لا تزال آثار حكم تنظيم داعش ماثلة للعيان في بلدة الحويجة التي استعادتها القوات العراقية الخميس، فعلى مدخلها لوحة كبيرة تدعو إلى “الجهاد في سبيل الله” تقابلها أخرى تتوعد المدخنين. هنا ايضاً لجأ عناصر التنظيم إلى “سياسة الأرض المحروقة” عندما أدركوا أنهم موشكون على الهزيمة قبل مقتلهم أو فرارهم أمام تقدم القوات العراقية في محافظة كركوك الشمالية الغنية بالنفط والمتنازع عليها بين بغداد واربيل. فأضرموا قبل فرارهم النار بآبار النفط المحيطة بالحويجة مخلفين أعمدة من الدخان الأسود الكثيف. “لقد سببوا خسائر تقدر بملايين الدولارات” وفق ما يقول سكان المنطقة ومقاتلون من فصائل الحشد الشعبي التي شكلت في عام 2014 لمواجهة تنظيم داعش الذي سيطر على ثلث البلاد في هجوم خاطف. وتحولت مجموعة الاكشاك في السوق المركزية إلى كومة من الأنقاض جراء انفجار سيارة مفخخة، فيما رفعت قوات الحشد الشعبي راية حسينية محل راية التنظيم المتطرف السوداء. وأحرقت كذلك الحقول الزراعية في المنطقة التي اشتهرت بانتاجها الوفير والنوعي من الحبوب والبطيخ. ومنذ استعادة القوات العراقية المدينة التي كانت تعد نحو 70 الفاً من العرب السنة الخميس، بات السكان غير مرئيين. جياع وحفاة وعلى الطرق المؤدية إلى وسط الحويجة، آخر مدينة عراقية تحت سيطرة الإسلاميين المتطرفين، شوهد قرويون يلوحون للسيارات والقوافل العسكرية العابرة طلبا للطعام. قالت أم عماد وهي تذرف الدموع وترفع يدها لكل مركبة عابرة “لقد مرت أربعة أعوام منذ ان رأينا شاياً او ملعقة سكر”. وأضافت “أطفالنا يموتون من الجوع ويسيرون حفاة (…) عائلات داعش وحدهم كانوا يزدادون وزنا لأنهم فرضوا علينا اعطاءهم أكثر من ربع محصولنا”. وتتكرر مشاهد الخراب داخل المدينة، حيث دمر مقر المجلس المحلي بشكل كامل، وأشعل حريق في المستشفى الواقع قبالته وبات خارج الخدمة ولا يجرؤ أحد على دخوله خشية تفخيخه. وقال محمد خليل الناطق باسم الحشد الشعبي الذي سيطر على مستشفى الحويجة “عندما سيطر الدواعش على المدينة استخدموا المستشفى، لكن عندما اقتربت القوات العراقية أرادوا حرق كل شي حتى لا يستفيد أحد من البنى التحتية والمرافق العامة”. وفي داخل غرف المشفى، تناثر الزجاج وأنابيب فحص عينات الدم على الأرض، فيما تبعثرت في غرف الممرضات الوصفات الطبية والنشرات وغيرها من الأوراق الإدارية التي تتضمن معلومات عن الحياة تحت سيطرة التنظيم المتطرف. وعلى ورقة تحمل ترويسة “الدولة الإسلامية، ولاية كركوك”، يطلب قادة التنظيم من الموظفين توفير العلاج بأسرع وقت “للأخ عادل، الجندي في القوات الخاصة”. وقال مقاتل من الحشد الشعبي ساخرا، “هم أيضا كانوا يتعاملون بالواسطة”. نحن بانتظارهم شاركت فصائل الحشد الشعبي وغالبيتها من المقاتلين الشيعة، جنبا الى جنب مع الجيش والشرطة في المعارك ضد تنظيم داعش. وكان لهذه الفصائل دور في استعادة الحويجة الواقعة على بعد 230 كيلومترا شمال بغداد وكانت خلال نظام صدام حسين معقلا للجماعات السنية الاكثر تطرفا. هذا الأمر جعل المدينة تكتسب بعد الغزو الاميركي في سنة 2003 لقب “قندهار العراق” على اسم معقل طالبان في أفغانستان. ولذلك فإن عبارة “الجهاد” التي تكررت على منشورات دعائية مبعثرة في المستشفى أو أبعد قليلا قرب المحكمة الشرعية التي أنشاها تنظيم داعش أو شعار “السعادة في نيل الشهادة” ليست بجديدة في الحويجة. فهذه كلها تستعيد خطاب أبو مصعب الزرقاوي أمير تنظيم القاعدة في العراق الذي حارب الوجود الأمريكي على مدى أكثر من عشر سنوات قبل أن يقتل. وقال عدي سلمان (35 عاما) الذي ترك زوجته وابنته في النجف، وهي مدينة شيعية مقدسة في الجنوب، والتحق بقوات الحشد الشعبي “فليجرؤوا على العودة، نحن بانتظارهم”.
مشاركة :