من المقتطفات البحرية ما رواه لي النوخذة العم مبارك حمد الزوير عن أبيه النوخذة حمد الزوير، بشأن غوصهم على اللؤلؤ في بحر سيلان (سرنديب) المشهورة حالياً باسم «سريلانكا». تلك الجزيرة ذات المغاصات القريبة من الجزيرة، حيث يغوص بها البحارة نهاراً ويعودون إلى بر الجزيرة مساءً. وقد خرج مع النوخذة حمد الزوير كل من البحارة الأكفاء: فارس الدبوس، وسعد محمد الخضير الهاجري، وطاحوس بن شديد العتيبي، وأخوه محمد بن شديد العتيبي. ولقد كان قدرهم أن تفرض الحكومة البريطانية المستعمرة للجزيرة على هؤلاء البحارة البسطاء أن يركب معهم «شرطي يراقبهم حتى لا يفلقوا المحار بحراً ولا يصطحبوا معهم أي مفلقة، لأنها (أي الحكومة البريطانية) تأخذ ربع المحصول عندما يبيعونه، رغم كون المجهود كله منهم هم»! لقد كانت الرحلة البحرية اليومية للغوص على اللؤلؤ في «سرنديب» أبسط بكثير من مثيلاتها في الكويت، لخلوها من الغربة والمشقة وطول المسافة وطول فترة الغياب عن الوطن بالانتقال من «هير» إلى «هير» (والهير هو المغاص أي المكان الذي يغوص فيه البحارة بحثاً عن اللؤلؤ وللهيرات (جمع هير) أسماء معروفة مشهورة لدى الغواصين). ومن المواقف اللافتة للنظر، التي حصلت لهم هناك، أنهم عادوا يوماً في المساء من رحلة الغوص اليومية، فإذا بمسكنهم خال من الطباخ، والنقود فيه مسروقة، وقد كانت العملة السائدة وقتها هي الجنيهات. وقد قابلهم شخص وأصله بلوشي، فنصحهم بعدم الدخول في خلافٍ مع أحد ولا اتهام أي أحد، بل: «اذهبوا إلى الشخص المسؤول في الجزيرة عن شؤون العرب، اذهبوا إليه في الغد عند الساعة الرابعة عصراً في المكان الفلاني». وفعلاً ذهبوا على الوصف فوجدوا رجلاً من أهالي جزيرة سيلان يلبس الغترة والعقال والدشداشة، ويتكلم العربية، فلما تعرف عليهم، قال «والنعم بأهل الكويت»، فسجل أسماءهم ومقدار نقودهم المفقودة، وقال عودوا إلى مسكنكم ولا تختلفوا مع أحد، فما كان منه بعد المغرب إلا وهو لديهم، وقد أعاد إليهم نقودهم المسروقة ولا يعرفون السر العجيب في سرعة قدرته على إعادتها. فعرض عليه النوخذة حمد الزوير مبلغ خمسة جنيهات، وكان مبلغاً كبيراً في ذلك الوقت، فرفض رفضاً قاطعاً أن يأخذ شيئاً مقابل واجبه كمسؤول عن شؤون العرب في الجزيرة، وقد كان لديه النفوذ الكبير والكافي تجاه كل المتعاملين مع العرب في الجزيرة، ومنهم ذلك الطباخ الهارب بنقودهم! ولعلهم بذهابهم هذا منذ البداية إلى هذا الرجل المختص احترموا تخصّصه المبني على معرفة شؤون أهلها جيداً من جهة، وكما حرصوا على عودة نقودهم بالطرق السلمية السليمة. د. عبد المحسن الجارالله الخرافيajkharafi@yahoo.comwww.ajkharafi.com
مشاركة :