أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، أمس، عن مبادرة جديدة للحل السياسي في اليمن وهاجم بشدة تهديدات الحوثيين، بإطلاق صواريخ باليستية على دول خليجية. وقال ولد الشيخ خلال إحاطة قدّمها أمام مجلس الأمن الدولي «إنني أعمل حالياً على مقترح شامل يتضمن مبادرات إنسانية لإعادة بناء الثقة، وخطوات لعودة الأطراف إلى طاولة المفاوضات». وأضاف: «سوف ندخل في تفاصيل المقترح مع الحكومة اليمنية ومع تحالف الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام اللذين تعهدا باللقاء والتباحث في الحيثيات». وعبّر عن أمله في «يقترن تعهُّد (الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام) بالأفعال وأن يضاعفا التزامهما بالعمل معنا بهدف التوصل إلى حل سياسي سلمي». وانتقد المبعوث الأممي تهديدات الحوثيين باستهداف الدول الخليجية بصواريخ باليستية، معتبراً ذلك «تصعيداً بالغ الخطورة». وذكر أنه في حادثتين وقعتا في 15 و18 سبتمبر (أيلول) الماضي، أدّت القذائف (الحوثية) إلى قتل وجرح عشرات المدنيين بمن فيهم 8 أطفال. وتحدث عن إطلاق الحوثيين صاروخاً آخر يوم 23 سبتمبر الماضي باتجاه مدينة خميس مشيط السعودية، إلا أن قوات التحالف اعترضت ذلك الصاروخ. وقدّم ولد الشيخ صورة قاتمة عن الوضع في اليمن، قائلاً إن «الصورة سوداوية في ظل غياب الحل السياسي»، قبل أن يحذر من «كارثة إنسانية». وشدد على أن أطراف النزاع اليمني «ماضية في صراع عسكري عقيم يعيق طريق السلام، في وقت يعاني فيه الشعب اليمني من كارثة إنسانية عارمة صنعها الإنسان»، مضيفاً أن الاشتباكات وتبادل النيران الثقيلة مستمرة على جميع المحاور الرئيسية، بما في ذلك محافظات تعز ومأرب والجوف والبيضاء وحجة وصعدة، والمناطق الحدودية اليمنية السعودية. وتطرق إلى الوضع في مدينة تعز، حيث «لا تزال المناطق السكنية تتعرض للقصف من مناطق واقعة تحت سيطرة قوات الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح». وحسب ولد الشيخ، فإن النزاع «خلّف وضعاً مأساوياً في كل جانب من جوانب الحياة اليومية»، مشيراً إلى أن «الاقتصاد آخذ في التقلّص»، حيث «لا يزال استخدام عائداتِ الدولة المتضائلة لتمويل الحرب يقوِّض دفع الرواتب التي يعتمد عليها الملايين من اليمنيين». وأضاف: «لا يستطيع نحو 17 مليون شخص الحصول على ما يكفي من الطعام، ويواجه أكثر من ثلث مقاطعات البلاد خطرَ المجاعة الحادة. وقد أدى تدمير البنية التحتية وانهيار الخدمات العامة إلى تفشّي مرض الكوليرا بشكل هو الأسوأ في العالم، وهو أمر أدّى إلى مقتل أكثر من 2100 شخصٍ وما زال يصيب الآلاف كل أسبوع». وقال ولد الشيخ: «إن أجيالاً من الشعب اليمني ستعيش تبعات هذا النزاع، بما في ذلك الدمار الواسع وسوء التغذية وغياب التعليم والتدهور الاقتصادي. ولا يمكن إلا أن تزداد الصورة سواداً في غياب الحل السياسي، ولذلك، تبرز حاجة مُلِحَّة إلى الاتفاق على إنهاء الحرب حتى يتسنى لحكومة جديدة متوافَق عليها يمنياً، ومدعومة من المجتمع الدولي، البدء بعملية إعادة بناء الاقتصاد ومؤسسات الدولة». وأشاد المبعوث الأممي بالجهود التي يبذلها البنك الدولي ومنظمة «اليونيسف» للتخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية في اليمن، مشيراً إلى أنه تم صرف القسم الأول من المساعدات النقدية للأسر اليمنية الأكثر حاجة في 20 أغسطس (آب) الماضي. وأوضح أن عائدات هذا البرنامج الذي تبلغ قيمته 400 مليون دولار ستصل إلى جميع المستفيدين منه في الأسابيع والأشهر المقبلة. وتابع أن هذا البرنامج يقدّك دعماً حيوياً للأسر، كما يحافظ على نظام ضروري لشبكة الأمان. وشدّد ولد الشيخ على أنه «في اليمن، لا يوجد رابح في المعركة، ويبقى الخاسر الأكبر هو الشعب الذي يدفع الثمن الأكبر في الحرب». وحثّ ولد الشيخ أطراف النزاع على الالتزام بوقف الأعمال العدائية، والمضي في مناقشات بشأن اتفاق سلام شامل، ودعاها إلى التوصل إلى أرضية مشتركة للتخفيف من آثار النزاع والجوع والمرض، وزيادة الثقة فيما بينها. وأضاف أنّ «التوصّل إلى اتفاق لتيسير وصول المساعدات الإنسانية والسلع التجارية