دراسة أكاديمية تعيد قراءة منهج محمد السيد سعيد الفكري

  • 10/10/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

كحلم شفاف يصعد اسم المفكر المصري الراحل محمد السيد سعيد إلينا من بين ضباب كثيف يغطي سماء وطننا العربي، حلم لمفكر مصري وعربي آمن بالإنسان العربي إيمانا لم يفتر حتي حين هاجر وسقط كان يعرف أنه سوف يعود ويقوم مرة أخري في يوم ما. ولكن محمد السيد سعيد ترجل راحلا في العام 2009، أي قبيل هبوب رياح ثورات الربيع العربي، تاركا ثروة فكرية وعلمية فذة، ومكانا شاغرا لم يستطع غيره أن يملأه. هذا هو الدكتور محمد السيد سعيد الذي اجتهد تلميذه النبيل والنبيه أحمد منيسي الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتجية في إلقاء الضوء علي نتاجه ومشروعه السياسي والفكري وذلك في رسالته لنيل درجة الدكتوراه من معهد البحوث العربية بالقاهرة حول المشروع الفكري للدكتور محمد السيد سعيد والذي يراه منيسي ينتظم في مجالين أساسيين: أولهما، خاص بمنهاجيته في التحليل التي تركز على دراسة الأفكار والمبادئ والرؤى الخاصة بالنهضة والإصلاح. وثانيهما، ينصرف إلى المجالات التي يقع فيها هذا المشروع، والتي تنوعت لتشمل قضايا كثيرة عملية وفلسفية. وثمة جانب شديد الأهمية في هذا المشروع، يتمثل في أن صاحبه لم يقتصر على تقديم اجتهادات ورؤى فكرية ونهضوية بخصوص القضايا التي عاصرها، بل إنه توجه مباشرة إلى الواقع محاولاً تطبيق ما ينادي به من إصلاح، لينضم بذلك إلى كوكبة من كبار المفكرين الإصلاحيين الذين أقاموا علاقة وثيقة بين الفكر من ناحية والعمل المجسد له من ناحية أخرى. تناول أحمد منيسي في رسالته هذه طبيعة المشروع الفكري للدكتور محمد السيد سعيد، وذلك من حيث سماته الرئيسية ومراحل تطوره، بهدف بيان هوية هذا المشروع وما لحق به من تحولات أو تطورات وما قدمه من أفكار عميقة وحيوية للإصلاح والتطوير في مجالات ثلاثة: أولها، الأوضاع في مصر، وثانيها، النظام العربي والقضايا العربية، وثالثها، النظام الدولي والعلاقات الدولية. كما سعت الدراسة إلى بلورة وتحليل الإسهامات النظرية التي قدمها الدكتور محمد السيد سعيد، كواحد من المفكرين، الذين كانت لهم أفكارهم وأطروحاتهم وتصوراتهم الفلسفية العميقة في الكثير من القضايا النظرية. وقدمت هذه الدراسة الإجابة عن عدة تساؤلات رئيسية، أبرزها العوامل الأساسية التي أثرت في التكوين الفكري للدكتور محمد السيد سعيد، والتي تركت تأثيراتها العميقة على مشروعه الفكري، وطبيعة هذا المشروع والركائز الأساسية له ومعالمه الرئيسية، والإسهامات الرئيسية له في ما يتعلق بمجال حقوق الإنسان، الذي كان ركيزة مهمة في هذا المشروع، والإسهامات النظرية والفلسفية الرئيسية التي قدمها في ما يخص قضايا ومفاهيم أساسية، مثل السياسة والقوة والديمقراطية وغيرها، وكذلك ما هي الإسهامات الرئيسية التي قدمها في مجال الإصلاح والتطوير في مصر، وفي ما يخص تطوير النظام العربي والقضايا العربية الرئيسية، وتطوير النظام الدولي والقضايا والمشكلات الدولية الأساسية؟ تناول الفصل الأول من هذه الدراسة التعريف بالدكتور محمد السيد سعيد والعوامل التي أحاطت بمشروعه الفكري، حيث تناول المبحث الأول السيرة الذاتية والمسيرة العملية، فيما ناقش الثاني العوامل التي أحاطت بهذا المشروع الفكري، حيث خلصت الدراسة إلى أن هناك ثلاثة مسارات أساسية في المسيرة المهنية للدكتور محمد السيد سعيد: أولها، عمله من خلال مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام الذي امتد على مدار نحو أربعة عقود، حيث كان مركز الثقل الفكري وصاحب المقام الرفيع في هذه المؤسسة البحثية التي ضمت قامات فكرية معتبرة في مراحل تطورها المختلفة. وثانيها، عمله في مجال حقوق الإنسان ميدانياً وفكرياً، وهو المسار الذي بدأه مع عودته من الولايات المتحدة في نهاية الثمانينيات، وعلى الرغم من أنه كان من رواد الحركة الحقوقية في مصر، فإن ذلك لم يمنعه من تقويمها موضوعياً، بما لها وما عليها. وأخرها، تأسيسه لجريدة "البديل"، كمنبر صحفي يعبر عن فكر التوجه اليساري وأولوياته. وقد كان الهدف أن تكون الجريدة الصوت المطالب بالعدالة الاجتماعية، والناطق باسم من لا منبر لهم، وأن تكون منبراً للأصوات الجديدة والناشئة التي تناضل من أجل الفقراء وتطالب بالشفافية والمحاسبة وأن تكون أداة لحشد الطاقات وتعبئة الجهود من خلال صوت مخلص ونزيه. وانصب اهتمام الفصل الثاني من هذه الدراسة للتعريف بالمشروع الفكري للدكتور محمد السيد سعيد، حيث تناول المبحث الأول المعالم الأساسية لهذا المشروع، وتناول المبحث الثاني الإسهامات النظرية له، فيما ناقش المبحث الثالث حقوق الإنسان في ذلك المشروع، وقد خلصت الدراسة إلى القول بأن المشروع الفكري للدكتور محمد السيد سعيد اشتمل على أولويات متعددة، مثلت ركائز أساسية له، واستناداً إلى هذه الأولويات تنوعت القضايا التي شملها، حيث تضمن في شقيه: النظري والتطبيقي مواقفه وآراءه من قضايا مجتمعية عديدة؛ مثل الديمقراطية والحرية والحداثة وما بعدها والعلمانية، والمدارس الفكرية الغربية، وغيرها. أما في الفصل الثالث من الدراسة، فقد تم تناول الباحث أحمد منيسي قضايا النهوض الوطني المصري في المشروع الفكري للدكتور محمد السيد سعيد، حيث عرض المبحث الأول لإشكالية الإصلاح السياسي وقضاياه الرئيسية، وتناول المبحث الثاني أزمات الوضع الاقتصادي، وناقش المبحث الثالث إشكاليات الوضع الثقافي، فيما تناول المبحث الرابع قضايا الإصلاح الاجتماعي، أما المبحث الخامس، فعرض لمشكلات السياسة الخارجية المصرية. وفي الفصل الرابع ناقشت الدراسة القضايا العربية في المشروع الفكري للدكتور محمد السيد سعيد، حيث تناول المبحث الأول أزمة الإصلاح السياسي في الدول العربية، فيما تناول المبحث الثاني القومية العربية والعمل العربي المشترك، وتناول المبحثان الثالث والرابع أزمة الأوضاع الثقافية العربية، وقضايا الإصلاح الاجتماعي، أما المبحث الخامس فتناول القضية الفلسطينية، وأما المبحث السادس، فعرض لقضية العرب ودول الجوار. وقد خلصت الدراسة في هذا الفصل إلى القول بأن القضية الفلسطينية قد حظيت باهتمام مركزي في المشروع الفكري للدكتور محمد السيد سعيد، وناقشت الدراسة رؤية الدكتور محمد السيد سعيد لكيفة حل القضية الفلسطينية من خلال حل الدولتين كمرحلة لتأسيس دولة ديمقراطية واحدة على كافة أرض فلسطين التاريخية، والاستراتيجية التي يدعو إليها تنظر إلى شعار الدولة الوطنية الديمقراطية في الأرض