مغامرة الكتابة وسؤال المستقبل في العدد الـ28 من "الجديد" بقلم: عواد علي

  • 5/8/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مغامرة الكتابة وسؤال المستقبل في العدد الـ28 من الجديد تواصل مجلة "الجديد" الثقافية في عددها الـ28، الصادر في الأول من مايو الجاري، مد الجسور مع جغرافيات الحركة الفكرية والأدبية العربية، وتتقدّم خطوات في مغامرتها المفتوحة بحثا عن الإبداعات المبتكرة والأفكار الجريئة، متطلعة باستمرار إلى أن تكون منبر المدهش والمبتكر والجريء في الفكر والإبداع.العرب عواد علي [نُشر في 2017/05/08، العدد: 10626، ص(15)]المثقف العربي والواقع المتشابك (لوحة للفنان سعد يكن) تصدرت العددَ الثامن والعشرين، عدد مايو، من مجلة “الجديد” افتتاحيةٌ موسومة بـ”الأمة المرجأة والروح الحائرة: أسئلة الثقافة في حاضر عربي أضاع البوصلة” كتبها رئيس التحرير نوري الجراح عن الأسئلة الكثيرة الجارحة التي تنتفض في أذهان العرب، اليوم، وتحتل مخيلاتهم، وتشغل مجتمعات باتت هي وثقافتها في طور عاصف من التحول. من الأسئلة التي يقترحها الجراح “هل يمكن القول إن الثقافة العربية، اليوم، يمكن أن تكون في طور إعادة نظر في مكوّناتها، وفي علاقة هذه المكونات ببعضها البعض، أم أن ذلك لا يزال عصياً مادامت الكثرة الغالبة من منتجي ثقافتها في حالة خلل واضطراب وتشتت، تتناهبها أرض الحرائق وجغرافيات المنفى ويعوزها شيء كثير من أسباب القوة ووضوح الرؤية؟ بل هل يمكن الحديث، باطمئنان، عن شيء اسمه ثقافة عربية متصلة ومتفاعلة في ما بينها في ظل تشققات وشروخ وانهدامات أصابت الاجتماع العربي، وحريق أتى على عواصم ومدن عربية وتركها قاعا صفصفا خلّف الشيء الكثير من أسباب الفرقة؟ وفي ظل وضع كارثي كهذا، هل يمكن، بعد اليوم، الحديث عن قدر عربي أم عن أقدار عربية تتباين وتختلف؟ وبالتالي هل نحن، نسبة إلى كتب القوميين العرب، أمةٌ امتلكت شروط الأمة؟ أم ترانا مللا ونحلا وجماعات اختلفت، وستظل تختلف بينها السّبل؟”. ويرى الجراح أن لا خلاص، حقا، للمجتمعات العربية من دون أن تحرر نفسها من العقل الشمولي، والتطلعات البطريركية، وتقلع عن الاستسلام للأفكار الغيبية التي يهيمن فيها وهمنا عن الوجود على حقيقتنا الأرضية.مقالات هذا العدد تنحو منحى السؤال، سؤال في الفلسفة والنقد وفي حال المجتمعات والدولة والناس، وغيرها من الأسئلة مقالات فكرية تضمن العدد مقالات فكرية وقصصا وقصائد ودراسات أدبية ويوميات ومراجعات للكتب وحوارا أدبيا، وملف قصص واسعا من اليمن. ضم هذا العدد من المجلة مجموعة متنوعة من المقالات فكتب خلدون الشمعة عن “الشعبوية وشعرية السؤال: شيء عن نزار قبّاني”، أما عامر عبد زيد فكتب عن “العرب وسؤال الدولة”، فيما قدم أحمد برقاوي مقاله بعنوان “سؤال في النقد”. أما السيد نجم فكتب حول “حاضر العرب وسؤال الهوية”، ونجد أيضا مقالا لعبدالرحمن بسيسو عن “سؤال المخَلّص”، وورقة لأحمد عبدالحليم عطية وسمها بـ”سؤال الموروث والوافد”، أما ماهر عبدالمحسن فبحث في “حاكمية النصوص”. تنحو هذه المقالات منحى السؤال، سؤال في الفلسفة، وسؤال في النقد، وسؤال في حال المجتمعات، وسؤال في الدولة والناس، وغيرها من الأسئلة الشاغلة في حاضر الفكر والأدب العربيين، في ظل انشغال العرب اليوم، لا سيما النخب المثقفة ومعها فئات غير قليلة من المتعلمين، بالأحوال والتطورات المجتمعية الداهمة إثر تفكك دول، وانهيار أخرى، ووقوف غيرها في قلب العواصف التي تضرب المشرق العربي، والحرائق التي تشتعل ولا تخمد جزئيا إلا ليشتد أوارها وتذهب أبعد في البنى