علاقة-«داعش»-بالنظرية-النسبية-لأينشتاين

  • 8/26/2014
  • 00:00
  • 24
  • 0
  • 0
news-picture

«داعش» لها بُعد علمي ايضاً. هذه الظاهرة تثبت صحة نظرية أينشتاين بإمكانية الانتقال عبر الزمن. فهؤلاء لا ينتمون الى القرن الـ21، كما قال الرئيس أوباما. والكثيرون وصفوهم بالمغول الجدد الذين ملأوا الارض قبل اكثر من 750 عاماً بجثث الأبرياء ولم تسلم منهم حتى الكتب والحيوانات. الإبادة الجماعية كانت سلاحهم في الماضي. وهي نفسها الآن تُشرع في وجوه الآلاف من العرب في العراق وسورية ولبنان وربما في دول وشعوب اخرى اذا لم يتم وقفها. هؤلاء احفاد أولئك. وقد انتقلوا الى زمننا هذا من خلال ثقب فضائي اسود. لا بد من ان يكون هذا التفسير العلمي اقرب الى الواقعية، وإلا كيف تفسر المتعة التي تعتري عناصر «داعش» بنحر المئات من الشباب العراقيين والسوريين (مسلمين سنّة وشيعة وإيزيديين ومسيحيين)؟ إنها كائنات مغولية عابرة للأزمان كانت تقاتل في صفوف جيوش هولاكو خان فضلّت الطريق ودخلت بعدها في ثقب أسود أوصلها الى هذا العالم. فرقة مُغيرة أفلتت من فصول كتب تاريخ الحروب البشرية الكبرى ابتداءً من عام ٨٠٠٠ قبل الميلاد لتحط في مضارب العصر الحديث الذي يقول عنه عالم الاجتماع الاميركي المعروف ستيفن بينكر انه يشهد انخفاضاً مشهوداً في حدة العنف مقارنة بالماضي. تبدو أخبار سبي نساء الإيزيديين في سنجار وكأنها اقتطعت من ملحمتي الالياذة والأوديسة، لواقع الاغريق قبل نحو 3200 عام بما فيها من تعامل وحشي مع النساء كغنائم بشرية وظيفتها إشباع الرغبة الجنسية للرجل وسد جوعه وغسل ملابس أمراء «داعش» وحاشيتهم بعد إجبارهن على اعتناق دين جديد مبني على الايمان والاقتناع الفكري. هل إن واقع «داعش» هذا وانفصامها عن واقع العالم المعاصر يفسران صمت العرب والمسلمين إزاء هذا العنف الفاحش المقترف؟ «لا ينتمون إلينا، هؤلاء أغراب، ولا يعنينا فعلهم، ولا ندري من أين جاؤوا»، هكذا ربما كان لسان حال الكثيرين في الشرق الاوسط. ولأولئك الذين يبحثون عن الفاعل في بيت الجيران كلما احترق قِدرُ عشائهم، ربما يُرضيهم ان نتخيل ان اميركا هي من خرم هذا الثقب الاسود الفضائي بتكنولوجيا سرية لا تعلم بها إلا نخبة ضئيلة من علمائهم. لكن قبل ان نذهب بعيداً بهذه التفسيرات النابعة من شطحات الخيال العلمي، فلننظر الى ما بين ايدينا لعلنا نرى جرحنا الدامي الذي لم يندمل منذ قرون، وهو ما سبقنا فيه اغلب دول العالم الاخرى. ولا يعوزنا التشخيص، ففي هذه الصفحات نفسها كتب حازم صاغيّة، فضلاً عن آخرين كُثر، تحليلاً مركزاً للمشهد العربي والإسلامي الذي يسحق «الآخر» بالإبادة والغزو والسبي والاستلاب. إنه تزاوج بين أصالة الهمجية وحداثة الوسائل في ظل تواطؤ أنظمة وشعوب واختيارها «الصمت والانكار...» في التعامل مع هذا المشهد المريع. فكم ملأنا الدنيا، ضجيجاً واستهجاناً وإدانةً لجرائم الاحتلال الاميركي للعراق وتلك التي تقترفها اسرائيل، وهي ادانة مبررة، ولكن الحقيقة المؤلمة اننا (العرب تحديداً) نركن