عطفاً على موضوع تطوير الجزر الكويتية، وتحويلها إلى جاذبة للسياحة من خلال بناء فنادق ومنتجعات ومتنزهات وأماكن تسلية، يتطلع جمهور المثقفين والمهتمين بقلق، لهذا المشروع «التنموي» ذي الحس التجاري البحت، من دون مراعاة للاتجاه الدولي والإنساني في الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي الآثاري، وهو بحد ذاته يعتبر ثروة هائلة معنوية ومادية للكويت. فما زال المسؤولون يعتبرون أن الثقافة هي النتاجات الإبداعية في الفنون والآداب، وهذه النتاجات ليست الثقافة بمفهومها الشامل، بل الثقافة أوسع بكثير من حيث مفهومها، إذ هي «مجمل» النتاجات المادية والمعنوية في الماضي والحاضر، وأنماط السلوك وأنماط التفكير وأسلوب الحياة للفرد والجماعة، وذلك في بقعة مكانية محددة (دولة) وزمان محدد، فالثقافة اليوم بمفهومها الشامل تختلف عنها قبل عشرين أو ثلاثين سنة. وما النتاجات الإبداعية في الفنون والآداب إلا تجليات إبداعية للثقافة، وتعتبر الآثار والتراث البنائي أو الهندسي في بلد ما، جزءا لا يتجزأ من ثقافة البلد، فمنذ سنوات ما قبل الاستقلال أُزيلت الكثير من المباني التراثية القديمة، التي عكست الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للمجتمع الكويتي، وسبب الإزالة هو الحس التجاري والتحديث منقطع الجذور عن التراث الذي تشكل عبر قرون، وهو ما يعتبر نظرة قاصرة، بل لا نتجنى إن قلنا سطحية لما يسمى بتراث وثقافة. وينسحب هذا الحس التجاري والنظرة السطحية للحداثة المنقولة إلى مشروع تطوير الجزر، دون أي اعتبار أو فهم لضرورة الاستناد إلى التراث بمعطياته التي ذكرنا، فلا شيء يُنتج أو يُبنى على فراغ، أي دون أساسات أو جذور لهذا النتاج أو البناء، فجزيرة فيلكا تملك مخزوناً هائلاً من الآثار في باطن أرضها لم يكشف عنه بعد، وتحتاج إلى فرق عمل وتقنيات حديثة من أجل التنقيب عنها وكشفها للعالم، وأيضاً تزودنا الآثار بمعلومات تاريخية لحقب قديمة، والاستعجال في أعمال الحفر من أجل بناء المنتجعات، يعد جريمة خاصة بعدما وضعتها منظمة اليونسكو ضمن التراث العالمي، كما يمكن أن تحقق هدف الاستثمار التجاري والتنموي، بشكل يعكس اتجاهات الدولة المدنية الحضرية واهتمامها بالثقافة والتراث الثقافي، وترد كذلك على المقولات الجاهزة بأن أرض الكويت لم تسكنها تجمعات بشرية قبل 300 سنة، والمتابع لحركة التنقيب يعرف أن بعض الآثار المكتشفة تعود إلى أكثر من سبعة آلاف وخمسئة سنة وبعضها أكثر من ذلك ما زال موجوداً في باطن الأرض. إن الدول السياحية المتقدمة أصبحت كذلك لأنها لم تقض على إرثها وثقافتها وماضيها، بل استخدمتها إلى جانب أمور أخرى للجذب السياحي، ومن هنا أناشد المسؤولين باسم كل مثقف وغيور على التراث والثقافة، أن يتم تأجيل التطوير حتى تنتهي أعمال المسح للآثار المدفونة، وعرضها على العالم بطرق جذب حديثة. osbohatw@gmail.com
مشاركة :