مفارقة مصر مع حماس والإخوان بقلم: محمد أبو الفضل

  • 10/9/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

الاهتمام المصري بالصفح عن حماس له أسبابه الاستراتيجية، بينما النبذ الحاصل للإخوان له دواعيه التكتيكية، لذلك تقدمت الأولى عن الثانية في هذه المرحلة، وبدأت القاهرة إعادة ترتيب الأوراق معها.العرب محمد أبو الفضل [نُشر في 2017/10/09، العدد: 10776، ص(9)] الخطوات السريعة التي تسير بها علاقة مصر وحركة حماس مثيرة للانتباه، وتكشف عن تطور إيجابي لافت بين الجانبين، بينما يظل الموقف الرسمي من جماعة الإخوان في مصر سلبيا، ولم تظهر مؤشرات جدية تقول أن هناك تغيرات جذرية مقبلة، في حين معروف أن حماس جزء من نسيج الإخوان حتى لو عدلت الأولى وثيقتها ولعبت بالألفاظ لتوحي بأنها تغيرت. المفارقة المصرية القائمة على الرفض التام لجماعة الإخوان والحميمية الظاهرة مع حماس، أثارت تساؤلات وتكهنات كثيرة بشأن الأسباب التي أدت إلى هذه الصيغة المختلة، وما تنطوي عليه من دلالات سياسية وأمنية، وهل يمكن أن تكون مقدمة لمصالحة مع التنظيم الأم؟ إذا كانت الحسابات التي بنتها مصر مع حماس الفلسطينية لها علاقة بالأمن القومي، فهي أيضا كذلك مع جماعة الإخوان التي لم تتورع عناصرها عن القيام بعمليات عنف وإرهاب كثيفة أرخت بظلال قاتمة على الأمن المصري، وتسببت في طول فترة عدم الاستقرار، كما أن حماس وبالتعاون مع الإخوان ارتكبت جرائم داخل مصر، وهناك قضايا عدة معروضة أمام القضاء، تضم أسماء كوادر ضمن الحركة الفلسطينية. الاهتمام المصري بالصفح عن حماس له أسبابه الاستراتيجية، بينما النبذ الحاصل للإخوان له دواعيه التكتيكية، لذلك تقدمت الأولى عن الثانية في هذه المرحلة، وبدأت القاهرة إعادة ترتيب الأوراق معها، في وقت ظهرت فيه ملامح دولية للاهتمام بعملية التسوية السياسية بين الفلسطينيين وإسرائيل، والتي يصعب دخولها دون إتمام مصالحة فلسطينية شاملة. لأن حماس رقعة في هذه العملية كان ضروريا الحوار معها، واستثمار اللحظة الحرجة التي تعيشها، بعد تراكم المواقف السلبية تجاه التيار الإسلامي وتراجع الدعم الخارجي له، ووضع حلفاء حماس، تركيا وإيران وقطر، في مربع لا يسمح باستمرار المعادلة السابقة، وتحوّل هذه الدول إلى عبء على الحركة التي عاشت واقعا إقليميا مريرا. التفاهم معها في هذه الأجواء يبدو أقل كلفة من ذي قبل، وتضيق معه هوامش المناورات التي تلجأ إليها حماس عندما يزداد الخناق حول رقبتها، لذلك جرى فتح قنوات سياسية لها، وتم التعامل مع وفود الحركة إلى مصر بطريقة دبلوماسية، تركت انطباعات تشي بأن الحركة قوة سياسية معتدلة من الممكن التوصل معها إلى قواسم مشتركة، ومصر طوت الصفحة الماضية وبدأت صفحة جديدة، عكسها الاستقبال الحار للوفود الأمنية المصرية التي ذهبت إلى قطاع غزة وهو قابع تحت سيطرة حماس. القاهرة ترى أن اللحظة مناسبة لاستعادة دورها الإقليمي، وتعتقد أن القضية الفلسطينية بوابة لتحقيق هذا الهدف في ظل انشغال لاعبين آخرين حاولوا منازعتها في دورها التاريخي، ودون السيطرة على مشاغبات حماس سوف يكون تحقيق هذا الهدف مشكوكا في جدواه، لأن انضباط الحركة أمنيا أحد أهم الشروط لتحريك عملية