مصور بغداد يلخص في دقيقتين ثلاثة عقود من الحروبفاز فيلم “مصوّر بغداد”، قصة وسيناريو وإخراج مجد حميد، بجائزة أفضل فيلم قصير في الدورة الأولى لمهرجان الجونة السينمائي، متفوقا على 19 فيلما قصيرا من عدة دول عربية وأجنبية.العرب عواد علي [نُشر في 2017/10/13، العدد: 10780، ص(16)]صورة قبل الموت مثل قصيدة مركّزة مفتوحة على عالم مترام من التأويل، أو قصة قصيرة جدا، يختزل فيلم “مصوّر بغداد” عن قصة وسيناريو وإخراج مجد حميد (طوله دقيقتان و17 ثانية)، باقتصاد مشهدي سيميائي، وحساسية جمالية عالية، وبلاغة تعبيرية مدهشة قصة إنسانية عميقة عن الحرب. ومن خلال سلسلة صور شخصية يجري التقاطها لثلاثة أجيال من أسرة واحدة على خلفية مجموعة حروب، فتفقد بعد كل صورة فردا منها دون أن نسمع صوت إطلاقة رصاص أو نشاهد قطرة دم مُراق أو دمعة مُسالة، نقرأ في إيماءات شخصيات الفيلم وحركاتها الموحية وأزيائها ما تختزنه من مآسي الحروب التي توالت على العراقيين منذ بداية ثمانينات القرن الماضي حتى الآن. وفاز فيلم “مصوّر بغداد”، وهو من تمثيل كل من آلاء نجم وإياد الطائي ولبوة صالح ومهند ستار والطفل أمير الحنين، بجائزة أفضل فيلم قصير في الدورة الأولى لمهرجان الجونة السينمائي المنتهية أخيرا. كما تضمن المهرجان مسابقتين أخريين، واحدة للأفلام الروائية الطويلة وثانية للأفلام الوثائقية الطويلة، إلى جانب برنامج أفلام خارج المسابقة الرسمية، وعدد من الفعاليات والأنشطة الموازية، منها منصة الجونة السينمائية التي تعدّ ملتقى إبداعيا يهدف إلى تنمية ودعم المواهب في مصر والعالم العربي، والملتقى الإقليمي للسينما العربية المستقلة، وورشة كتابة سيناريو مع هيئة عرض الفيلم الأميركي “AFS”.مجد حميد: أسرة كاملة تذهب بإرادتها لالتقاط صورة لها، لتثبيت ذكراها الأخيرة ودرس مخرج فيلم “مصوّر بغداد” مجد حميد السينما في كلية الفنون الجميلة ببغداد، وتخرج فيها عام 2004 قبل أن يتجه إلى البرامج الوثائقية في القنوات التلفزيونية العربية، ويعمل مخرجا ومونتيرا بسبب الظروف الصعبة في العراق التي نتجت عن الاحتلال الأميركي، ثم عاد إلى بغداد بعد سنوات ليعاود الارتباط بالمشهد السينمائي والمسرحي فيها ممثلا، آملا في أن تتحسن الأوضاع، وتدعم الدولة الإنتاج السينمائي ليحقق حلمه بصنع فيلمه الأول. لكن الأوضاع بقيت على حالها، ولم تتحقق أحلام العشرات من السينمائيين الشبّان الموهوبين والمحترفين في العراق، فقرروا، وبينهم مجد حميد، أن يخوضوا غمار تجربة الإنتاج المستقل اعتمادا على تعاون بعضهم مع بعض، إضافة إلى الاتجاه للمهرجانات التي يمكن أن تدعم مشروعاتهم السينمائية. ويتحدث مجد حميد عن قصة الفيلم قائلا إنها كانت تساوره منذ سنوات طويلة، فقد ولد في فترة الحرب وكان والده الشاعر حميد قاسم معتادا على اصطحاب الأسرة كلها إلى أستوديو التصوير كلما اُستُدعي للمشاركة في الحرب، لأنه كان يخشى ألاّ يعود مرة أخرى. ورغم أن والده عاد سالما ظلت الفكرة ملتصقة بذهنه، كيف يتوجه أفراد أسرة إلى المصوّر بإرادتهم لالتقاط صورة لهم، ليس احتفاء ببهجة الحياة وإنما لتثبيت الذكرى الأخيرة في مواجهة الموت. وهذه الحالة خزنت في ذاكرته طبيعة الحياة في العراق، واليوم بعد سنوات طويلة من رحلاتهم العائلية إلى أستوديو التصوير يجد أن ثمة عددا كبيرا من الشبّان العراقيين يلتقطون صورا لأنفسهم، ويطلبون من أشخاص مقربين لهم أن ينشروها للإعلان عن موتهم إذا لم يعودوا من المعركة. وكأن الموت صار الحقيقة الحتمية في حياة العراقيين، وهو ما أراد لفت انتباههم إليه في فيلمه، وتحذيرهم “أيها العراقيون إلى أين نسير إذا ما استمر مسلسل إهدار دمكم؟”، وتنبيه العالم إلى ما يجري في هذه البقعة الجغرافية. ويضيف مجد قائلا “فكرة ‘مصوّر بغداد’ كانت تلحّ عليّ منذ مدة، وكان هدفي أن أفرغ منها، أن أخرجها من داخلي وأصنع فيلما عن الحرب لأتفرغ لأفكار أخرى، فواقعنا مليء بالحكايات الإنسانية التي تحتاج إلى العشرات من الأفلام”. يُذكر أن الفيلم الذي لم تزد كلفة إنتاجه عن 2000 دولار، أنفقت على تصميم الديكور وبعض النثريات دون أن يتقاضى فريق العمل أجرا، سبق أن فاز بالجائزة الأولى في الدورة الثانية لمهرجان “3 × 3” السينمائي المنعقد ببغداد ربيع عام 2017.
مشاركة :