والبنيان. نصوص إبداعية توزعت النصوص الإبداعية على مونودراما “الموتى لا يحلمون” لعلوان حسين، ومجموعة قصائد بعنوان “من أوراق ديكارت” لهشام القيسي، ومجموعة قصائد بعنوان “أطواق نجاة” لمحمد ميلاد، إضافة إلى قصتين “أكره الحرب” و”رقص الفناجين” لمريم جمعة فرج، وقصة “دردشة صباحية مع فنجان قهوة” لمريم الساعدي، و”مدن حجرية” لثيودوروس غريغورياديس. تجسّد مونودراما “الموتى لا يحلمون” معاناة طبيب عام في مستشفى مدينة دمرتها الحرب. ويبدو أنه أمضى في مكان المشهد الأول، وهو سرداب تحت الأرض في أطراف مدينة صغيرة خارج بغداد تقع تحت النيران المتبادلة بين الجيش والمتطرفين، زمنا تآلف فيه مع الخوف والترقب والحذر. ويظهر في المشهد الثاني في غرفة بمدينة تركية، منتظرا دوره لركوب أحد الزوارق المطاطية التي ستهربه إلى أوروبا، حتى لو كان موج البحر عواصف هائجة. خطوات ثابتة بحثا عن الإبداعات المبتكرة والأفكار الجريئة لكنه بعد تداعيات واستذكارات لزوجته وابنه الذي قُتل في انفجار، ينزع عنه سترة النجاة ويرميها جانبا، قائلاً “هذه أعيدها لك أيها المهرّب، إليك بسترة النجاة هذه، اعطها لمهاجر آخر قد يحتاجها أكثر مني، فأنا لكي أهاجر إلى بلادي لن أكون بحاجة إلى سترة نجاة”. في ملف العدد خمس وعشرون قصة من اليمن لأجيال من المبدعين هم: أسماء المصري، أسماء عبدالعزيز، إيمان عبدالوهاب حميد، انتصار السري، بسام شمس الدين، خالد لحمدي، رستم عبدالله، زيد الفقيه، سامي الشاطبي، سمير عبدالفتاح، سهير السمان، سيرين حسن، شذا الخطيب، عبدالكريم غانم، عبدالله عباس الإرياني، علي حسن العيدروس، محمد أحمد عثمان، محمد الغربي عمران، محمد عبدالوكيل جازم، منير طلال، نادية الكوكباني، نجاح الشامي، نوال القليسي، همدان زيد دماج، ووجدي الأهدل. هؤلاء الكاتبات والكتاب آمنوا بالكتابة وطناً للحرية، وبالإبداع فضاء للخيال الطليق، وبالكلمة سلاحا في وجه الاستبداد ووسيلة لمواجهة التخلف، وشعلة لإنارة طريق الحق والجمال والحرية. مع هذه القصص نتعرف بصورة أفضل على الخيال الأدبي اليمني الحديث، ونشق طريقنا في مغامرة استكشاف ممتعة صحبة المغامرة القصصية اليمنية في زمان عاصف. حوار وكتب حوار العدد كان مع ثيودوروس غريغورياديس وهو روائي يوناني بارز له 15 عملا ما بين الرواية والقصة القصيرة. يعزو غريغورياديس سبب اهتمامه بالصوت الأنثوي في رواياته إلى أن المرأة كائن مركب، تعبّر عن الكثير من المشاعر. والرجل يتعلم أن يتصرّف بشكل نمطي. لكن التحدي بالنسبة إلى الكاتب الرجل هو أن يكتب بصوت الجنس الآخر، فبهذا الشكل تُختبر قدراته. وعن دوافع شغفه، في أعماله، بالأساطير القديمة يقول “أعشق الأسطورة، فهي المعرفة الأولية، إلا أنها تحمل دوما عناصر معاصرة. أظن أننا في حاجة إلى الأساطير في عصرنا، وكلما استطعت أن أدمجها بشكل ما في عصرنا قدر الإمكان. هكذا تتحول بشكل ما القصص العتيقة إلى قصص يومية. يمكن أن تكون التكنولوجيا قد غيرت حياتنا لكن الحاجة إلى القص والحكاية والأسطورة لن تغيب أبداً”. في باب “المختصر” يعرض كمال البستاني اثني عشر كتابا من إصدار دور النشر الفرنسية، منها: “أعراض مرضية” للباحث اللبناني جلبير أشقر، من خلال مجموعة قصص ”رجال بلا نساء” للكاتب الياباني هاروكي موراكامي، و”البشرية اللاحمة” للفيلسوفة فلورانس بورغا، ورواية “حراشف الذهب” للكاتب السوداني جمال محجوب المقيم في بريطانيا، وكتاب “متمردة” وهو عبارة عن سيرة الروسية إيفغينيا ياروسلاف سكاياماركون، إضافة إلى رواية “التقاء رفاق السلاح” للروائي الصيني مو يان الفائز بجائزة نوبل عام 2012، وكتاب “ما يقولون حقّا” لسيسيل ألدوي أستاذة الأدب في جامعة ستانفورد، والباحثة في معهد العلوم السياسية بباريس، و”صحراء النقد: تفكيك وسياسة” للباحث وأستاذ الفلسفة رونو غارسيا. في “رسالة باريس” يكتب أبوبكر العيادي عن “الشعب والشعبوية”، متسائلا عما يجمع بين مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف وبين جان لوك ميلانشون زعيم حزب جبهة اليسار اليساري المتطرف، وكلاهما يوصم بالشعبوية؟ ويجيب على تساؤله بأنه لا شيء سوى أنهما يتحدثان باسم الشعب ويزعمان تمثيله مثلما يزعمان الثورة على المنظومة السائدة، والتنديد بالنخبة دفاعا عن الشعب هذا الكيان الأسطوري. أما باب “الكتب” فقد نشرت فيه المجلة مقالا عن “فرناندو بيسوا: العاشق وأنداده، رسائل ونصوص” بقلم ممدوح فراج النابي، إضافة إلى مقال آخر بعنوان “من التاريخ إلى المحتمل، نحو استنقاذ الأمل: العالم الروائي لعبدالإله بلقزيز” بقلم شرف الدين ماجدولين، و”المشهدية ولغة تفتيت الخوف” بقلم علي لفته سعيد. وفي الدراسات كتب سعد زغلول الكواكبي مقالا وسمه بـ”عبدالرحمن الكواكبي والطفلة السودانية: حجاب النور، تجربة في البحث عن الحرية”.قصص الملف نتعرف من خلالها بصورة أفضل على الخيال الأدبي اليمني الحديث، ونشق طريقنا في مغامرة استكشاف ممتعة وفي باب “تجارب” كتب حازم كمال الدين عن “المنفى والفنان”. كما نقرأ في باب أصوات “خواطر لا تسرّ الخاطر في حال الكتاب العربي” لشيرين طلعت، و”أفق على هاوية” لوليد علاء الدين، و”ميس الريم” لراجي بطحيش، و”رهان على الشعر” لنزار قبيلات. معضلة المدينة يختم مؤسس المجلة وناشرها الكاتب هيثم الزبيدي العدد بكلمة عنوانها “المدينة العربية مشهد حضري مأساوي”، يطرح فيها مفاضلة طريفة بين وظيفة المهندس المعماري والفنان التشكيلي والمهندس الحضري والمجلس البلدي في حياتنا، مؤكداً أن المهندس المعماري أهم من الفنان التشكيلي. ذوق المعماري يشكّل حياتنا بواقع البناء والعمارة والقدرة على تخيل سير الحياة في مبنى، في حين أن الفنان التشكيلي، رسّاما ونحّاتا، ليس مضطرا إلى مراعاة الكثير، يكفي أن يستهوي العمل الناظر إليه ويحسّ بالتجاوب معه. والمهندس الحضري أهم من المهندس المعماري، لأن تخطيط الأحياء في المدن مهمة عسيرة، وجماليات المدينة لا تسمح بالاعتباطية في التصاميم، بل إن جمال المدن يكمن في هدوئها وقدرتها على تمثيل هذا الهدوء بأنساق معمارية متقاربة في الروح وبعيدة عن التناقض. لكن المجلس البلدي أهم من المهندس الحضري، فهو الأمين التاريخي على صورة الأحياء في المدن، يحرس قيم العمارة والملامح الحضرية للمدينة بعيدا عن الأهواء والمصالح التي يمكن أن تبرز خلال محطات زمنية مختلفة من حياة المجتمعات. ويخلص الزبيدي إلى أن معضلة المدينة العربية الحديثة واضحة للعيان، فثمة انتهاك غير مسبوق لها. إنها تقف هذه الأيام عاجزة أمام العبث في معمارها وانسياباتها الحضرية، معالمها غائرة وتقاطعاتها حادة وتحديات اللون والشكل فيها أصعب من قدرة الكثير من الجمهور على فهمها، وكأنها لوحة تشكيلية معاصرة تحتاج إلى الكثير من التأمل لكي تفهم من أين تبدأ وأين تنتهي! ولا نغفل التطرق إلى الخطاطين والرسامين الذين ساهموا في إنجاز هذا العدد، حيث أسهم في رسم تخطيطات العدد ولوحاته الفنانون: سعد يكن، سهير سباعي، أحمد عبدالعال، محمد عبدالله عتيبي، حسام صقر، صفوان داحول، رانيا كرباج، حسين جمعان، حسام بلان، ساي سرحان، حسين عبدالرحيم سالم، موفق الكزال، نرمين المصري، ريهام السعدني، شادي أبوسعدة، وفؤاد حمدي.

مشاركة :