عززت المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية حجم العلاقات الثنائية بينهما، منذ أن بدأت في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- على أساس التفاهم المشترك، ونمت مع الزمن حتى اكتسبت تميزًا في السياسة الدولية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- نظرًا لأبعاد تأثير هذه العلاقات على المستويين الإقليمي والدولي، ولما يمثله البلدان من ثقل سياسي واقتصادي على مستوى العالم. نتائج ملموسة ستتمخض عن زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى موسكو (واس) وشهدت العلاقات السعودية الروسية، منذ أن بادرت روسيا بالاعتراف بالمملكة في 26 فبراير عام 1926، تطورًا ملحوظًا على مدى العقود التسعة الماضية، متجاوزة بسياسة الاحترام المتبادل بين البلدين فترات الفتور التي مرت بهذه العلاقات، الأمر الذي جعلها تسير في تناسب طردي عبّر عنه حجم الزيارات المتبادلة بين القيادات وكبار المسؤولين في البلدين التي كانت ذات أثر إيجابي في دفع العلاقات إلى المزيد من التعاون المشترك في المجالات السياسية، والاقتصادية، والعلمية، والثقافية، وغيرها.الزيارة الأولى وتعد زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- المقررة غدا إلى روسيا الاتحادية، الأولى له -أيده الله- منذ توليه مقاليد الحكم في المملكة، وستعطي دفعة جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين، بعد أن تجدّد عهدها في 17 سبتمبر1990، عبر صدور بيان مشترك أعلن استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما على أسس ومبادئ ثابتة. يأتي ذلك فيما يتواصل التفاهم المشترك بين المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية ويتطور إلى مراحل متقدمة دعمتها الشراكة الدولية التي جمعتهما في مجموعة العشرين التي تضم 20 دولة من أقوى اقتصادات العالم، إذ حرص البلدان على استثمارها في إجراء المزيد من التشاور نحو الارتقاء بالعلاقات المتبادلة، مثلما جرى في قمة مجموعة العشرين في مدينة أنطاليا التركية عام 2015، حيث التقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -أيده الله- بفخامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واستعرضا مجالات التعاون بين البلدين وما يتعلق بتطورات الأحداث في المنطقة. الملك سلمان خلال لقائه الرئيس الروسي بوتين على هامش قمة مجموعة العشرين (أ.ف.ب) محاربة الإرهاب وحاز ملف الإرهاب والتطرف على اهتمام قيادتي البلدين، واتفقا سويًا على الوقوف ضد الإرهاب وتجفيف منابعه بسبب خطورته على الأمن العالمي واقتصاده، في الوقت الذي كانت فيه المملكة أول دولة توقع على معاهدة مكافحة الإرهاب الدولي في منظمة المؤتمر الإسلامي في شهر مايو 2000، وكانت سبّاقة في حض المجتمع الدولي على التصدي للإرهاب ووقفت مع جميع الدول المحبة للسلام في محاربته والعمل على القضاء عليه واستئصاله من جذوره. وأكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، في العديد من المحافل الإقليمية والدولية، أهمية التصدي لآفة الإرهاب، ومن ذلك دعوته -أيده الله- في أحد خطاباته الدوليّة إلى ضرورةِ مُضاعفةِ المُجتمعِ الدولي لجهودهِ لاجتثاثِ هذه الآفةِ الخطيرةِ ولتخليصِ العالمِ مِن شُرورها التي تُهدِدُ السِلمَ والأمنَ العالميينِ وتُعيقُ الجهود في تعزيزِ النموِ الاقتصادي العالميِ واستدامته. وتؤمن روسيا الاتحادية بأهمية الدور السعودي في تحقيق الأمن في المنطقة بحسب ما قالت رئيسة مجلس الاتحاد للجمعية الفدرالية الروسية فلينتينا ماتفييكو التي استقبلها الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في الرياض في 16 أبريل 2017، إذ ثمّنت ماتفييكو، في سياق حديث صحفي، دور المملكة في تعزيز الأمن والسلم الدولي، والجهود الحثيثة التي تبذلها لمكافحة الإرهاب والقضاء على تنظيماته. علاقات متينة واستطاع البلدان بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود والرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقريب وجهات النظر تجاه العديد من قضايا المنطقة من خلال تفهم ظروف كل قضية، وموقف كل بلد تجاهها. وفي 29 سبتمبر 2016، أكد المبعوث الخاص للرئيس الروسي لبلدان الشرق الأوسط ودول أفريقيا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، متانة العلاقة بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال في تصريح له: إن البلدين يعملان طيلة هذه السنوات على تطوير العلاقة الودية التقليدية بين الشعبين الصديقين وبناء علاقات على أساس الاحترام المتبادل واحترام السيادة واستقلالية القرارات في الرياض وموسكو، مؤكدًا آفاقاً واعدة لتوسيع التعاون الثنائي متبادل المنفعة في المجالات السياسية والتجارية والاستثمارية وفي مجال الاتصالات الإنسانية والدينية.