مشكلات أمريكا تزداد تعقيداً

  • 10/12/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

جميل مطر يحدث في أمريكا الآن ما يقلق. يحدث ما يقلق أمريكيين على أمن بلادهم ومستقبل السياسة فيها ولا بد أن يقلقنا على الأمن العالمي والسلم الدولي. تابعت عن قرب وباهتمام النقاش العام الدائر حالياً في أمريكا، لاحظت أنه حول عدد من القضايا تجاوز الهدوء والاعتدال فكان حاداً وأحياناً عنيفاً. لاحظت في الوقت نفسه أن دولاً عديدة راحت بسبب القلق وعدم التأكد من مستقبل التطورات الأمريكية تفتح أبواباً في سياساتها الخارجية كانت في الغالب مغلقة لمدة طويلة وتجرب سياسات كان مجرد التفكير فيها والنصح بها مغامرة خطيرة. أحصيت عدد القضايا أو المشكلات محل اهتمام الرأي العام وسبب القلق، فوجئت بالعدد كما سبق وفوجئت بعنف نبرة النقاش والخلاف فاخترت بعضاً، ربما لأنه بدا لي كاشفاً أكثر من غيره عن عمق التغيير الحادث في أمريكا وتعقيدات الأوضاع الاجتماعية والسياسية. أولاً: قرأت ما نشر رسمياً عن استراتيجية الرئيس دونالد ترامب الجديدة لإدارة الحرب في أفغانستان، قرأت أيضاً دوافعها وتبريراتها وقرأت انتقادات وجهت إليها وتابعت النقاش حولها. هذه الحرب ليست حرباً من حروب أمريكا العادية والكثيرة. هي الحرب الأسخف والأطول والأغلى تكلفة، وهي الحرب التي عجز رؤساء عديدون عن تحقيق نصر أو تهدئة أو اتفاق يسمح بالخروج منها. ألقى الجنرال جيمس ماتيس، وزير الدفاع، والجنرال جوزيف دانفورد رئيس الأركان، ببيانيهما وشهادتيهما وإجاباتهما أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ ثم أمام المجلس مكتملاً، عرضا فيها الاستراتيجية الجديدة ودافعا عنها. قالا إنه على عكس حربي العراق وسوريا حين كان الهدف تدمير «داعش» تعمل القوات المسلحة الأمريكية طبقاً للاستراتيجية الجديدة في أفغانستان لتحقيق هدف إقناع «طالبان» بأنهم لا يمكن أن ينتصروا، وبالتالي ضرورة أن يدخلوا في مفاوضات مع الحكومة. المرحلة القادمة في الحرب الأفغانية ستكون مرحلة «كسر إرادة طالبان» بخلق الظروف الكفيلة بإقناعهم بعدم جدوى استمرارهم في الحرب. أما الخطة المزمع تنفيذها في المرحلة التي بدأت بالفعل فتقضي بوضع خبراء من حلف الناتو والجيش الأمريكي في جميع وحدات الجيش الأفغاني المتمركز على خطوط المواجهة. يعني هذا الحاجة الماسة إلى استدعاء نحو ثلاثة آلاف جندي جديد إلى قوات التحالف. القتال الفعلي سوف يباشره الجنود الأفغان وتبقى مهمة خبراء التحالف النصح والإرشاد واستدعاء القوات الجوية عند اللزوم. أقر ماتيس ودانفورد بأنهما يعتبران النصر يتحقق حين تعلن «طالبان» استعدادها للجلوس إلى مائدة مفاوضات مع حكومة كابول، وأقرأ أيضاً أن الجيش الأمريكي مستعد بشروط معينة لدعوة «طالبان» مشاركته مطاردة «داعش» و«القاعدة». بمعنى آخر لا يخفى على أحد أن أمريكا محشورة في حرب لا تعرف كيف تخرج منها، وقد لا تخرج أبداً، وهو ما عبّرت