، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، لا يخشون في الحق لومة لائم، ولا يبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل ولا يساومون على مبادئهم. مصر بلد عظيم، لا يمكن أن يسمح أحد بأن يتلاعب به أفاقو السياسة وسماسرة الحرب، وبقاء مصر مستقرة آمنة ركن أساس في استقرار المملكة والمنطقة والعالم، وإن اهتز ركن من أركانها تساقطت أركان وجدران سامقة في كثير من الدول غيرها، والملك عبدالله بموقفه التاريخي هذا أثبت للعالم أن المملكة لا تمالئ ولا تداهن ولن تضحي بأشقائها مهما كان الثمن، فكيف بمصر؟. m_harbi999@hotmail.com

مشاركة :