في تقرير طويل لصحيفة الغارديان البريطانية عن كيفية تجنيد الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) المختلفة سرّاً العلماء النوويين، أوضحت أنها تبدأ استعداداتها قبل أشهر عدة وتنفق أموالا طائلة في هذا المجال لإغراء العلماء النوويين للخروج من بلدان؛ مثل إيران وكوريا الشمالية، لافتة إلى أن الاستخبارات ترسل ــــ بشكل روتيني ــــ عملاء إلى المؤتمرات الأكاديمية، أو تستضيف مؤتمراتها الوهمية التي تنظّمها بنفسها، لتبدأ من هناك تنفيذ هذه المهمة. وتضيف الصحيفة: «تستخدم الاستخبارات غالبا شركات متخصّصة واجهةً، وتموّلها لعقد المؤتمر في مراكز متخصصة غير مشبوهة في دول أجنبية، وتجهز الدعوات للمتحدثين والضيوف، وتزرع العملاء وسط الطبّاخين والعاملين الآخرين، كل ذلك لإيقاع العالِم النووي الإيراني ـــــ على سبيل المثال ـــــ في حبائلها وإغرائه لمغادرة البلاد». تسميم الحرّاس وتكمل «الغارديان» انه «في حالة مرافقة حرّاس حكوميين للعالِم المعني بالمؤتمر، يمارس عميل الاستخبارات أساليب عدة للفصل بين الحراس والعالِم، ولو لبضع دقائق فقط، والانفراد به. فأحيانا ينتظر حتى ينام الحرّاس في الليل ويكون العالِم مستيقظا، فيذهب إلى غرفته في الفندق، وبهدوء يطرق الباب، ويبدأ عمله، وفي بعض الأحيان يضطرون الى تسميم الحرّاس إلى حد إصابتهم بالإسهال والتقيؤ. وفي بعض الأحيان، تنهار كل الترتيبات لسبب صغير، مثل أن ينتقل العالِم إلى فندق آخر، بعد أن يضيف 50 دولارا للميزانية التي رصدتها له حكومته للسكن أثناء المؤتمر». وتشير الصحيفة إلى أنه «في بعض الحالات يستخدم عميل الاستخبارات ـــــ بعد أن ينفرد بضحيته ـــــ أسلوب الصدمة، مثل أن يحيّي العالِم: سلام حبيبي.. أنا من الاستخبارات المركزية الأميركية، وأريد أن تصعد معي إلى الطائرة المغادرة إلى الولايات المتحدة، ويبدأ العميل قراءة آثار صدمته على العالِم: خليط من الصدمة والخوف وحب الاستطلاع». سطل الثلج ووفق «الغارديان»، يكون «العميل على دراية، من خلال خبرته السابقة مع العلماء المنشقّين الهاربين، بأن للعالِم آلاف الأسئلة داخل رأسه: ماذا عن أسرتي؟ أين؟ وكيف أعيش؟ كيف تحمونني؟ هل لدي وقت لأخذ مستلزماتي وحزمها؟ ماذا يحدث لي إن رفضت؟ ويبدأ العالِم في توجيه أسئلته، لكن العميل سيقاطعه، ويقول له: أولاً، خذ سطل الثلج. العالِم: لماذا؟. العميل: إذا استيقظ أي من حراسك، يمكنك أن تقول لهم إنك ذاهب لإحضار بعض الثلج». وتلفت الصحيفة إلى أن «الاستخبارات الأميركية تنفق سرّا ملايين الدولارات لتنظيم مؤتمرات على نطاق العالَم لإغراء العلماء، وأفضلهم من يكون من إيران أو كوريا الشمالية أو الصين أو ليبيا أو روسيا أو غيرها. وقد نظّمت العديد من المؤتمرات لذلك قبل إبرام الاتفاق النووي مع طهران، لتعطيل سير البرنامج النووي الإيراني. وغالباً لا يكون المشاركون من الأكاديميين في المؤتمر على علم بالمنظّم الحقيقي للمؤتمر، وأنهم يشاركون في دراما تحاكي الواقع. ولو كانوا يعلمون فلربما لن يوافقوا على المشاركة». المؤتمرات للتجسّس تفيد «الغارديان» بأن «المؤتمرات الأكاديمية تُكرَّس في الغالب للتجسّس أكثر من غيرها من مجالات الأنشطة الأكاديمية، ويشارك فيها عملاء مخابرات أكثر من الأكاديميين، وتُقاس أهمية المؤتمر بعدد الجواسيس الذين يحضرونه، لا بعدد الحائزين على جائزة نوبل أو خريجي أوكسفورد المشاركين فيه. الاستخبارات الأميركية وغيرها من أجهزة الاستخبارات في العالَم تحشد عملاءها في المؤتمرات للأسباب نفسها، وهي إما إغراء العلماء بالهروب من بلدانهم وإما تجنيدهم