إلى مدينة الحُدَيدة ومنها إلى كل المناطق اليمنية، وفتح مطار صنعاء، وضمان دفع الرواتب بشكلٍ ثابت، يشكل خطوة أساسية للتخفيف من تأزم الوضع الإنساني». لكنه أكد أن «هذه الخطوات لن تكون بديلة عن الحل الكامل والشامل الذي نريد التوصل إليه، وهي ستكون جزءاً من خطة سلام أكثر شمولية». وحذّر ولد الشيخ من وضع شروط تعجيزية تحول دون التوصل إلى إيقاف الحرب. وقال إن «الشعب اليمني يتوق إلى أن تنتهي هذه الحرب، في وقت تزداد الهوّة فيه بينه وبين من هم في السلطة في جميع أنحاء البلاد». وأضاف أنه ينقل دعوة «الشباب اليمني والمجموعات النسائية والمجتمع المدني إلى تحقيق السلام والاستقرار والمساءلة عن الجرائم المرتكبة». ودافع ولد الشيخ عن موقف الأمم المتحدة ومقترحاتها السابقة للحل في اليمن، قائلاً إن المنظمة الأممية «تسخّر كل قدراتها السياسية واللوجيستية والإدارية والاستشارية لمساعدة اليمن، لكن القرار بإحلال السلام لا يتخذه إلا أطراف النزاع، وعليهم المسؤولية في كل ما يجري. نردد أن المسارَ الوحيد القابل للتطبيق لمستقبل اليمن هو تسوية تفاوضية. المقترحات التي طرحتُها تحاكي مطالب الطرفَين وسيعود تطبيقها بالفائدة الملموسة على الشعب اليمني». وطالب ولد الشيخ مجلس الأمن بـ«استخدام كل نفوذه السياسي والاقتصادي، للضغط على الأطراف، للالتزام بمسار السلام»، مشدداً على ضرورة أن تخرج أطراف النزاع من خنادقها، وتضعَ حدّاً للخطاب العدائي». ودعا هذه الأطراف إلى أن «تتعاون من أجل اليمن بدل أن تتصارع عليه». من جانبه، قال المندوب اليمنى لدى الأمم المتحدة، الدكتور خالد اليماني، في نفس الجلسة، إن جهود المبعوث الأممي تحظى بدعم الحكومة اليمنية، مشيداً بالجهود الدولية لا سيما «مجموعة أصدقاء اليمن» في محاولتها لإعادة الاستقرار إلى اليمن. وأدان اليماني، في كلمته، التدخلات الإيرانية في بلاده، مشدّداً على أن السلام المستدام في اليمن لن يتحقّق إذا لم تتوقف أطماع إيران في البلاد. وقال إنه «بعد ثلاث سنوات من المعاناة الإنسانية غير المسبوقة في التاريخ اليمني يتبين لكل متابع أن تحالف الحوثي- صالح يستخدم اليمن وأمنه واستقراره ضمن استراتيجية شفير الهاوية التي صاغتها طهران ضمن رؤيتها التوسعية في المنطقة وتنفذها أذرعها الحوثية في اليمن». وقال مندوب اليمن لدى الأمم المتحدة إن الحقيقة التي لا تقبل الجدال هي أن الحوثيين لا يملكون الإرادة السياسية للتفاعل المباشر مع استحقاقات السلام في اليمن، لأن إرادتهم السياسية مرهونة بالخارج الذي لا يريد لليمن ولا للمنطقة الأمن والاستقرار. واعتبر أن هدف هذه الجهات هو «تدمير اليمن والاعتداء على دول الجوار ضمن أجندة تقودها إيران لنشر التوتر وزعزعة الاستقرار في المنطقة، من خلال خلق بؤر التوتر وافتعال الصراعات وتغذية النزاعات الطائفية وتأجيج مشاعر الكراهية وانتهاج أساليب الفوضى والعنف». وانتقد اليماني استمرار تحالف الحوثي - صالح في اغتصاب السلطة وسرقة 70 في المائة من موارد الدولة (حسب تقرير فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات حول اليمن)، ورفضه مبادرات السلام التي تقدم بها المبعوث الدولي في جنيف وبييل والكويت، وآخرها مبادرة الحديّدة التي رحبت بها الحكومة اليمنية واستعرضها الرئيس عبد ربه منصور هادي بكثير من التفاصيل خلال مباحثاته في نيويورك. إلى ذلك، قال رئيس مجلس الأمن الدولي للشهر الحالي، سفير فرنسا، فرنسو دولاتير، إن مجلس الأمن يدعم بشكل كامل جهود المبعوث الأممي ولد الشيخ في التوصل إلى اتفاق سلام. وقال دولاتير إن أعضاء مجلس الأمن الدولي يؤكدون على الحل السياسي للصراع في اليمن، وأعربوا عن قلقهم إزاء عدم إحراز أي تقدم في الوضع الإنساني. وطالب المجلس، بضرورة وصول المساعدات الإنسانية إلى كل المحافظات اليمنية المتضررة، وفتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء، بالإضافة إلى التنفيذ الكامل لكل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وطالب دولاتير على لسان الأعضاء الآخرين، من الأطراف اليمنية بالتعامل بحسن نية مع المبعوث الأممي، وخاصة الطرف الحوثي.
مشاركة :