هل تعترف ألمانيا بجرائمها في ناميبيا قبل قرن؟

  • 10/10/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

قتل الجيش الإمبراطوري الألماني بين عامَي 1904 و1907 قرابة 80 ألف شخص من قبيلة هيريرو و10 آلاف من قبيلة ناما في ناميبيا. وتنتمي هاتان القبيلتان اللتان كانتا تقودان ثورة ضد الاحتلال الألماني إلى ما يسمى اليوم بناميبيا، لكن نتائج ثورتهما كانت وخيمة وفظيعة، حيث قضى المحتل على 80 في المئة من شعب هيريرو ونصف شعب ناما. اليوم، وبينما تبحث برلين عن سبيل للاعتراف بمسؤوليتها عن ارتكاب هذه المجزرة، يسعى أهالي الضحايا للحصول على تعويضات مالية بعد مرور أكثر من قرن على تلك الإبادة. تقع «الصخرة الأفريقية» وسط المقبرة. وللوصول إليها يتوجّب المرور على نصب تذكارية تُخلّد سقوط جنود ألمان خلال حربَي القرنين التاسع عشر والعشرين. وبين مسجد سيحيتليك الذي بُني بداية عام 2000 وحظيرة مطار تومبلوف السابق، تقع مقبرة عسكرية سرّية، يأتي للتجول بين جنباتها أحيانا بعض من يحنون للفيرماخت (القوات المسلحة الموحدة لالمانيا). وأما في أحد الممرات الخارجية، فيمكن مشاهدة شاهد في شكل صخرة، يعود تاريخه الى مطلع القرن العشرين، ووضع هناك لتكريم 41 مقاتلا من عناصر جيش الاحتلال، الذين سقطوا بين عامي 1904 و1907، لكن منذ سبعة اعوام، وضع سكان حي نوكولن لافتة في المكان ذاته، دعوا من خلالها الى عدم نسيان «ضحايا الاستعمار الألماني»، وعلى الخصوص في ناميبيا، وأضيفت على اللافتة عبارة للفيلسوف الالماني فريدريك فلهيلم فون همبولت، جاء فيها «فقط من يعرفون تاريخهم هم من يستطيعون الحصول على مستقبل». قتل الاحتلال الألماني أيضا بعضا من قبيلتَي هيريرو وناما جوعا وعطشا في الصحراء، بعد ان سمم نقاط الماء، وأما آخرون فماتوا من شدة التعب أثناء عملهم في المعسكرات. وكان الجنرال لوتار فون تروتا أمر في أكتوبر من عام 1904 بقتل أي فرد من شعب هيريرو، سواء كان مسلحا او من دون سلاح، يملك غنما او لا، وقال: «لن أقبل ابدا بالمزيد من النساء والأطفال». ويصف المؤرخون اليوم هذه المجزرة بأول إبادة شهدها القرن العشرين، لكن اللافتة التي علقت على «الصخرة الافريقية» لا تذكر ذلك، لذلك يبدو ان الذاكرة الرسمية لا تزال مترددة في الحديث عن الموضوع. ببطء شديد، خرجت مجزرة هيريرو وناما من دائرة الصمت، ففي عام 2004 كانت وزيرة التنمية الالمانية هايدماري ويكزوريك زول أول من كسر التابو، حيث طلبت العفو عن هذه الجرائم المرتكبة في حق القبيلتين، لكنها واجهت انتقادات لاذعة. وبعد عام، قال وزير الخارجية الألماني فار جوشكافيشر إنه لن ينطق بأي كلمة قد تؤدي إلى تقديم «تعويضات لناميبيا». لكن بعد 11 عاما، وبالتحديد في عام 2015، شرعت الحكومتان الالمانية والناميبية في إجراء محادثات رسمية حول هذا الماضي وكلفت برلين رابريخت بولينز، الذي كان سابقا يشغل منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الالماني بالتفاوض مع الحكومة الناميبية، وقال حينها: «نرغب في التوصل إلى حل مشترك. مصطلح الإبادة سيظهر». وبعد أن اعترفت بابادة الارمن في الربيع الماضي، لا ترغب برلين من دون شك أن تبدو وكأنها تتعامل مع التاريخ بانتقائية. لقد فصل المؤرخون في الأمر، لكن النقاش لا يزال مستمرا بين الدبلوماسيين والقضاة، وهنا يضيف بولينز: «نرغب في أن نعرف اي شكل من الاعتذار تنتظره ناميبيا من ألمانيا، وكيف ستتصرف. لا يجب ان يؤثر هذا القرار المشترك سلبا في العلاقات بين البلدين». ولا تود ألمانيا أن تدفع مقابل جرائم ارتكبت قبل قرن، كما لا ترغب ان تؤسس لسابقة بين القوى المحتلة السابقة، وهنا يقول بولينز: «نحن لا نتحدث إذن عن تعويضات، لان الامر يتعلق بمصطلح قضائي، فبعد قرن من الزمان لا تعد المسألة قضائية بين البلدين، بل أخلاقية وسياسية، وهذا ليس اقل اهمية، بل مختلف». ويضيف: «نحن نرغب في الحديث عن مشاريعنا المستقبلية، وبرلين مستعدة لتمويل مؤسسة ستعمل على تنمية ناميبيا وتحفز التعليم والتبادل». وصلت الرسائل الى العاصمة الناميبية ويندهوك، والحكومة كلفت دبلوماسيا مخضرما التفاوض مع الجانب الألماني، وينتمي الدبلوماسي زاد