يسعى المحققون الأميركيون لفهم الدوافع التي حملت متقاعدا يملك ترسانة من الأسلحة النارية، على فتح النار على حشد كان يحضر حفلا موسيقيا في الهواء الطلق مساء الأحد في لاس فيغاس، فيما شككت السلطات في صحة تبني تنظيم داعش العملية.ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب المسلح الذي قتل 59 شخصا على الأقل وأصاب 527 في لاس فيغاس، بـ«المريض» و«المجنون». وقال ترمب للصحافيين لدى مغادرته العاصمة الأميركية متوجها إلى بورتوريكو التي اجتاحها إعصار «ماريا» المدمر: «كان رجلا مريضا ومجنونا و(يعاني من) الكثير من المشاكل». وأضاف: «نحن نتعامل مع فرد مريض للغاية».وتفاقمت الحصيلة مساء الاثنين لتصل إلى 59 قتيلا على الأقل و527 جريحا. وبالإضافة إلى الذين أصيبوا بالرصاص أو بشظاياه، جرح الكثيرون وهم يحاولون الفرار من الموقع. وبدأت وسائل الإعلام الأميركية أمس كشف هويات الضحايا القادمين من مختلف الولايات والأوساط، وبينهم مدرسة من كاليفورنيا وممرضة من تينيسي وسكرتيرة من نيومكسيكو وغيرهن.ومطلق النار الذي كان متمركزا في الطابق الـ32 من فندق مطل على الحفل الموسيقي، كان أميركيا أبيضا عمره 64 عاما يدعى ستيفن كرايغ بادوك، وهو محاسب متقاعد ثري من رواد الكازينوهات. وانتحر قبل أن يقتحم الشرطيون غرفته في فندق «ماندالاي باي».وأعد مطلق النار لعمليته بعناية، وعثر الشرطيون في غرفة الفندق على 23 قطعة سلاح من عيارات مختلفة بينها بنادق هجومية، يعتقد أنه نقلها في أكثر من عشر حقائب، بحسب ما أفاد رئيس شرطة المدينة جوزيف لومباردو. وبعض البنادق كان يحمل جهاز تصويب، وكان المسلح يخبئ في سيارته مادة «نترات الأمونيوم»، وهو سماد يمكن استخدامه لصنع متفجرات.كما عثر لاحقا في منزله في بلدة ميسكيت، التي تقع على مسافة نحو 120 كيلومترا من لاس فيغاس، على ترسانة كاملة تضم 19 قطعة سلاح إضافية وآلاف الذخائر والمتفجرات.ورفض مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف. بي. آي) فرضية اعتداء إرهابي، بعدما أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم. ووصف التنظيم الإرهابي منفّذ الهجوم بأنه «أحد جنود الخلافة (...) اعتنق الإسلام» قبل عدة أشهر، ويدعى بحسب بيان التبني «أبو عبد البر الأميركي».وقال العميل الخاص المكلف مكتب لاس فيغاس في الشرطة الفيدرالية الأميركية، آرون راوز: «لم نتثبت من أي رابط في الوقت الحاضر مع أي مجموعة إرهابية دولية»، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.وتتخطى الحصيلة عدد ضحايا إطلاق النار في ملهى ليلي في يونيو (حزيران) 2016 في أورلاندو، حين قتل 49 شخصا برصاص رجل بايع تنظيم داعش. ولم يتطرق الرئيس الأميركي دونالد ترمب في إعلان تلاه صباح الاثنين من البيت الأبيض إلى الإرهاب، ولا إلى مسألة حيازة الأسلحة. وقال إن «وحدة صفنا لا يمكن أن يدمرها الشر، وروابطنا لا يمكن أن يحلها العنف. ورغم شعورنا بغضب عارم بسبب قتل مواطنينا، فإن الحب هو ما يعرف عنا اليوم».