المحتلة عام 1967 ليس كبديل إنما كخطوة نحو بناء دولة ديمقراطية علمانية لكل مواطنيها على كل أرض فلسطين التاريخية، وهذا التحرك هو جوهر النصر لأنه يضمن انحسار العقيدة الصهيونية وتراجعها. ويؤكد الدكتور محمد السيد سعيد في هذا السياق أنه يبدو أن ثمة تناقضاً بين الحل النهائي، أي الدولة الفلسطينية الواحدة في كل فلسطين تحت الانتداب، وطريقة الوصول إلى هذا الحل، أي تأسيس دولة فلسطينية وفقاً لحدود الرابع من يونيو 1967، ولكن التناقض مرفوع لأسباب كثيرة. منها أن المروق الفوري لدولة واحدة مرفوض إسرائيلياً أكثر بكثير حتى من التسليم بإعادة كل الأراضي المحتلة في يونيو 1967. ومنها أيضا أنه حتى لو وافقت إسرائيل فلن تكون هذه الدولة سوى اتحاد مظهري أو قانوني صرف بين مجتمع يهودي بالغ التقدم من النواحي السياسية والتكنولوجية والاقتصادية ومجتمع فلسطيني لا يزال يحبو في طريقة لتلمس أبجديات بناء دولة حديثة ومؤسسات هذه الدولة. ويؤكد الدكتور محمد السيد سعيد أن بناء تجربة فلسطينية سياسية وطنية أصيلة يقلل كثيرا المسافات بين «القوميتين» الفلسطينية واليهودية ويمهد لعلاقات متكافئة لا تماثل الاستعمار الداخلي. بل قد تمهد لإذابة المجتمع اليهودي في فلسطين في المحيط العربي والشرق أوسطي الأوسع. أما في الفصل الخامس من هذه الدراسة، فقد تم تناول القضايا الدولية في المشروع الفكري للدكتور محمد السيد سعيد، والتي تمثلت في ثلاث قضايا أساسية، وهي: النظام الدولي والعلاقات الدولية، والإسلام والغرب، والسياسة الخارجية الأمريكية، حيث انتهت الدراسة إلى التأكيد على أن الحل الذي يراه الدكتور محمد السيد سعيد للمشكلات الدولية، يتمثل في الضرورة الحاسمة لتأسيس نظام عالمي جديد يقوم على التطبيق الحاسم لقانون دولي يعكس آمال الإنسانية كلها في التقدم والتنمية والسلام. ولكنه لا سبيل لإنشاء مثل هذا النظام الذي يقوم بالضرورة على المشاركة إلا بإنهاء أوضاع الاستبداد على الصعيد العالمي، وهو ما يتطلب ضرورة أن يكون القانون الدولي، وليس القوة، هو الحاكم للعلاقات الدولية. وقد خلصت الدراسة إلى التأكيد على أن تصحيح العلاقة بين الإسلام والغرب من وجهة نظر الدكتور محمد السيد سعيد يتطلب من الناحية السياسية مبادرة قوية لتفكيك الطوق الذي قد ينشأ حول العالم الإسلامي، كما أن هناك حاجة ماسة لتأسيس مشروع سلام إسلامي عالمي، تبادر به الدول العربية والإسلامية، بحيث لا يكتفي العرب والمسلمون برد الفعل على ما يوجه للإسلام من اتهامات بالتطرف، بل يكونوا مبادرين بالفعل. وتعني مبادرة "مشروع سلام إسلامي" أطروحة لبناء السلام على المستويين (الإقليمي والعالمي)، أما فيما يخص العلاقات العربية الأمريكية، فيخلص الدكتور محمد السيد سعيد من تحليله لهذه العلاقات إلى التأكيد على أنها تعكس كل أمراض التبعية، وهو يخلص إلى القول بأن تصحيح الخلل القائم في تلك العلاقات يتطلب وجود استراتيجية واضحة وكاملة للتأثير على الشعب الأمريكي ودفعه لتأييد الحقوق العربية المشروعة، ولكن ذلك بالطبع يعني خوض معركة جبارة مع القوى الصهيونية التي تحتكر النفوذ على عملية صنع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.   عبدالسلام فاروق abdelsalamfarouk@yahoo.com

مشاركة :