نغافيرو البالغ من العمر 82 عاما إلى قبيلة هيريرو، لكنه كُلف السهر على رعاية مصالح البلاد، بينما تم استبعاد شعب هيريرو من المحادثات. ويقول مباكوموا هونغاري، احد ممثلي هيريرو الذين يطالبون بالانضمام إلى طاولة المحادثات: «يعيش شعبنا في ظروف صعبة للغاية، هي نتيجة مباشرة للابادة التي تعرض لها، ونرغب في استرجاع كرامتنا». ويطالب هونغاري بتعويض قبيلته التي كانت تسيطر ديموغرافيا على المنطقة قبل عام، لكنها اصبحت مثلها مثل قبيلة ناما أقلية مقارنة بشعب أوفومبو، الذين يأملون ايضا في الحصول على مساعدات ضرورية للتنمية. تظاهرة في برلين في بداية شهر اكتوبر من العام الماضي، انتقل هونغاري مع اخرين إلى برلين، للتعبير عن غضبهم من الوضع في شوارع برلين، حيث ارتدت النساء صدريات سوداء مطرزة وتنانير حمراء طويلة وقبعات حمراء مدببة الطرفين. وتقول فيبوكا كواري، وهي امراة سوداء جميلة، إن «هاتين الحافتين المدببتين ترمزان إلى قرني بقرة». هذا الزي هو مزيج من التأثير الاستعماري والثوب التقليدي القبلي. وفي هذا الشأن تضيف المتحدثة ذاتها: «على الالمان أن يعوا تاريخنا. جدتي كان شعرها اشقر ومنسدلا مثل الألمانيات، وحين أتفحص الصور، أقول انه يستحيل أن تكون هي». كانت جدة كواري ولدت بعد حادثة اغتصاب تعرضت لها والدتها. حين مشى الحشد – على صغره – كان النسوة يرددن: «زنزيزي نا»، وهو نشيد ثوري جنوب أفريقي معناه «ماذا فعلنا؟». وفي الموكب كان بكاكوموا يروي هو الآخر قصته: «جدي لوالدي أُرسل إلى جزيرة شارك، بعد ان ألقي القبض عليه، لكنه بقي على قيد الحياة». بين عامَي 1904 و1908 بنت القوات الألمانية معسكر سجناء في هذه الجزيرة الجافة قبالة مدينة لوديريتز الناميبية، حشدت فيه كل المتمردين الذين ينتمون الى هيريرو وناما. ويقول المؤرخون إن هذا المعتقل هو الاول في التاريخ الحديث، حيث سجن فيه قرابة 3 آلاف شخص، لم يبق منهم على قيد الحياة سوى 10 في المئة. اعتذار وتعويض في مقدمة الموكب، كان فيكويي روكوكو زعيم قبيلة هيرور يصرخ باعلى صوته، مطالبا بالاعتذار والتعويض، ومستنكرا موقف ألمانيا تجاه شعبه، وأما إلى جانبه فكان بيتروس سيمون موسس كوبر، زعيم مجموعة تدعى «الأمة الحمراء» الذي انتقل إلى ألمانيا ليروي قصص سابقيه، حيث قال: «كان يدعى ماناس نوريسب. ألقى الجنود القبض عليه، ثم قطعوا رأسه، وطلبوا من النساء السجينات غلي الجمجمة وتنظيف الجلد». في مطلع القرن العشرين، كان المختصون في علم الانثربولوجيا من المؤيدين للطروحات العنصرية يدرسون جماجم الشعوب السوداء، ليثبتوا انهم اقل شأنا من البيض. وقد أعيدت إلى ناميبيا بعض البقايا البشرية التي تم الاحتفاظ بها في المتاحف، حيث عثر مستشفى شاريتي في برلين على 40 عينة لبقايا بشرية، في ما عثرت جامعة فريبورغ على 14. ويقول ديتر سبيك، الذي اشرف على هذه الابحاث في فريبورغ: «إنها العينات الوحيدة التي تمكنا من تحديد هويتها بشكل نهائي». وأضاف: «لا تزال في المستشفى 1500 جمجمة تعود ألف منها الى مرحلة ما قبل التاريخ، ومن حسن حظنا أننا نعرف انه لا توجد بقايا بشرية من زمن النازية». وفي كتابه الذي صدر عام 2011، يطرح المؤرخ جورجن زيميمر، المختص في التاريخ الاستعماري الالماني، سؤالا حول الرؤية المسبقة للهولوكوست في مجازر الهيريرو، حيث يقول: «بين المرحلتين، هناك جيل كامل، لكن كان هناك استمرار للافكار كترتيب الناس وفق هرم ورفض اختلاط الدماء. ففي أفريقيا الالمانية الجنوبية الغربية، كانت الزيجات المختلطة ممنوعة، لان قطرة دم أفريقية واحدة تكفي لان تجعل منك أفريقيا، هذا الهاجس من الافارقة يذكرنا بالهاجس الالماني من اليهود». ويؤكد المؤرخ أن الماضي الاستعماري الالماني نُسي بسرعة بعد الحرب العالمية الثانية. ويضيف: «كانت هذه المرحلة قصيرة وغير ناجحة وغير معروفة كثيرا بالنسبة لألمانيا، كما كانت دموية وغطت عليها ذاكرة الهولوكوست». وأمام هذا النسيان، تعمل مؤسسة بروسيا على إنعاش ذاكرة الالمان من خلال اقامة متحف يتضم جناحا يخص علم الاعراق البشرية، ويقول مدير المؤسسة هارمان بارزينغر: «من خلال هذا المكان، نرغب ان يعي الالمان ماضيهم». (س. ل)

مشاركة :