بين النقد وجلد الذات - يوسف القبلان

  • 8/27/2014
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

الفرق واضح بين النقد، وجلد الذات. الأول يعتمد على الحقائق ويستخدم أسلوب التقييم الذي يبحث عن الجوانب الإيجابية من أجل تعزيزها والجوانب السلبية لإيقافها. أما الثاني فمهمته هي البحث بالمجهر عن العيوب والأخطاء وتضخيمها. الأول يهدف الى الإصلاح والتطوير، والثاني يقود الى الإحباط واليأس. على مستوى الفرد، هناك من لا يثق في نفسه وقدراته وحين يسلك أي طريق ويواجه أول عقبة حتى لو كانت بسيطة فانه يتجه نحو نفسه ليجلدها بسياط الشك وعدم القدرة والعجز عن مجاراة الآخرين، وكأنه يبحث عن فرصة للاستسلام. على مستوى المجتمع يقود فريق جلد الذات حملة التفتيش عن الأخطاء وتسليط الضوء على بعض العادات والسلوكيات ثم إبرازها بطريقة ساخرة تشير الى أن الهدف ليس الإصلاح وانما التندر. قد يرى البعض أن جلد الذات بالسخرية هو فن يساهم في التغيير وتحريك المياه الراكدة، هذا صحيح ولكن بحدود. مطلوب أن نقف أمام المرآة لنقيم أنفسنا من أجل التغيير نحو الأفضل وليس للوصول الى محطة توقف عنوانها اليأس والإحباط. نفتح كتاب التنمية فنجد قضايا كثيرة تنتظر النقد العلمي والأفكار البناءة والحلول العملية. قضايا تحتاج الى دراسات وبحوث ومقالات جادة تساهم في البناء والاثراء. ونبحث عن دور الجامعات ومراكز البحوث فنكتشف أن هذا الدور بحاجة الى تعزيز ونقلة نوعية لا تكتفي بالندوات والمؤتمرات وما يصدر من توصيات وانما تقديم حلول عملية. وحين يحضر النقد العلمي والدراسات العملية ولا يحدث التأثير المطلوب والتغيير المنشود، عند ذلك تحين فرصة جلد الذات ويتحول هذا الأسلوب الى وسيلة للإضحاك والإحباط والتلذذ بمتعة النظرة الدونية التي ينظر بها فريق جلد الذات الى مجتمعه. وفي مقابل فريق جلد الذات يوجد فريق آخر هو فريق تضخيم الذات على مستوى الأفراد والمجتمع. على مستوى الفرد يوجد من يعتقد أنه لا مثيل له في قدراته وينعكس هذا على سلوكه حيث الغرور والتباهي واحتقار الآخرين. وعلى مستوى المجتمع تصل المشاعر الوطنية عند فئة من الناس (ويكون منهم أحيانا فريق جلد الذات) الى مرحلة التعصب والتمييز ضد المجتمعات الأخرى، والى مرحلة التفاخر بما يستحق وما لا يستحق وبما هو حقيقي وغير حقيقي. وللتوضيح أكثر قد نجد أن من يمارس جلد الذات تجاه مجتمعه يتحول الى النقيض ويضع مجتمعه في مقدمة المجتمعات وفي كلتا الحالتين فهو يستخدم معايير عاطفية. في مجتمعنا مجالات كثيرة تنتظر التطوير، وعملية التطوير عملية مستمرة، والنقد الجاد مطلوب، وكذلك النقد الساخر الذي لا يصل الى الإحباط واليأس أو يصبح مادة للسخرية التي تكتفي بهدف الاضحاك والتسلية. لا نريد أن نتوقف عن النقد خوفا من تهمة جلد الذات فهناك فرق بين هذا وذاك، ولكن نريد أن نتوقف عن جلد الذات لأنه ليس نقدا.

مشاركة :