«كيف تقع في الحب»، رواية الإيرلندية سيسيليا أهيرن، صدرت أخيراً بترجمة إيهاب عبدالحميد عن المركز الثقافي العربي (الدار البيضاء) في 446 صفحة. كل فصل فيه أحد مفاتيح الذات، ويحمل واحداً مِن عناوين التنمية البشرية: كيف تستمتع بحياتك بثلاثين طريقة بسيطة؟ كيف تشعر بالناس الموجودين فى حياتك اليوم وتبدي لهم امتنانك؟ كيف تحصد ما زرعت؟ كيف تظهر وسط الزحام؟ وكلها خطوات تضعها البطلة التي تلعب دور معالجة نفسية على رغم عنها، حيث نكتشف مع تطور الرواية أن والدتها قررت إنهاء حياتها بعد محاولات كثيرة للانتحار. كانت البطلة في الرابعة من عمرها حينذاك، فاخُتزن الحادث كمحرك رئيس لها لتعمل في ما بعد على إنقاذ تلك النفوس المحطمة، التي تسعى إلى مغادرة الحياة بإرادتها لأسباب ومشكلات مختلفة لا تستطيع التغلب عليها. البطلة كريستين روز؛ صاحبة شركة توظيف، تحاول أن تجد الوظيفة المناسبة لمن يطلبها، وهي تقرأ كثيراً في المجالات كافة لتستطيع حل المشكلات النفسية والقانونية والإدارية لمن يطلبون مساعدتها. تلتقي مصادفة بـ «سايمون» الذي يقرر الانتحار لفشله في الاحتفاظ بالشقة التي دفع فيها كل ما يملك، فيستيقظ عندها الشعور بالذنب لأنها فشلت في منعه من الانتحار؛ وهي الأمنية التي طالما حلمت بها تجاه أمها بأنها استطاعت انقاذها من مصيرها. فلما تعرّضت للموقف ذاته مع «آدم» الذي رأته مصادفة وهو يحاول الانتحار بالقفز من على جسر هابيتي في دبلن، كانت ترجوه أن يتراجع رحمة بها كأن الأمر يخصها. يستجيب «آدم» لها، ويعقد معها صفقة مدتها أسبوعان حتى عيد ميلاده الخامس والثلاثين، وهي أنها لو استطاعت أن تحل مشاكله، وتجعله يحب الحياة من جديد فلن يُقدم على الانتحار، وإذا فشلت فسيكرّر التجربة. تستضيفه كريستين في بيتها، وتعقد معه الخطط التي تستقيها من الكتب، ومن بعض خبراتها، وهنا نرى كيفية تطبيق تلك الدورات والورش والندوات التي طالما نالت إعجابنا من مدرّبي تنمية الذات. نراها تتحول إلى أحداث ومواقف تُوظّف في أحداث الرواية إذ يُعزَّز الفعل الإيجابي وينسحب السلبي. كذلك يكسب الأشخاص الإيجابيون والمحبون للحياة الجولات في النهاية على رغم العثرات والعقبات وما يقابلونه من الأشخاص المحبطين. تستعرض المؤلفة كذلك نماذج عدة لشخصيات تشرحها أمامنا، وتظهر عقدها وتركيباتها حتى نهتدي معاً (القارئ والأبطال) إلى كيفية التعامل معها، مثل «أوسكار» الذي يخاف ركوب الحافلات العامة ويعتقد أن الناس تسخر منه. هو يبحث عن عمل لا يضطره إلى استخدام الحافلات، وهو ما تساعده كريستين فيه، ونراه ينجح في نهاية الرواية في عبور أزمته بمساعدتها. بل إنها تطبّق ذلك على ذاتها؛ فحينما قرّرت هجر زوجها حاولت صوغ مخاوفها تجاه الطلاق في نقاط عدة؛ ربما لتطمئن نفسها بأن لكل مشكلة حلاً، أو لتقرر التراجع عن قرارها. وتلك النقاط هي: -الأعباء المالية التي تتبع الطلاق -كيف يفكر فيها الناس -الخوف من ألا تقابل شخصاً آخر تحبه - أن تظل وحيدة بقية حياتها. وكأنها هنا تقدّم وصفة لكل المقدمين على هذا الأمر؛ أي احذروا ففي أول الطريق ستقابلون هذه المشكلات، وستنتابكم تلك الأحاسيس. اغتنت لغة الرواية بكلمات كالتعزيز، والدافعية، والطاقة، كما تآزرت القيم الإيجابية والشخصيات الطيبة والأخلاق والمعايير التي نزعم اختفاءها من حياتنا، وحاولت الكاتبة خلالها نشر قوانين دعم الذات (أنت تفكر سلبياً، تظلّ تفكّر في الأشياء السيئة التي قد تحدث طوال الوقت؛ وفى النهاية، تبدأ في جعلها تحدث؛ هل تعرف القانون القائل إن الشيء يجذب شبيهه؟) كما أن الرواية رجَّحت كفة النهايات السعيدة، وكأننا أمام قصة من الأساطير الخيالية أو قصص الأطفال حيث ينتصر الخير والحق والعدل، وهو ما لم يعد موجوداً بكثرة في الروايات الحديثة. وربما قصدت الكاتبة أن تقدم لوناً آخر من الروايات يعطي القارئ جرعة من الأمل والتفاؤل بغير أن يكون قصة أطفال، أو رواية كوميدية.
مشاركة :