عنه السناتور إليزابيث وارين بقولها هي إذاً حرب إلى الأبد. ثانياً: هي مذبحة لا شك فيها تفوق كل ما سبقها من أعمال عنف أو قتل جماعي، مثلما وقع ضد تلاميذ مدرسة أو متسوقين أو في ساحة جامعة أو أخرى. ما حدث في لوس أنجلوس أصاب المجتمع الأمريكي إصابة بليغة. لم تقتصر أسباب القلق على تهاون وتقصير أمني سمح بإدخال أسلحة غير عادية عدداً ونوعاً إلى غرفة في فندق كبير في وسط واحدة من أهم وأكبر مدن أمريكا، بل تعدى التقصير الأمني إلى حقيقة لم تغب يوماً عن الأذهان، وهي خضوع الدولة الأمريكية التي تجاوزت سمعة جبروتها وكفاءتها الآفاق، خضوعها ضعيفة مذلولة لهيمنة صناعة الأسلحة الخفيفة. ثالثاً: عرفنا أمريكا مجتمعاً حافلاً بانقسامات من كل نوع ولون ودين، لكن انقساماته الراهنة تجاوزت كل التوقعات والمخاوف حتى إن أحد المؤرخين راح يشبه وضع المجتمع الأمريكي الحالي بوضعه في أعوام الخمسينات من القرن التاسع عشر، أي في الأعوام التي سبقت مباشرة نشوب الحرب الأهلية الأمريكية. يبالغون أو لا يبالغون يبقى أمامنا الواقع شاهداً على الخطر الذي صارت تمثله الانقسامات الراهنة. حقيقة، وللأسف، لا أعرف من أين أبدأ لحصر هذه الانقسامات والشروع في فهم أسبابها وتقدير خطورتها على الاستقرار في أمريكا والأمن في العالم. هل أبدأ بالانقسامات في البيت الأبيض بعد أن راح معلق مخضرم يشبهه بدار حضانة، لا يتوقف فيه التلاميذ، وكلهم كبار، عن الشجار، ويفشل المعلمون والمربون في ضبط النظام وفرض الاحترام المتبادل. يزداد الوضع بؤساً عندما يكون رئيس البيت الأبيض، وهو رئيس للدولة الأمريكية العملاقة، طرفاً في شجار عقيم وغير جائز وقوعه أصلاً. الرئيس يهدد دولة شريرة أو عصية أو فاشلة بالدمار الشامل إن هي اختارت طريق التصعيد في العلاقة مع أمريكا. يعلن بوب كوكر رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ أن تهديدات ترامب لكوريا الشمالية تضع أمريكا على طريق الحرب العالمية الثالثة، ويضيف أن كل أعضاء اللجنة تقريباً لديهم هذا القلق. أما وزير الخارجية، فبحكم مسؤوليته الدبلوماسية راح يصوغ رسائله إلى كوريا الشمالية بصياغات تشجع حكامها على سلوك طريق التفاوض. يخرج الرئيس الأمريكي فيسخر من صياغات وجهود وزير خارجيته. نعلم الآن أنه إذا رحل الوزير ريكس مُقالاً أو مستقيلاً فسيكون واحداً من عديدين لم يتحمل نصائحهم الرئيس . نعم يحق للأمريكيين أن يقلقوا. نحن أيضاً يجب أن نقلق. لنا تجارب بشعة مع رؤساء أمريكيين سابقين. هناك رئيس أسبق، لا يزال حياً وجماعته كذلك، ارتكب في العراق هو وجماعته ما يستحقون عليه محاكمة دولية على ما ارتكبوه ومعهم توني بلير، من جرائم في العراق ترقى في اعتقادي الشخصي إلى مرتبة جرائم حرب. لا يخفف من غضبي وقلق الملايين غيري أن يقال لي أو لأولادي من بعدي، آسفين، كان يحكمنا رئيس ونظام حكم لم يحسنا إدارة صراعات المجتمع الأمريكي الداخلية والخارجية على حد سواء.

مشاركة :