ولازم موظفو البيت الأبيض دقيقة صمت الاثنين، ونكست الأعلام في الكونغرس على أن يزور الرئيس ترمب لاس فيغاس اليوم. وفي إشارة تضامن، أطفئت أضواء برج «إمباير ستيت بيلدينغ» في نيويورك، كما أطفئت أضواء برج إيفل مساء الاثنين في باريس، ونظمت سهرات على ضوء الشموع عن نفس الضحايا.ووجّهت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية برقية تعزية، وكتبت: «نرفع أفكارنا وصلواتنا إلى الضحايا وعائلاتهم وإلى الذين أصيبوا».وتمركز ستيفن بادوك مع ترسانته في الطابق الـ32 من فندق ماندالاي باي، من حيث كان يشرف على مهرجان موسيقى الكانتري الذي يجري في الجانب الآخر من جادة لاس فيغاس الشهيرة. وكان أكثر من 22 ألف شخص يحضرون حفلا موسيقيا للمغني جيسون ألدين، حين دوت الطلقات النارية الأولى عند الساعة العاشرة. وبعد الوهلة الأولى التي ظن فيها الجميع أنها مفرقعات، سيطر الذعر على الحشود.ويمكن سماع رشقات رشاشة غزيرة في مقاطع الفيديو الكثيرة التي تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي، ويحاول البعض الفرار للاحتماء فيما يتمدد آخرون أرضا أو فوق أقرباء لهم لحمايتهم بأجسادهم.وروى المستشار في مجال المعلوماتية، رالف رودريغيز، القادم من لوس أنجليس لحضور المهرجان الموسيقي: «لم ندر من أين كان الرصاص يأتي، فرحنا نهرب من غير أن ندري أين نذهب»، مضيفا: «رأينا جثثا مطروحة أرضا».أما جانيس غرين، فكانت تنزل في فندق «الأقصر» المطل على الحفل أيضا وهي سمعت الرشقات الرشاشة وظنت في بادئ الأمر أنها مفرقعات. وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية وهي تمسح دموعها: «خيم الصمت، ثم انطلق رشق جديد (...) وقلت لنفسي إنه إطلاق نار».ولم يكن المحققون حتى أمس يرجحون أي فرضية، وقال لومباردو إن الشرطيين لم يعثروا على أي وثائق أو بيان، معتبرا أن مطلق النار تحرك من تلقاء نفسه.أما شقيق المسلح، اريك بادوك، فبدا مذهولا أمام الكاميرات، مؤكدا أن شقيقه كان «ثريا» و«ليس له أي انتماء ديني أو سياسي»، و«ليس من هواة الأسلحة على الإطلاق».ولم يواجه مطلق النار يوما متاعب مع الشرطة، في حين أن والده باتريك بنجامين بادوك كان من أكبر الفارين المطلوبين من الـ«إف بي آي» في الستينات، بعدما قام بعمليات سطو على مصارف.بالنسبة إلى صديقة مطلق النار ماريلو دانلي (62 عاما)، فقد أعلنت حكومة كانبيرا الثلاثاء أنها أسترالية انتقلت للعيش في الولايات المتحدة قبل عشرين عاما للعمل في الكازينوهات، فيما ذكرت الصحافة الأسترالية أنها جدة.وبعدما أعلنت الشرطة الأميركية بالأساس أنها تود استجواب دانلي، عاد المحققون لاحقا واستبعدوا أي دور لها في الهجوم. وقال لومباردو إنها كانت موجودة الاثنين في طوكيو.ووصل المسلح في 28 سبتمبر (أيلول) إلى الجناح المؤلف من غرفتين الذي حجزه في الفندق، من غير أن يلاحظ طواقم الفندق في أي وقت أنه أدخل أسلحة. وحطّم زجاج النافذة ليتمكن من إطلاق النار بسهولة.