مصالحة في غرفة الجراحة بقلم: عدلي صادق

  • 10/11/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لا يختلف اثنان على أن الجانب الذي يمثل رئيس السلطة محمود عباس، لم يفعل هو نفسه ما يشترطه على الطرف الآخر، بل فعل ولا يزال يفعل العكس تماما.العرب عدلي صادق [نُشر في 2017/10/11، العدد: 10778، ص(8)] تبدأ في القاهرة اجتماعات المصالحة الفلسطينية للبحث في التفاصيل والآليات. وقد سُمعت قبل وصول وفدي فتح وحماس إلى القاهرة، تصريحات استباقية، أشعلت نقاشا فلسطينيا وجعلت الأمر كله في موضع التساؤل، مما دعا الجانب المصري إلى تعزيز التفاؤل بالتأكيد على أن الاتفاق النهائي هو الخيار الوحيد. ولوحظ من خلال التصريحات، أن الجانب الحمساوي ظل حذرا لا يميل إلى الحديث عن اشتراطات مسبقة، بينما بعض أعضاء لجنة محمود عباس المركزية، لا سيما الذين عُرفوا بلغتهم المدببة، ظلوا يتحدثون عن المصالحة بمنطق المناورة، وكأنهم يريدون تسوية مشكلاتهم الخاصة مع الدولة في مصر، أي المشكلات التي وقعت بسبب تصريحاتهم العنترية طوال محاولات مصر تحقيق المصالحتين الوطنية الفلسطينية والداخلية الفتحاوية. كأنما هؤلاء يقولون إن مجرد الجلوس للتداول حول التفاصيل والآليات، لا ينبغي أن يتحقق إلا بهم وبمشاركتهم. وبدا لافتا أن هؤلاء يتحدثون كمن حققوا انتصارين لا انتصارا واحدا. الأول تأديب إسرائيل وإحراز الغلبة في الصراع معها قبل التفرغ للإجهاز على حماس، والثاني تطبيق أكثر الأنماط ديمقراطية في الحكم، حتى باتوا أصحاب حق في طرح شروطهم الدستورية والقانونية وفق المثال السويسري. لا يختلف اثنان على أن الجانب الذي يمثل رئيس السلطة محمود عباس، لم يفعل هو نفسه ما يشترطه على الطرف الآخر، بل فعل ولا يزال يفعل العكس تماما، إذ أزال الفواصل بين السلطات وتعمد تجويف المؤسسات الدستورية وتهميشها، وسيطر على القضاء وأحبط ما استقام من أحكامه، وأفلت القبضة الأمنية على المجتمع مثلما فعلت حماس في غزة. ولم يكن لديه النموذج الذي يؤهله لأن يدعو من يعتبرهم عُصاة إلى بيت الطاعة. في السياق ذاته، جرى تعويم موضوع سلاح المقاومة في غزة، إذ سجّل رئيس السلطة الفلسطينية أولى مقارباته في حديث للتلفزة المصرية قدم فيه تلخيصا لاشتراطاته على الطرف الآخر. فلا سلاح سوى الذي في أيدي الأمن التابع له، ولا مال يصل إلى قطاع غزة إلا عن طريق سلطته، أي إن الرجل يطبق الشروط الدستورية على الصعيد المالي، بينما حكومته ليست ذات بيان وزاري ولم يناقش موازنتها أي محفل أو إطار. بدا واضحا أن كل ما يريده هو منع إغاثة غزة بمساعدات إماراتية، ومنع التقدم إلى المصالحة من خلال الإمساك بحماس من موضع السلاح الذي يريد نزعه لا تأطيره أو تغيير وظيفته لكي تكون دفاعية. يريد أن يصبح سلاح الدفاع عن النفس كسلاح أجهزة الأمن في الضفة، أي في يد قوة قهرية داخل المجتمع الفلسطيني. لكن عباس الذي يضبط وجهة السلاح الفلسطيني في الضفة في السياق الأمني والتنسيق مع الاحتلال لا يرى غابة السلاح الاحتلالي المصوب إلى صدر الشعب الفلسطيني. فهو يتعايش مع هذا السلاح كأمر واقع لا يتغير إلا بتغيير موضوعي في المشهد كله. الأنكى من ذلك، هو تلقائيته عند الحديث عن إبقاء ما يسميه “العقوبات على غزة” وعدم استعجال رفعها أو إنجاز المصالحة. وكأن غزة بكل سكانها، تتلقى العقوبات عن ذنوب اقترفتها، ولا تطالها المظالم الجائرة من مستفرد بالحكم لا يحق له أن يؤذي شعبه ثم يزعم أن ما يفعله هو عقوبات بحق عصاة. ليس مطلب نزع السلاح إلا ذريعة لإحباط جهود مصر، وشرطا تعجيزيا يعرف صاحبه أنه مرفوض ويعرف الآخرون أن الهدف من طرحه إفشال المصالحة، بينما التطورات في المنطقة تتهدد الأوطان العربية، بتقسيمات جغرافية وبعناصر تفجير لمجتمعاتها. بدت شروط عباس التعجيزية سببا لتشاؤم الفلسطينيين وتكريس الانقسام الكارثي الذي يراه المصريون خطرا على أمنهم القومي مثلما هو خطر محقق على القضية الفلسطينية التي بذل المصريون الوسطاء، تاريخيا، دماءهم ومقدراتهم على طريق نصرتها. كان ما أدلى به محمود عباس سببا في تعزيز التوقعات المتشائمة، وفتح الباب لتصريحات استباقية أخرى، تشترط وتتطلب لكي تستفز حماس وتدفعها إلى التراجع، ولكي تظل غزة غارقة في بؤسها، ولكي لا يصل الفلسطينيون إلى لحظة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، ولكي لا ترتفع عن الضفة الفلسطينية وعن غزة قبضة الأمن من طرفي الانقسام، ولكي يظل المتنفذون متنفذين، وممسكين بخيوط السلطة، رُغما عن الإرادة الشعبية. كاتب وسياسي فلسطينيعدلي صادق

مشاركة :