لم يكن أشد المتفائلين نظراً للأمام يتوقع أن نرى مصالحة تجمع "فتح وحماس" جنباً إلى جنب مع بعضهم البعض بعد أحداث 2007 الشهيرة، وانفراد كل منهما بحكم إقليم دون الآخر، بل واشتعلت الخصومة التي كان الكيان الصهيوني أحد أهم العوامل في إذكاء نار الخصومة بين الإخوة، وجميعنا يعلم أن خصومة الأشقاء أحد أقذر ضروب الفجر في الخصومة حتى وصلت للتخوين ثم للاقتتال والدم، وبالفعل لم يقدر أي طرف دولي، أو إقليمي مهما كان وزنه أو تأثيره في إلزام هذه الأطراف بالعودة إلى ما قبل عام 2007 بسبب عدم وجود رغبة ملحّة لدى الأطراف الإقليمية أو الدولية لفعل هذا، أو بسبب اختلاف ميزان القوى والتحالفات في المنطقة، والربيع العربي.. إلخ، لكن يبقى السؤال: هل تبقى المصالحة أم لا؟ الإجابة عن أسئلة كهذه لا تحمل إجابات عنها شافية غير المستقبل، لكن ما بنيت أعمدته قوية يبقى معتمداً على قوته وظروف محيطه، فعلى سبيل المثال: كم مصالحة؟ وكم اتفاقية جمعت الطرفين؟ اتفاقيات مكة - صنعاء - القاهرة - الدوحة.. إلخ. الكثير لكن تأثيرها لم يلبث أن زال بعدما انفض الأشقاء من على طاولة المفاوضات، وأنا أعتقد أن الملف المالي ورواتب موظفي حكومة القطاع وحده في غمضة عين قد يقلب كل شيء رأساً على عقب إن لم يتم التعامل معه بحرفية شديدة مع مراعاة عامل الزمن أيضاً، فما بالكم بالملف الأمني الذي يعد قنبلة زمنية شائكة لم تقدر الطاولة التي تم توقيع ورقة المصالحة عليها أن تحتوي الملف المالي إلى دائرة التوافق، فما بالنا بالملف الأمني (سلاح كتائب القسام وأجهزة حماس الأمنية وسلاح المقاومة ككل متمثلاً في سلاح الفصائل.. إلخ)، والملفات الأمنية داخل القطاع نفسه هو حقل ألغام قديمة صدئة، القضايا بداخله تنفجر فقط؛ لأنها غير قابلة للتدوير أو حتى النقاش؛ لأنها لو كانت قابلة للطرح لطرحت في مباحثات القاهرة قبيل الاتفاق، ولست أدري كيف تقدمون بالزمن بناء على الضغط المكثف فقط على طرفَي النزاع دون التطرق لرؤية سليمة للتعامل مع هذه القضايا، ووضع حلول دائمة لا تبنى على الضغط السياسي وحده، خاصة بعد تصريحات صحفية نارية متبادلة بين سلطة رام الله، متمثلة في شخص محمود عباس "أبومازن" ضد سلاح المقاومة عامة والقسام خاصةً، وتصريحه لقناة cbc المصرية، بعدم سماحه ببقاء أي سلاح غير شرعي غير سلاح السلطة فقط، عندما سألته المذيعة عن سلاح المقاومة مستقبلاً! وبالطبع رد حماس كان واضحاً لا يحتاج لتفسير فهو يردد منذ أعوام وحتى بعد المصالحة المزعومة، وهو: سلاح المقاومة خط أحمر لم ولن يدخل يوماً حيز أي تفاوض، وكذلك باقي الثوابت كالمقاومة والحق في بناء دولة حرة، والعمل السياسي، وعدم الاعتراف بالكيان الصهيوني.. إلخ. * ما هي تبعات تجاهل حل قضايا الملف الأمني بداخل القطاع حلاً تاماً ينزع فتيل أي أزمة تعصف بثمرة المصالحة مستقبلاً؟ التبعات خطيرة جداً والصدام وشيك مستقبلاً إن ارتخت أيدي الوسيط المصري المدعوم إسرائيلياً وإقليمياً، وفي أول داعميه إسرائيل التي تدعم هذه المصالحة من وراء حجاب، وهو الوسيط المصري خوفاً من حرب مستقبلية وشيكة مع حماس أو من تنامي وتعاظم قوتها العسكرية والسياسية بطريقة عكسية جراء حصارها الخانق للقطاع وبداخله قوة عسكرية لا يستهان بها، وهي القسام؛ لذا لن تعترض إسرائيل بل وسوف تدعم جهود المصالحة هكذا تختار حكومة نتنياهو بين أمر الاختيارات أيضاً! أسئلة مستقبلية لا إجابات لها! تحاشى المحللون السياسيون المقربون من حماس والسلطة الإجابة عن تساؤلات تبدو بسيطة من وجهة نظر المواطن الفلسطيني، على سبيل المثال: الملف الأمني في القطاع شائك جداً، فعلى سبيل المثال ما زالت غزة وحماس تعانيان من عملاء الاحتلال طيلة سنوات، وحتى تنظيف القطاع منهم كلفهم أثماناً باهظة ما زالوا يدفعونها، تخيل معي من سوف يجلبون من الضفة للقطاع، وماذا إن اكتشفتهم أجهزة حماس.. إلى نهاية ماذا لو وما هي النتائج؟ * سلاح المقاومة ماذا لو حدث صدام من أي نوع ورفع السلاح فيه أو اشتعلت حرب مع إسرائيل! ماذا لو تعدى القسام صلاحيات الحكومة أو تعدت فتح على صلاحيات القسام وهذا متوقع؟ ما العمل؟ ماذا لو أن القسام نفذ عمليات أمنية مشددة ضد العمالة أو نفذ إعدامات ضدهم دون الرجوع للسلطة أو قدمهم للسلطة والسلطة أفرجت عنهم.. إلخ ما العمل؟! هل هناك آلية لفصل التداخل الدقيق بين سلطة حكومة التوافق وحماس؟ التداخل بين سلطات حكومة التوافق وسلطة حماس تداخل لا يستطيع أي مشرط سياسي فصله، فهو كتوأم ملتصق إن تم فصلهما يموت أحدهما! هل تنجح المصالحة؟ في البداية هي ليست مصالحة سياسية، بل هي مصالحة المصالح، حماس تنازلت ودفعت الثمن باهظاً، فاتورة لم تكن تظن يوماً أنها ستدفعها، في مقابل أن تزيح عن كاهلها تركة إدارة غزة الثقيلة لفتح، وفتح قبلت مرغمة استجابة لضغط إقليمي مكثف عليها، والمصالحة بهذا النمط وُلدت مشوهة، ولن تنفع ولن تنجح، فالملف الأمني والمالي سيفشلها عاجلاً أو آجلاً، أو إن اختلف الرعاة في الضغط على الطرفين للالتزام والرعاة الإقليميين أعتقد أن ضغطهم لن يطول، فقد تتضارب المصالح مستقبلاً مع نزول طرفي النزاع كرهاً على مصالحة قاسية شروطها على الجميع، ما دام لم يخضع أحدهم الآخر إخضاعاً تاماً له، فيبقى الجمر في الصدور ينتظر هبوب رياح الفرقة التي لن يتأنى الكيان الصهيوني في العصف بها، إن وصلت نتائج هذه المصالحة إلى نتائج لا ترضيه مستقبلاً، وأعتقد أن لدى الساسة الصهاينة بدائل مناسبة إن حدث أي شيء يعكر رضا كيانهم عن هذه المصالحة الميتة قبل أن تولد أصلاً، فالوسيط المصري لم يكن إلا وسيطاً بين تل أبيب وحماس، والباقي لا محل له من الإعراب، وإن هذبنا الوصف كانت مصالحة بين حماس وفتح بمباركة إسرائيلية، بوساطة مصرية، فهل تنجح وساطة ينجزها حلفاء إسرائيل للفلسطينيين؟ الإجابة: إن المصريين إذا دخلوا سياسة أفسدوها، وجعلوا صفاء أهلها عذاباً فما بالكم بالصهاينة؟ هذه المصالحة ليست خيراً، وأعتقد أنها السكون الذي تتبعه العاصفة، متمثلة في صفقة القرن، فعلى كل الأطراف الفلسطينية الاستعداد لمرحلة حالكة السواد، لا أعلم إن حلت ما هي تبعاتها وآثارها على خريطة الشرق الأوسط كله، وليست على حقوق الشعب الفلسطيني وحده! ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :