الصدمة الحضارية العكسية هي الأسوأ في تجربة العودة للوطن بعد فترة من العيش في الخارج، لكن المحافظة على العلاقة ببلد المهجر يمكن أن تساعدك بطرق غير متوقعة. هناك العديد من الأشخاص من جنسيات مختلفة ممن مروا بتجارب عديدة يؤكدون على ضرورة أن يحافظ المغتربون الذين ينون العودة إلى أوطانهم على صلة بالأصدقاء والثقافة في البلدان التي أقاموا فيها لفترات طويلة. مرت زوي إلوز من كاليفورنيا بالولايات المتحدة بتجربة السفر إلى الخارج، ومكثت مرتين في إسرائيل بعد أن انتقلت إلى هناك بدافع الرغبة في التعرف على موطن أبيها بعد تخرجها فيالجامعة، حيث عملت لدى مؤسسة غير ربحية هناك، وعادت بعد ثلاث سنوات إلى الولايات المتحدة. وكان أحد الأسباب هو الحنين إلى البلد الذي تنتمي إليه، لكن العودة إلى مدينة نيويورك لم تكن سلسة كما توقعت. وقالت إلوز عن عودتها إلى الولايات المتحدة: "حتى الأشياء البسيطة كانت مختلفة، إنها بلدي ولا ينبغي أن أشعر فيها بالغربة والضياع". لكنها سافرت مرة أخرى بعد ستة أشهر قضتها في بلدها، وعادت إلى الشرق الأوسط. الآثار السلبية للإقامة خارج البلاد لفترة طويلة وقررت إلوز الآن وهي في عمر الـ 30 العودة إلى أمريكا مجدداً لتنتقل إلى سياتل وتعمل مع شركة للرحلات السياحية تنظم رحلات إلى إسرائيل. وحسب خبرتها، فهي تعي الصدمة الحضارية المعاكسة، ولذلك تشعر بالقلق حيال الانتقال إلى مدينة جديدة حيث لا يوجد دعم اجتماعي لها. وتقول: "أصدقائي في أمريكا لا يفهمون الاضطراب الذي أشعر به، وأتوقع أن أشعر لفترة من الزمن أنني لا أنتمي إلى بلدي". العودة إلى الوطن هناك العديد من المغتربين يجدون صعوبة في الاستقرار من جديد في أوطانهم. وهم غالباً ما يعانون من مشاعر التهميش، وحتى الاكتئاب، حسبما يقول كريغ ستورتي، مؤلف كتاب "فن العودة إلى الوطن"، وهو أيضا مختص في قضايا العائدين إلى أوطانهم بعد السفر للخارج لفترات طويلة. مصدر الصورةGetty ImagesImage caption الراحة المتوقعة من العودة إلى بلدك غالباً ما تنقلب سريعاً إلى مشاعر من عدم الراحة والتخبط. وتشير بعض الأبحاث إلى أن العائدين إلى الوطن غالباً ما يواجهون عند عودتهم صدمة حضارية أعنف من تلك التي واجهونها بعد انتقالهم إلى الخارج. وتقول إحدى الدراسات إن 80 في المئة من المديرين اليابانيين، و71 في المئة من المديرين الفنلندنيين، و64 في المئة من المديرين الهولنديين، و60 في المئة من المديرين الأمريكيين، قالوا إنهم واجهوا صعوبات عند محاولتهم التأقلم مرة أخرى في أوطانهم أكثر من تلك التي واجههوها عند انتقالهم إلى الخارج. ما الحل؟ بالنسبة للبعض، فإن إيجاد طرق للمحافظة على علاقاتهم مع بلدان المهجر، وثقافاتها، والأصدقاء الجدد فيها، أصبح عاملا مهما في مساعدتهم في التأقلم مع الحياة في أوطانهم عند عودتهم إليها. وتقول نان سوسمان، وهي باحثة علم نفس في كلية ستاتين آيلند، التي تعتبر من أفضل الكليات في مدينة نيويورك: "يجب الاستعداد قبل العودة إلى الوطن من خلال الحديث عن الأشياء التي تغيرت فيك. ويحدث التغيير والتأقلم أحياناً بشكل تدريجي، ومن الجيد أن يقضي المرء وقتاً في تأمل التغيرات الذي حدثت له خلال فترة الإقامة خارج الوطن."لماذا تتزايد أعداد المغتربين الآسيويين حول العالم؟ وتنصح سوسمان بأن يسأل الشخص نفسه عن العناصر التي يود الاحتفاظ بها من تجربة المهجر، وكذلك من حياته في وطنه، ثم دمج هذه العناصر في حياته اليومية الجديدة. وتضيف سوسمان أن هناك الكثير من الطرق للحفاظ على صلة المرء ببلد المهجر للحفاظ على هوية ثنائية الثقافة، وتقول: "يمكنك قراءة الصحيفة الخاصة بذلك البلد، ومشاهدة أفلامه، والتواصل عبر سكايب مع أصدقائك الجدد هناك". وهناك عدد ممن قابلتهم من أجل كتابة هذا المقال التقوا بأزواجهم، وأنجبوا أطفالهم، بل ومروا بأهم منعطفات في حياتهم وهم في الخارج. فقد قضى سيفان ساو 10 سنوات في دبي، وهونغ كونغ، وماليزيا، قبل العودة إلى بلده المملكة المتحدة عام 2016 للعمل في شركة للتكنولوجيا في لندن. وقد التقى ساو بزوجته البولندية في دبي، حيث أنجبا طفليهما، وعاد الآن إلى بلده. ويقول ساو إن تواصله عبر موقع فيسبوك مع أصدقائه الذين أتوا للعمل في لندن، وباقي البلدان، مهم جداً بالنسبة له. مصدر الصورةGetty ImagesImage caption هنالك الكثير من الطرق للمحافظة على الصلة بالجذور الجديدة في بلدان المهجر، من خلال الأطعمة، الموسيقى، ومتابعة الأخبار والأنشطة الرياضية هناك ويضيف ساو أنه عندما يكون الشخص في الخارج، خاصة مع غياب الأهل والأصدقاء، يكون من الأسهل التعرف على أناس جدد، ويقول: "التواصل يكون أكثر، وهناك وقت كثير لعقد اللقاءات، وكأنك اختصرت ثلاثة أو أربعة أعوام من التعرف على أشخاص جدد في فترة قصيرة جداً". والآن، تستمتع عائلة ساو خلال إقامتها في لندن بتداخل عناصر مهمة من حياة هونغ كونغ، وماليزيا في حياتهم اليومية، من خلال طهي الطعام الآسيوي في البيت مثلاً، والتواصل مع أصدقاء من هونغ كونغ ممن يعيشون في لندن. أما بالنسبة للأطفال، كما تقول سوسمان، فتكون المحافظة على الصلة ببلاد الآباء أمراً له أهمية خاصة لدى بعض أطفال "الثقافة الثالثة"، ويكون من الضروري لأغلب هؤلاء الأطفال، تذكر أن الوقت الذي قضوه في الخارج له ميزة خاصة، وهو جزء مهم في تشكيل شخصياتهم وحياتهم. قضت ماري ماغسومبول، البالغة من العمر 25 عاماً، عامين في إسبانيا، علّمت خلالهما اللغة الانجليزية بعد إتمامها دراستها الجامعية، وعادت إلى الولايات المتحدة عام 2015. وترى ماغسومبول إن الفترة التي قضتها في الخارج تعتبر جزءاً مهماً في تكوين شخصيتها. أفضل خمسة بلدان في أعين المغتربين وتقول: "لا زلت أعتبر إسبانيا وطني الثاني، وتعلمت هناك الكثير من المهارات التي ما زلت أستخدمها اليوم. وعندما غادرتها شعرت بالراحة عندما أدركت أنه يمكنني أخذ إسبانيا معي أينما ذهبت من خلال التواصل مع أصدقائي ومعارفي من الإسبان". أما بالنسبة للكاتب ستورتي، فيعتقد أن هنالك منافع مهنية من التواصل مع أبناء البلد الذي أقام فيه المغترب