السلام المتجمدة التي يمكن أن تكون منطلقا لترتيبات إقليمية تخفض من علو الأصوات التقليدية للصراع العربي الإسرائيلي. أهمية حماس بالنسبة لمصر لها شق آخر لا يقل حيوية، وهو يتعلق بالتماس الأمني الحاصل بين قطاع غزة وما يجري في شمال سيناء من عمليات إرهابية، خاصة أن هناك أدلة أثبتت الدور الخطير الذي تلعبه الأنفاق الواصلة بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية والتي تشرف عليها قيادات من حماس. القبضة الحديدية التي تعاملت بها مصر مع حماس لم تحقق أغراضها، فهدم الأنفاق وإغلاق معبر رفح ومطاردة العناصر المجرمة المحسوبة على حماس، كانت لها تكاليف عالية، وتم تصويرها على أنها نمط من أنماط الحصار والتضييق على القطاع، “تتساوى فيه مصر مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي”، وبحثت القاهرة عن سبل سياسية لسد الثغرات الأمنية وتقليل الأثمان المعنوية التي كانت تتكبدها بسبب الدعاية القطرية الصاخبة ضد التصورات المصرية.كانت عملية ضبط سلوك الحركة مرهقة، لأن القيادة السياسية لحماس ليست هي التي تتحكم في القرار الأمني، وبدأت مصر ما يشبه إعداد المسرح عبر الدخول في مراحل متدرجة للوصول إلى نقطة كف الأذى عن أمنها. الوصول إلى تفاهمات بين حماس والتيار الإصلاحي الفلسطيني بقيادة محمد دحلان، كانت محاولة لضبط إيقاع الأمن في غزة، من خلال وجود شريك مضمون، ثم إدخال السلطة الفلسطينية كشريك أساسي من خلال عودة الحكومة إلى القطاع، أملا في الوصول إلى مرحلة متقدمة من المصالحة الشاملة. تشابك تقديرات مصر الداخلية مع الإقليمية فرض عليها التعامل مع حماس بأشد درجات المرونة وضبط النفس، وعدم الاهتمام بالانتقادات التي وجهت إليها من هنا وهناك، تلميحا وتصريحا، ووضعتها في موقف كمن يناقض نفسه بين حماس والإخوان، الأمر الذي تكشفت تجلياته في تغيير نبرة الخطاب الإعلامي. فعدد من مقدمي البرامج في التليفزيون المصري وجهوا مدافعهم الكلامية ضد حماس وقياداتها وكالوا لها أنواعا مختلفة من الشتائم قبل أشهر، هم أنفسهم (تقريبا) الذين التقوا وامتدحوا قيادات الحركة عندما ذهبوا إلى غزة الأسبوع الماضي، رفقة الوفد الأمني المصري الذي زار القطاع في توقيت متزامن مع دخول الحكومة الفلسطينية إليه. توقف الكثير من المتابعين عند التناقض في الخطابين السياسي والإعلامي، لأن ما تم يتجاوز الأمن القومي في بعده الخارجي، ومن الممكن أن تكون له ظلال داخلية الفترة المقبلة، فلدى القيادة المصرية يقين بأن حماس لا تزال جزءا في جماعة الإخوان وكل ما قيل عن انفصام العلاقة من قبيل الاستهلاك والرغبة في طمأنة الجهات القلقة من سلوك الحركة، ويقدم مبررات لدوائر ترى صعوبة حشرها داخل زاوية ضيقة تجبرها على تغليب الخشونة على الليونة. إذا جرت الأمور بشكل جيد وأثبتت الحركة جدارتها أن تكون شريكا فلسطينيا وطنيا، لن تكون هناك صعوبة في فتح قنوات لحوار رسمي ومعلن مع جماعة الإخوان الأم، بعد أن تصبح حماس فاعلا إيجابيا وتتحكم في بعض الخيوط السياسية بطريقة شرعية، يومها يمكن أن تتحول إلى وسيط بين الحكومة المصرية والتنظيم الأصل الذي خرجت من عباءته الحركة الفلسطينية. كاتب مصريمحمد أبو الفضل

مشاركة :