من الصعب الحديث عن تباعد بين مصر وحركة فتح الآن لمجرد أن ثمة تقاربا ظاهرا مع حماس، لأن ما يهم مصر إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وفقا لأسس وثوابت تاريخية، وليس تصفية الحسابات مع أي من أطرافها.العرب محمد أبو الفضل [نُشر في 2017/07/03، العدد: 10680، ص(9)] عندما تزداد وتيرة العلاقات بين مصر وحركة فتح الفلسطينية، يعتقد كثيرون أن ذلك يتم على حساب حماس، والعكس صحيح. وراجت هذه المعادلة خلال الأيام الماضية عقب قيام حماس بالاستجابة لمجموعة من المطالب الأمنية المصرية، وإعلانها إجراءات جديدة لضبط الأمن على حدود غزة مع مصر. ازدادت بورصة التكهنات اتساعا بعد قيام الحكومة المصرية لأول مرة منذ فترة طويلة بمد قطاع غزة بمشتقات نفطية لتخفيف أزمة الكهرباء هناك، احتدمت بسبب سياسات اتخذتها الحكومة الإسرائيلية بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية التي تمثل حركة فتح العصب الرئيس فيها. وقتها قيل إن القاهرة تضاعف من تقاربها مع حماس لضرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي بدأت العلاقات بينه ومصر تعود إلى فتورها. في هذا السياق، عاد الحديث عن سيناريو القيادي الفلسطيني محمد دحلان لخلافة عباس، يعود إلى الأضواء، ووجد الكلام بيئة مواتية هذه المرة في اللقاء الذي عقده دحلان بالقاهرة مع يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة. الطريقة التي يقيّم بها البعض علاقة مصر بالحركتين يشوبها خطأ فادح، لأنها تستخدم منهج “من ليس معنا فهو ضدنا” وتضع الصعود مع طرف على أنه خصم من الطرف الآخر، وهي طريقة لم تعد تستخدم في الكثير من الأدبيات السياسية. ففي ظل التعقيدات التي تشهدها المنطقة أصبح من المقبول أن تكون الدول منفتحة على أطراف مختلفة، حتى لو كانت بينها تناقضات هيكلية، فلا أحد يعرف أين يستقر كل طرف، طالما أنه يملك من المقومات والأوراق ما يجعله فاعلا. هذا المنهج ينطبق على علاقة مصر بكل من فتح وحماس، والتي لم تنقطع وسط الكثير من الأزمات التي مرت بها على مدار السنوات الماضية، ربما تشهد فتورا مع هذه الحركة أو تلك لكنها لم تدخل مرحلة القطيعة المطلقة. عندما كانت علاقات القاهرة مع حركة فتح في ضعفها، كانت القاهرة تحتفظ بقنوات إيجابية مع قيادات بها تحافظ على شعرة معاوية، كما لم تبلغ علاقتها بالحركات الأخرى حد القطيعة التامة مهما بلغ حجم الازدهار مع فتح. وسط دخول مصر مفاوضات التسوية السياسية مع إسرائيل عام 1977 لم تتخل عن القضية الفلسطينية، وعندما تم اتهام القاهرة بعقد صلح منفرد مع تل أبيب لم تغب هذه القضية لحظة، ليس حبا فيها، لكن لأنها جزء أصيل من الأمن القومي لمصر. هكذا كان الحال أيضا عند انطلاق قطار السلام في مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991، وما تلاه من عقد اتفاقية أوسلو وحتى رحيل الزعيم الفلسطيني أبوعمار، وقتها كانت حركة حماس تظهر على المسرح السياسي وترفض مبدأ التفاوض، مع ذلك احتفظت القاهرة بعلاقات جيدة مع الطرفين. العلاقة مع فتح