ناقش الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس، آخر التطورات فيما يتعلق باستفتاء كردستان والوضع في سوريا. وقالت مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط»، إن المباحثات خلال الاتصال تطرقت إلى مبادرة الرئيس الفرنسي للوساطة بين أربيل وبغداد، مشددا على تمسك تركيا بوحدة أراضي العراق وسوريا.وأيدت أنقرة مبادرة ماكرون لكنها عبرت في الوقت نفسه عن اعتقادها بأنها لا تكفي وحدها لحل المشكلة التي نجمت عن استفتاء كردستان. وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قال بعد مباحثات مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان في باريس الخميس الماضي، إن تركيا تؤيد جميع الإسهامات من أجل حل المشكلة، لكنه أعرب في الوقت نفسه عن مخاوفه من عدم تمكن دولة بمفردها من حل هذه القضية. ولفت إلى أن نظيره الفرنسي أبلغه بأن باريس تدعم وحدة أراضي العراق وحدوده، وأكد له ضرورة حل الأزمة بموجب الدستور العراقي، في موقف يتماشى مع الطرح التركي قائلا: «ونحن بدورنا يمكننا تقديم المساعدة، لكن في لقاءاتنا التي أجريناها... رأينا أن رئيس الإقليم، مسعود بارزاني يتحدث أكثر عن الماضي والتاريخ». وطالب جاويش أوغلو بتحديد مهلة لإدارة إقليم كردستان للتراجع عن «خطأ» الاستفتاء.وكرر الرئيس التركي المطلب التركي، أمس، في كلمة أمام تجمع لأعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم في مدينة أفيون كاراهيصار (وسط تركيا)، مخاطباً رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني بقوله: «أقولها بصراحة... إن مضيت قدماً في هذا الطريق فلن تصل إلى أي نتيجة... الشيء الوحيد الذي عليك فعله هو العودة إلى النقطة التي انطلقت منها باتجاه الاستفتاء، وإلا ستبقى وحيداً معزولاً وستفقد كل الإمكانات التي بحوزتك».وأكد إردوغان عزم بلاده على التصدي بشكل فوري لجميع الأطراف التي تهدد أمنها في الداخل والخارج، وأنها ستتخذ بالفعل خطوات في هذا الاتجاه. وعبرت تركيا، مراراً، عن استعدادها لإعادة العلاقات مع إدارة إقليم كردستان إلى سابق عهدها حال التراجع عن الاستفتاء.شدد رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، أمس من مدينة السليمانية، على أن كردستان لن تغلق باب الحوار مع بغداد، بينما كشف نائب رئيس الجمهورية العراقي إياد علاوي عن مواصلة الجهود لحل الخلافات بين أربيل وبغداد، معبراً عن تفاؤله بحل المشاكل بين الجانبين.وقال بارزاني أمس في مؤتمر صحافي، أثناء وضعه لإكليل من الورود على ضريح الرئيس العراقي السابق جلال طالباني في مدينة السليمانية: «كردستان ترغب دائماً بحل خلافاتها مع بغداد عبر الحوار، ونريد حل المشاكل معها بالتفاوض».وعقد بارزاني أمس في السليمانية اجتماعاً مع إياد علاوي وأسامة النجيفي، نائبي رئيس الجمهورية العراقي، لبحث آخر التطورات على الساحة العراقية، واستعداد الإقليم لحل المشاكل مع بغداد بالحوار والتفاوض، حيث يعتبر هذا الاجتماع الأول بين بغداد وأربيل بعد الإعلان عن نتائج استفتاء الاستقلال الذي أجراه الإقليم في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي. وأوضح علاوي في حديث للصحافيين: «نحن مستمرون في جهودنا، سواء على الصعيد الوطني، أو الصعيد الدولي والمؤسسات المهمة كالأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ويجب أن نخرج بنتيجة تصب في خدمة العراق وسلامته».من جهته، أكد النجيفي وجوب عدم اللجوء إلى فرض العقوبات والحصار ضد إقليم كردستان، مؤكداً عدم تلمس أي تراجع من بارزاني بهذا الشأن. وأضاف لشبكة «رووداو» الإعلامية بشأن الاستفتاء: «نعتقد أنه لا بد من حوار تفصيلي لحل مشاكل البلد، ليس فقط الأزمة الأخيرة بين بغداد وكردستان، بل لكل القضايا العالقة التي كانت نتيجة أخطاء وتراكمات على مدى أكثر من 10 سنوات، ولا بد من مراجعة كل الأمور من قبل القوى السياسية الرئيسية والوصول إلى نتائج تحقق الأمن والاستقرار، وتزيل مخاوف كل الأطراف حول مستقبل العراق». وتابع: «نحن نقول إنه يجب أن يكون الحل عراقياً قبل كل شيء، حتى نستطيع أن نطمئن دول الجوار وإقليم كردستان وبقية الشركاء في البلد»، مبيناً أن «القضية لا تكمن في الأزمة الأخيرة بين بغداد وأربيل بل هي أزمة دستور وقوانين وثقة وشراكة مفقودة في البلد، وكلها بحاجة إلى مراجعة».إلى ذلك، أكد رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان، فؤاد حسين، أن بارزاني «اتفق مع علاوي والنجيفي على رفع العقوبات فوراً عن إقليم كردستان». وأضاف في بيان أوردته شبكة «رووداو» الإعلامية أنه «تم بحث الوضع الراهن في العراق، وكيفية معالجة القضايا والمشاكل المتعلقة بالساحة السياسية»، وأنه تم الاتفاق على «البدء بالحوار والاجتماعات بين الأطراف السياسية الأساسية في العراق، لتهدئة الأوضاع»، وأن «تكون الاجتماعات بجدول أعمال مفتوح»، و«رفع العقوبات فوراً عن إقليم كردستان»، وأن «تبدأ الاجتماعات خلال الفترة القصيرة المقبلة، وتعتمد آلية خاصة للتنسيق المستمر».وما زال التوتر سيد الموقف في العلاقات بين أربيل وبغداد، فالحكومة العراقية ترفض التفاوض مع الإقليم إلا بشرط إلغاء نتائج الاستفتاء، بينما يصر الإقليم على موقفه بالتمسك بالاستفتاء الذي صوت فيه مواطنو الإقليم بنسبة 92.73 في المائة بنعم للاستقلال. وأوقفت بغداد في 29 سبتمبر الماضي الرحلات الجوية الدولية من وإلى مطاري أربيل والسليمانية في الإقليم كردة فعل على إجراء الاستفتاء.بدوره، قال عضو القيادة السياسية لإقليم كردستان، محمد سعد الدين، لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أن الهدف من الاستفتاء هو التصويت على الاستقلال، لكن هذا لا يعني أن كردستان ستعلن استقلالها فوراً، نحن مستعدون للجلوس والتفاوض لحل كافة المشاكل مع بغداد، ونرحب بأي طرف، سواء كان الأمم المتحدة أو دول الجوار أو واشنطن أو أي دولة من الدول الأوروبية، بأن تكون مراقبة على سير هذه المفاوضات مع بغداد»، لافتاً إلى أن نتائج الاستفتاء ليست قراراً سياسياً كي يلغيه الإقليم، «بل هي صوت الناس»، مشدداً على أن «بغداد والعالم بأسره يعلم أن شعب كردستان صوت بنعم للاستقلال بعد أن يأس من تصرفات الحكومة الاتحادية، وشاهد الأخطاء التي أقدمت عليها بغداد ضد كردستان».
مشاركة :