عندما يفشل الاحتياطي الفيدرالي في تغيير قناعات الأسواق

  • 10/5/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

محمد العريان * نجحت جانيت يلين، ومعها بعض أعضاء لجنة الأسواق المفتوحة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي مرة أخرى وببراعة في رفع توقعات الأسواق، بأن هناك قراراً لزيادة أسعار الفائدة قبل نهاية العام، وهو ما يذكرنا بما حدث في مارس / آذار الماضي، ولكن بدرجة أقل حدة.ومرة أخرى أدى هؤلاء أدوارهم في التهيئة للتخلي التدريجي عن سياسة المجلس غير التقليدية من دون أن يحدثوا بلبلة في الأسواق المالية.ويحدث ذلك في بيئة من عدم الاستقرار في تشكيلة المجلس الذي شغرت مقاعد عدد من أعضائه وتنتهي ولاية رئيسته جانيت يلين مطلع العام المقبل، وهو ما يلقي ظلالاً من الشك على قدرة المجلس على الاستمرار في سعيه «لتطبيع» أسعار الفائدة بعد سنوات من اعتماده على معايير تجريبية. لكن قائمة منغصات المجلس على صعيد عدم الاستقرار الداخلي والإقليمي والعالمي تطول هذه المرة، ما يسلط الضوء على أهمية السياسة المالية ومخرجاتها وحساسية أسواق بعض الأصول.ويفهم من تلميحات أعضاء المجلس بمن فيهم رئيسته، أنهم قلقون من «التحرك التدريجي البطيء» على صعيد تطبيع السياسة، وأن الرهان على رفع أسعار الفائدة قبل نهاية العام رهان رابح. وقد حظي ذلك الرهان بجرعة دعم أخرى بعد الإعلان عن طرح خطة ترامب الضريبية مؤخراً.ووسط تزايد رهانات الأسواق على رفع أسعار الفائدة في ديسمبر/كانون الأول والتي بلغت مستويات قياسية، انتعشت معدلات العائد على سندات الخزانة فئة السنتين إلى أعلى مستوى لها منذ عشر سنوات. وقد عزز ذلك الإقبال على سندات الآجال الطويلة، سواء في ألمانيا أو اليابان بعد أن كانت السندات الألمانية تدفع نظيرتها الأمريكية صعوداً. ومع ذلك سجلت أسواق الأسهم مستويات جديدة من المكاسب وسط تدني مؤشر تذبذب المؤشرات هذا العام على الأقل، إلى مستويات قياسية أيضاً.إلا أن هذه الخطوة التي اتخذها المجلس على صعيد «التطبيع الجميل» لسياسته المالية لم تأت من فراغ. فالنقص في أعضاء المجلس وشغور منصب رئاسته يثيران تساؤلات حول قدرته على الاحتفاظ بسياسته في بيئة شديدة الحساسية على الصعيد السياسي، مصحوبة بمنغصات على الصعيد الجيوسياسي عالمياً.فالتهديد النووي الذي تمثله كوريا الشمالية لا يزال قائماً، كما أن الحركات الانفصالية في بعض مناطق العالم تفتح الباب أمام رياح عاتية لا يعرف مدى تأثيرها في الاقتصادات الوطنية والعلاقات الاقتصادية العالمية. أما على الصعيد الداخلي الأمريكي فتساور الأسواق شكوك حول نواتج التفاوض حول خطة ترامب الاقتصادية في الكونجرس ومدى إمكانية الاعتماد على المجلس وعلى البنوك المركزية الرئيسية في العالم في تبني سياسات داعمة للنمو.وتذكرنا جانيت يلين دائما بأنه ما زال مطلوباً منها ومن البنوك المركزية توضيح موقفها من «التضخم المنخفض» والمتزامن مع معدلات إنتاجية ضعيفة، كما أن العلاقة بين نسب البطالة ومعدلات أجور الساعة تسير خلافاً لمسارها التاريخي. وجميع هذه المعطيات تسلط الضوء على حالة ترنح بنيوية بما فيها تلك المشاكل الناجمة عن التحولات التقنية والديموغرافية، وتآكل الثقة بالمؤسسات والخبراء، فضلاً عن مشاكل تنفيذ عملية انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي.ولا تغيب عن قائمة المنغصات مشاكل الاقتصاد العالمي المعقدة، وهي تتجاوز حدود الحمائية وحرب العملات التي تكشف عن أن أياً من الدول التي تصنف عملاتها ضمن «العملات الرئيسية» ليس لديها استعداد لتحمل قوة عملتها ولو مرحلياً، وأخيراً توجه الكثير من البنوك المركزية لمجاراة الاحتياطي الفيدرالي في عملية تقليص برامج التيسير الكمي وتطبيع سياستها النقدية.وقبل ترحيب الأسواق بمناورة ناجحة أخرى قد تصدر عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ينبغي عليها أن تدرك أن ما بقي له من قدرة على الحركة لا يرتبط بتحركه وحده بل يرتبط بكل ما يدور حوله داخلياً وعالمياً.صحيح أن إصرار الأسواق على استمرار شراء الأسهم التي تتراجع أسعارها يساعد المجلس على اتخاذ خطوات استثنائية على صعيد امتصاص الصدمات بعيداً عن التصحيح المفاجئ في أسعار الأصول، لكن الأسواق مطالبة أيضاً بالتحوط حيال ارتفاع أسعار الأسهم الجنوني بمعزل عما يجري على أرض الواقع. وإلا فإن التعرّض للمطبات سيكون حتمياً وسط ظروف اقتصادية عالمية غير مطمئنة، بسبب ضياع البنوك المركزية بين السعي لتحقيق معدلات التضخم المستهدفة والسعي لدعم الاستقرار المالي.* كبير الاستشاريين في «أليانز»

مشاركة :