لكشف أسرار دولة أخرى وغير ذلك، وتمثل المؤتمرات أفضل البيئات للإغراء والتجنيد. ففي حرم الجامعات يكون هناك عالِم واحد، أو اثنان يجتذبان اهتمام الاستخبارات، لكن في مؤتمر متخصص في تكنولوجيا الطائرات المسيَّرة أو تنظيم داعش، سيكون هناك عشرات العلماء والمتخصصين الجاذبين للاهتمام». وتتابع الصحيفة: «قال أحد عملاء «سي آي ايه» السابقين لغارديان إن كل الاستخبارات في العالَم تنظّم مؤتمرات وترعى أخرى ولها أساليبها في استقدام من تريد من العلماء للمشاركة في هذه المؤتمرات». إغواء طويل ويورد تقرير الصحيفة البريطانية ان «كبار الباحثين في معهد براغ للعلاقات الدولية، والمستشار السابق الخاص للخارجية البريطانية مارك جاليوتي، يقولون إن تجنيد الأكاديميين للعمل مع الاستخبارات عملية طويلة من الإغواء، أولها أن يأتوا بك إلى المؤتمر لمجرد الحضور، حتى لو اكتفيت بتبادل بعض الابتسامات المصطنعة، وفي المرة الثانية ستسأل عميل الاستخبارات الذي سيتعمد ظهوره أمامك أو الاصطدام بك: هل رأيتك في إسطنبول؟ في عام 2011 حذّر مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (إف بي آي) الأكاديميين الأميركيين من مخاطر الوقوع ضحايا للاستخبارات الأجنبية، ذاكرا السيناريو التالي: تسلّمت باحثة دعوة لم تسعَ لها لحضور مؤتمر دولي وتقديم ورقة علمية فيه. وسلمت ورقتها وتمت الموافقة عليها، وفي المؤتمر طلب المضيف منها نسخة من الشكل الذي ستقدم به ورقتها. وشبك المضيف محركاً بحجم الإبهام في حاسوبها، ومن دون علمها، حمّل كل الملفات والبيانات من حاسوبها إلى محركه». وفي المؤتمرات التي تستضيفها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في العاصمة النمساوية فيينا، يكون غالبية الحضور من جواسيس الاستخبارات. تقييمات خاطئة وأشارت الصحيفة إلى أن «الاستخبارات يمكنها وضع سياسات مما تستخرجه من المؤتمرات. وبعض العملاء يخرجون باستنتاجات خاطئة لضعف تأهيلهم العلمي. فقد أقنعت الاستخبارات الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش بمعلومات خاطئة عن أن صدام حسين لا يزال يطور أسلحة دمار شامل في العراق، حيث قال أحد عملاء «سي آي ايه» في كتاب له إن عملاءهم لاحظوا أن العلماء العراقيين المتخصصين في الكيمياء والأحياء وإلى حد أقل القوى النووية درجوا على المشاركة في المؤتمرات الدولية وتقديم أوراق أكاديمية في هذه المجالات ويستمعون باهتمام لما يقدمه الآخرون، ويسجلون ملاحظات طويلة ويعودون للأردن، حيث يستقلون وسائل النقل البري إلى العراق. وقد تصور عملاء الاستخبارات أن جدية العلماء العراقيين تعني أنهم يطورون أسلحة!». وتضمن تقرير الصحيفة تفاصيل دقيقة عن كيفية اصطياد العملاء ضحاياهم والأساليب التي يستخدمونها وما يطلقونه من مصطلح على كل أسلوب. وفي بعض الأحيان يتم إغراء العالم بمنحة مالية لمساعدته في أبحاثه من دون أن يعلم في البداية الجهة التي تقدم المال. وتتفاوت مبالغ المنح وفق دول العالم. فالباكستاني يمكنه الاكتفاء بما يتراوح بين ألف وخمسة آلاف دولار فقط. والكوري أكثر من ذلك. وبعد ذلك تهدده الاستخبارات بالكشف عن تمويلها له، وهو أمر مدمّر لسمعته الأكاديمية. وتختم «الغارديان» انه «في إحدى المرات توفّر لأحد العملاء أن يجلس على انفراد لبضع دقائق مع عالم إيراني محتمل انشقاقه. ولكي لا يشك العالِم الإيراني في تبعية العميل للاستخبارات الأميركية، كان العميل استعد تماما بالمعلومات الشخصية عن هذا العالِم، حتى عن الأشياء الحميمية، إذ قال له: أعلم أنك فقدت إحدى خصيتيك بسبب السرطان». ¶ غارديان ¶
مشاركة :