إلى الهمس في ادانة جرائم الفاتكين منا بالمستضعَفين بيننا. نتقبل بإفراط من التفهم أفظع الجرائم إذا ما ارتكبت باسم السماء، وأحياناً اخرى بحجة حماية الوطن او المقاومة او الكرامة المهدرة، فنُجرد بذلك أنفسنا من المعايير الإنسانية كما نجرد منها ضحايا تلك الجرائم. سبب «داعش» كامنٌ فينا. وإلا كيف اجمع الأزهر الشريف ومفتي السعودية ومفتي لبنان والمرجع السيستاني مع البابا فرانسيس الاول على الدعوة الى مقاتلة هذه الفرقة؟ احد التفسيرات انهم يدركون خطورة هدف «داعش» ومحاولتها إيقاظ الصراع الديني والطائفي في المنطقة والعالم. هذا النوع من الصراعات الدينية غادر منصات المجتمعات المدنية في العالم منذ سنين طويلة. اصطلت ألمانيا ومعظم أوروبا بنار هذه الحروب في النصف الاول من القرن الـ17، في ما اصطلح عليه «حرب الـ30 عاماً» الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت التي تُعد من أعنف فصول الشر البشرية في هذا المضمار. القتل والسلب والتدمير الشامل للقرى والمدن أدت الى انخفاض حاد في نسبة الرجال في القارة، ما دفع ببعض الحكومات الى السماح بتعدد الزوجات لزيادة النسل. لقد سعى قادة جهاديون ومنهم الزرقاوي الذي أخرج «داعش» من رحم القاعدة الى استدراج الجيوش الغربية لما رأوا انها معركة حاسمة وحتمية ستقع بين الجيوش «الصليبية» والإسلامية في المنطقة المحصورة بين الموصل وحلب، وتحديداً في مدينة دابق السورية التي سيطر عليها «داعش» أخيراً بعد اعلانه الخلافة. فهل دفع الخوف من هذا السيناريو البابا فرانسيس الاول (فضلاً عن تهجير المسيحيين من الموصل وقتل الإيزيديين في سنجار والتركمان في تلعفر) الى دعوة قادة المسلمين الى استنكار جرائم «داعش»، قائلاً إن الصمت إزاء قطع الرؤوس والصلب والرجم وسبي النساء وبيعهن في سوق الرق يضر بصورة الدين الذي تدّعي «داعش» الدفاع عنه؟ الحقيقة ان المعركة ليست مع «داعش» وحدها، بل مع العسكرة المغلفة بإطارات إسلامية متطرفة والتي طاولت مجتمعاتنا، ومنها ما يفرزه «حزب الله» اللبناني وميليشيات طائفية من نعرات وشحنات عصبية تلتقي مع «داعش» في التعجيل بإيصال المنطقة الى المحرقة الجماعية. ينبغي توظيف الفرصة التاريخية التي وفرتها الدينامية المنبثقة من أحداث الشرق الاوسط الأخيرة لتصويب المنحدر نحو التحزب الديني والطائفي والقبلي ولبدء النقد الذاتي والحوار حول المبادئ والأفكار والروابط الانسانية لبناء مجتمعات قابلة للبقاء وعلى التنافس مع مكونات العالم الحديث ومعاييره الانسانية. لذلك لا بد من موقف واضح وحاسم إزاء هذا المنعطف التاريخي في حياة هذه الشعوب. ولكن هذه ليست مواجهة اسلحة وعنف فقط بل عقول وثقافات ايضاً. ولن تُحسم هذه المواجهة من دون خلق واقع اقتصادي جديد في المنطقة يردم الهوة بين شرائح المجتمع المختلفة ويقلل الفارق الهائل بين الدول العربية والإسلامية والعالم المتقدم. فاليوم آتٍ حين يقول الناس ناظرين الى الوراء: «كان هنا «داعش». لعله يأتي والناس على قمة التل، لا في قعر الوادي.

مشاركة :