لفترة طويلة. ويقول: "إذا كان البلد ذو أهمية استراتيجية لشركتك أو عملك الجديد، فمن المنطقي إبقاء صلة جيدة معه، فإن جزءاً مما ستضيفه للشركة هو أن لديك علاقات هناك، أو معرفة بالثقافة السائدة، وخاصة إذا قررت شركتك التوسع هناك في المستقبل، وستكون علاقاتك هناك قيّمة جداً بطبيعة الحال". واستنادا إلى دراسة من قبل شركة "بي جي آر إس" لتنقّل المواهب، أجريت عام 2016، فإن 37 في المئة من الشركات التي شملتها الدراسة أشارت إلى أن موظفيها ممن عادوا من بلاد سافروا إليها للعمل زادوا من اهتمام الشركات بتوسيع أعمالها في الخارج. مصدر الصورةGetty ImagesImage caption يعتبر التعرف على الناس من بلد العمل السابق أو من المتحمسين له فكرة جيدة. وهناك ثلاثة في المئة فقط من الشركات قالت إن الموظفين الذين سافروا لمهام في الخارج لم يقدموا فوائد تذكر لعمل الشركة. بينما أشارت 43 في المئة من الشركات المشاركة في الدراسة إلى أن العائدين من العمل في الخارج يصلحون لأن يكونوا قادة في المستقبل، في حين ذكرت الدراسة أن 23 في المئة من هؤلاء حصلوا على ترقية في العمل بشكل سريع. إن الحصول على المهارات والمعرفة الحضارية هي عنصر مهم جداً للعائدين من مهام العمل في الخارج، حيث يصبح إيجاد عمل لرفع مستوى مهاراتهم عند العودة إلى البلد التي ترعرعوا فيها استراتيجية سائدة. لذا، تكون هناك مخاوف لدى بعض الشركات من خسارة الأشخاص الذين أرسلتهم في مهمة للخارج وعادوا غير راضين عن مناصبهم السابقة في الشركة. كما تشير دراسة "بي جي آر سي" إلى أن 14 في المئة من الشرركات قالت إن العائدين من مهام عمل طويلة في الخارج غالباً ما يتركون شركاتهم خلال سنتين من العودة، مقارنةً بالموظفين الآخرين. دليل المغتربين للعيش في "أغلى مدن العالم" يقول ستورتي إن السبب في ذلك هو أن المديرين لا يقدرون خبرة العائدين من الخارج، أو يستغلون مهاراتهم الجديدة، كما أن هنالك مشكلة مستوى الاستقلال الذي يحققه المغترِب خلال إقامته في الخارج. ويضيف: "عندما تكون مغترباً تتمتع عادة باستقلالية ومسؤولية أكبر مما لو عدت إلى الشركة التي فيها طابق كامل من المسؤولين الذين يجب أن ترفع لهم التقاير. ولذا، فإن عودة هؤلاء المغتربين إلى نفس مناصبهم قد تصبح أقل شأناً بالنسبة لهم، وقد يشعرهم ذلك بالغضب. وفي ذات الوقت، ترغب الكثير من الشركات في توظيف شخص خاض هذه التجربة". أما ساو فيشعر بالقلق إزاء العمل في لندن مجدداً، ويقول: "لقد سمعت أشياء متضاربة حول نظرة الشركات في المملكة المتحدة لمَن عملوا في الخارج لفترة، إذ يقول البعض إن المديرين يعتقدون أن الموظفين في الخارج يعيشون حياة سهلة جداً، رغم أن الواقع هو أنه من الصعب التأقلم مع ثقافة جديدة". وانتهى الأمر مع ساو إلى العمل في شركة تفكر في فتح فرع لها في آسيا، خاصة مع خبرته التي جعلت منه موظفاً مرغوباً. إضافة إلى أن ذلك سيتيح له السفر دائماً إلى هونغ كونغ في المستقبل. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital.
مشاركة :