اتفاقيات تعاون وخرجت زيارة الرئيس الروسي للمملكة بتوطيد أكثر للعلاقات الثنائية بين البلدين، بعد أن أثمر عنها توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادية، وثقافية، وإعلامية، وفي مجال خدمات النقل الجوي. وأكدت الأحداث الدولية حرص المملكة وروسيا على تعزيز العلاقات القائمة بينهما على مبدأ احترام القوانين الدولية، والسيادة، علاوة على تطابق وجهات النظر الثنائية تجاه العديد من الملفات المعقدة على المستويين الإقليمي والدولي، ومنها ملف الاقتصاد الدولي، بوصفهما قطبي الاقتصاد النفطي اللذين أسهما بشراكتهما الاستراتيجية في استقرار أسعار النفط، وإيجاد توجه إيجابي في السوق النفطي. واهتم البلدان، في العديد من المناسبات الثنائية والدولية، بتبادل الآراء حول أزمات سوق النفط العالمي، مثلما جرى على هامش قمة مجموعة العشرين المنعقدة في الصين 2016 التي شاركت فيها المملكة بوفد رأسه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، إذ أكدت المملكة وروسيا في اجتماع ثنائي على هامش القمة أهمية التعاون المشترك أو بالتعاون مع منتجين آخرين لبحث أوضاع السوق النفطي من خلال تشكيل فريق عمل مشترك لمراقبة ومراجعة أساسيات سوق النفط، وتقديم توصيات بالتدابير والإجراءات المشتركة التي تؤمِّن استقرار أسعاره وتجعلها قابلة للاستشراف، وأثمر هذا التفاهم تطور التعاون بين منظمة أوبك وروسيا بشكل متسارع.نقطة تحول وتؤكد هذه المعطيات أن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إلى روسيا ستكون بمثابة نقطة تحول جديدة في مسيرة العلاقات الثنائية بين البلدين تعمل على تعزيز تطلعات البلدين الصديقين نحو تكثيف العلاقات بينهما بما يعود بالنفع على الجميع في ظل المصالح المشتركة التي تجمعهما، وإطلاق المملكة رؤية 2030 التي لفتت برامجها أنظار كبرى شركات الاقتصاد العالمية. وتكمل هذه الزيارة بحجمها وقيمتها الدولية ما آلت إليه نتائج زيارته -أيده الله- لروسيا عام 2006، عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض حيث التقى الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود خلال زيارته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء ميخائيل فرادكوف، وعدد من القيادات الروسية، وعبر مضمون هذه اللقاءات عن رغبة البلدين في إكمال تطوير العلاقات الثنائية نحو الأفضل. وزاد التقارب السعودي الروسي خلال عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -رعاه الله-، تحقيقًا لمصلحة البلدين المشتركة وأمن المنطقة، فبناءً على توجيهه -أيده الله- واستجابة لدعوة الحكومة الروسية زار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، روسيا في 18 يونيو 2015.المجال العسكري والتقى الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز في مقر إقامته بسانت بترسبيرغ بعدد من المسؤولين الروس، منهم: رئيس مجلس الأعمال الروسي السعودي فلاديمير يفتو شكوف، والرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل ديميتروف، ورئيس شورى المفتين لروسيا، ورئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية الشيخ راوي عين الدين، وبحث معهم آفاق التعاون بين المملكة وروسيا في مختلف المجالات. وخلال هذه الزيارة جرى توقيع عدد من اتفاقيات التعاون بين المملكة وروسيا تختص بالمجالات العسكرية المختلفة، وإعداد برنامج تنفيذي لتنفيذ اتفاقية التعاون البترولي، والاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال الإسكان، ومذكرة النوايا المشتركة في مجال الفضاء. اتفاق النفط وفي إطار التواصل بين البلدين، التقى سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس وفد المملكة في قمة دول مجموعة العشرين التي عقدت في مدينة هانغتشو الصينية عام 2016م، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي 30 مايو 2017، زار سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، روسيا استجابة للدعوة المقدمة من فخامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبناءً على توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- لبحث العلاقات الثنائية، وتعزيز أوجه التعاون بين البلدين الصديقين، ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك. والتقى سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبحث الجانبان تعزيز التوافق السعودي الروسي حول الاتفاق النفطي الذي قادته المملكة، إذ يضمن لأول مرة في تاريخ المنظمة تعاون الدول المنتجة للنفط من خارج أوبك، وعلى رأسها روسيا، كما بحثا فرص تحفيز هذا الاتفاق وتفعيله لتحقيق عوائد إيجابية لتحقيق الاستقرار في أسواق البترول. واستعرض سموه مع الرئيس الروسي التعاون السعودي الروسي في مجال الصناعات البتروكيماوية وعددًا من الصناعات النفطية، بالإضافة إلى موضوع الشراكة وتوحيد الجهود لمكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية والفكر المتطرف بما في ذلك آسيا الوسطى، واتفقت المملكة وروسيا على عدد من القضايا الإقليمية.مسلمو روسيا وبالقدر والأهمية التي توليها المملكة لتطوير العلاقات الثنائية مع روسيا في جميع المجالات، لا تُغفل اهتمامها بأكثر من 20 مليون مسلم روسي، إذ تحرص دائماً على رعاية الحجاج الروس إلى الأماكن المقدسة الذين يبلغ عددهم سنويًا بين 16-20 ألف حاج روسي، إضافة إلى آلاف المعتمرين على مدار العام.
مشاركة :