طوال العقدين الماضيين كانت تتسم بالتفاهم وقليل من التباعد، وبدت حماس في مرتبة تالية مع ذلك لم يفرض العداء بين الحركتين على القاهرة تبني موقف يؤدي إلى قطيعة مع فتح أو حماس. حتى الحروب التي خاضتها الأخيرة مع إسرائيل وما منحته تقديراتها الخاطئة من مبررات وذرائع لتقوم تل أبيب بشن هجمات عسكرية على الشعب الفلسطيني، لم تجعل القاهرة تتخذ موقفا سلبيا من حماس. المحك الأساس كان عقب سقوط حكم الإخوان في مصر، وقتها جرى شن حملات سياسية وإعلامية ضد حماس باعتبارها ذراعا إخوانيا في فلسطين، وتم تحميلها مسؤولية القيام بالكثير من الخروقات في الداخل المصري، وصدر ضدها حكم قضائي وضعها في قائمة الجماعات الإرهابية. الحكومة المصرية لم تنجرف وراء الاتهامات الكثيرة، وغالبيتها ثبت صحته، بل قامت بالطعن على الحكم القضائي، وحصلت الحكومة نفسها على حكم آخر أخرج حماس من القائمة الإرهابية، لأن المصلحة اقتضت عدم حشرها في زاوية عدائية، وإجبارها على تبني تصورات والقيام بتصرفات أشد سفورا ضد الأمن القومي لمصر. الحكومة التي حصلت على أدلة تؤكد تورط حماس في الكثير من العمليات الإرهابية في سيناء، لم تقطع حبال الود مع قيادتها ودخلت معها في حوارات لضبط الأمن على الحدود، معظمها كان يوحي بالضجيج بلا طحين لكن هذا الضجيج كان مطلوبا بذاته، لأنه دليل على وجود عملية سياسية بين الجانبين، تكفل عدم ارتماء الحركة تماما في أحضان كل من تركيا وإيران وقطر. لم تنجرف مصر وراء حملات الابتزاز التي مارستها أنقرة والدوحة وقناة الجزيرة لتحميلها مسؤولية حصار غزة، في حين لم تأت تركيا أو قطر على ذكر إسرائيل التي أغلقت المعابر الستة التي تربط بين الضفة الغربية وغزة. قناة الجزيرة تفرغت للهجوم على مصر واتهامها بغلق معبر رفح الخاص بعبور الأشخاص، وتجاهلت إسرائيل التي تتحكم في جانب من معبر كفر أبوسالم الذي يربط بين مصر والأراضي الفلسطينية المحتلة ومخصص لعبور الشاحنات. الفرص التي جاءت لمصر كثيرة، وآخرها تداعيات الأزمة مع قطر، ومن تجلياتها ثبوت دعم الدوحة لقيادات إسلامية متطرفة واستضافتها لآخرين، من بينهم قيادات تابعة لحماس، مع ذلك لم تبادر القاهرة بالنيل من الحركة التي أصبحت مكشوفة ويمكن أن تتعرض للمزيد من الاستهداف من دول عدة. لم تستغل مصر الأجواء الساخنة وضاعفت من وتيرة اتصالاتها مع حماس، التي استجابت لشروطها الأمنية وهناك جهود لإعادة ترتيب الأوضاع في غزة بما يعيد لُحمتها مع الأراضي الفلسطينية وقطع الطريق على سيناريوهات تريد أن يكون حل القضية على حساب اقتطاع جزء من سيناء. من الصعب الحديث عن تباعد بين مصر وحركة فتح الآن لمجرد أن ثمة تقاربا ظاهرا مع حماس، لأن ما يهم مصر إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وفقا لثوابت تاريخية، وليس تصفية الحسابات مع أي من أطرافها، بدليل أن الرئيس محمود عباس سيحل ضيفا على القاهرة خلال أيام، ما يؤكد خيارات القاهرة بين فتح وحماس لضبط الخلل بين الحركتين والحفاظ على الأمن القومي. كاتب مصريمحمد أبو الفضل
مشاركة :