وأفادت الشرطة بأنه انتحر قبل أن تفجر وحدات التدخل باب الغرفة قبل منتصف ليل الأحد إلى الاثنين. وطالب الديمقراطيون الكونغرس بالتحرك لفرض ضوابط على حيازة الأسلحة النارية، غير أن البيت الأبيض رد بأن الجدل حول الأسلحة النارية «سابق لأوانه» في هذه المرحلة الأولية من التحقيق.على صعيد آخر، أعادت جريمة لاس فيغاس الجدل حول قوانين حمل السلاح، والدور التشريعي لتشديد بيع الأسلحة، وبصفة خاصة الأسلحة الأوتوماتيكية ونصف الآلية.ورغم حجم الفاجعة، يستبعد أن تتجه إدارة الرئيس ترمب أو الكونغرس الأميركي ذو الأغلبية الجمهورية إلى سن قوانين أكثر صرامة حول حمل السلاح.وسارع الديمقراطيون إلى المطالبة بتجديد النقاش حول تشديد قوانين الأسلحة. وطالبت نانسي بيلوسي، زعيمة الأقلية الديمقراطية، رئيس مجلس النواب بول رايان بتشكيل لجنة يتم اختيار أعضائها من الحزبين لتقديم توصيات حول كيفية منع حدوث حوادث إطلاق نار جماعي في المستقبل. وقالت بيلوسي: «علينا الصلاة والحداد وتقديم المساعدة، لكن علينا أيضا العمل بصفتنا أعضاء في الكونغرس، حيث إن كلمات الراحة والعزاء التي نقدمها لأسر ضحايا مجزرة لاس فيغاس ستبقي جوفاء، ما لم نتخذ إجراءات طال انتظارها لضمان ألا تتعرض أسر أخرى لمثل هذه المآسي».في هذه الأثناء، لم يغيّر الجمهوريون موقفهم الرافض لإعادة النظر في قوانين حمل السلاح، واعتبروه «أمرا سابقا لأوانه» في ظل مأساة أسر ضحايا الحادث. ووصف السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي الحادث بأنه «مثير للقلق بشكل كبير»، لأن الكونغرس لم يمرر تشريعا لتشديد قوانين حمل السلاح منذ مذبحة ساندي هوك الابتدائية، حيث قتل مسلح 20 طفلا وسبعة بالغين في عام 2012.في المقابل، انتقد السيناتور الجمهوري جون كورنين، محاولات الديمقراطيين استغلال الحادث لتحقيق مصالح سياسية، وقال للصحافيين يوم الاثنين إن «تسييس هذه المأساة الرهيبة أمر يبعث على الاشمئزاز، ويجب أن ننتظر فترة محترمة من الوقت قبل أن نبدأ في دفع السياسة وتحولها».وقد ظلت مقترحات تشديد حمل السلاح قضية خلافية بين الحزبين لسنوات طويلة، وتعود إلى الساحة السياسية بعد كل حادث إطلاق نار قبل أن يتضاءل الاهتمام بها. وقد أنفق كلا الحزبين ملايين الدولارات في حملات إما لتقييد أو لتخفيف قوانين حمل الأسلحة.ويعتقد الجمهوريون أن موقفهم من عدم تقييد حمل السلاح يتماشى مع المبادئ وأسلوب الحياة التي قامت عليها الأمة الأميركية، وشكلت طابعها الخاص. إلى ذلك، يملك الاتحاد القومي للأسلحة الكثير من النفوذ، ويقوم بدور مهيمن في سياسات الحزب الجمهوري.وقد عبّر ترمب في حملته الانتخابية العام الماضي، عن تأييده للاتحاد الذي يضمّ في عضويته عددا كبيرا من الأميركيين من محبي اقتناء الأسلحة بمختلف أنواعها ومحبي رياضة الصيد، وبينهم بعض كبار المشرعين في الكونغرس الأميركي.ومن السهل لأي أميركي الحصول على سلاح، إذا استوفى بعض الإجراءات القانونية، حيث ينص الدستور الأميركي على حق المواطن في حمل السلاح.
مشاركة :