بغداد - وكالات - تصاعدت المخاوف حيال ما ستؤول إليه المواجهة بين القوات العراقية والأكراد في محافظة كركوك بعد الإنذار الذي وجهته بغداد لاقليم كردستان بإخلاء آبار النفط فيها، في وقت دخلت واشنطن على الخط للتهدئة. وأول من أمس، استعادت القوات العراقية، من دون معارك، مواقع عدة كانت قد سيطرت عليها قوات البيشمركة الكردية خلال هجوم تنظيم «داعش» في يونيو 2014. وقال مصور وكالة «فرانس برس» ان مدرعات القوات العراقية وهي ترفع العلم العراقي تحتشد على ضفة نهر على أطراف مدينة كركوك، فيما تحشدت قوات البيشمركة خلف سواتر ترابية وحواجز اسمنتية عليها رايات كردية على الضفة الأخرى من النهر. وقال ضابط في الجيش العراقي إن «قواتنا لم تتحرك، ونحن بانتظار أوامر من قيادة القوات المسلحة». وتقدمت أول من أمس أرتال من الدبابات والقوات الحكومية اضافة الى قوات «الحشد الشعبي»، الى هذه المناطق الواقعة جنوب كركوك واستعادت عدداً من المواقع، فيما انسحبت قوات البيشمركة من دون قتال. وبعد أن ساءت العلاقات بين الجانبين اثر استفتاء 25 سبتمبر الماضي على استقلال إقليم كردستان الذي رفضته بغداد، يؤكد رئيس الوزراء العراقي انه لا يريد اشعال حرب ضد الاكراد، فيما تؤكد أربيل أن «التصعيد لن ياتي من جانبها»، لكن في ذات الوقت حشد الجانبان آلاف المقاتلين في أطراف مدينة كركوك المتنازع عليها. وأكد مصدر مقرب من العبادي، أمس، أن إلغاء نتائج الاستفتاء لا زال شرطاً لأي حوار مع اقليم كردستان. واضاف ان «أي حوار لا بد أن يجري تحت سقف ومرجعية الدستور، والمحكمة الاتحادية أصدرت حكماً ولائياً بعدم إجراء الاستفتاء مما جعل اجراءه غير دستوري وبالتالي فإن نتائجه ملغاة». وأوضح المصدر أن قيادات الاقليم رفضت سابقاً إجراء حوار مع الحكومة الاتحادية تحت سقف الدستور، وأن موافقتها الآن على إجرائه على أساس الدستور، «يعني بالضرورة والتلازم اعتبار نتائج الاستفتاء لاغية». ومن أجل تفادي صدامات مسلحة، أمهلت القوات العراقية قوات البيشمركة 48 ساعة للانسحاب وتسليم مواقعها للحكومة الاتحادية بنهاية مساء أمس، حسبما اكد مسؤول كردي. بدوره، قال الناطق باسم «الحشد» أحمد الأسدي إن «ما يحدث في جنوب كركوك هو وجود قوات نظامية تتحرك وفق القانون وضمن أوامر وتوجيهات القائد العام للقوات المسلحة وإدارة وسيطرة قيادة العمليات المشتركة». واضاف «هذه القوة مكلفة إعادة انتشار القوات على ما كانت عليه قبل 9 يونيو 2014. لذلك لن تكون هناك أي فوضى ولا انجرار لصراعات او اشتباكات جانبية... فلا داعي للقلق حيال ذلك سيتم اعادة الانتشار ويعود كل لموقعه السابق ومن يخالف القانون سيحاسب وفقا للقانون». وكانت القوات الكردية استغلت انهيار القوات الاتحادية العراقية في 2014 خلال الهجوم الواسع لتنظيم «داعش» على شمال وغرب العراق، لتفرض سيطرتها بشكل كامل على مدينة كركوك وحقول النفط في المحافظة، وحوّلت مسار الانابيب النفطية إلى داخل اقليم كردستان وباشرت بالتصدير من دون موافقة بغداد. كما سيطرت على مناطق أخرى في محافظات مجاورة. وتزود حقول النفط الثلاثة الواقعة في محافظة كركوك، الاقليم بـ250 ألف برميل يومياً من أصل 600 ألف برميل هي مجموع ما يصدره في اليوم حالياً. وقال المسؤول الكردي، رافضاً الكشف عن اسمه، «ان المهلة ستنتهي منتصف ليل السبت - الاحد (أمس) وتقضي بانسحاب قوات البيشمركة الى مواقعها قبل 6 يونيو 2014 وتسليم القواعد العسكرية والامنية والمؤسسات النفطية الى الحكومة الاتحادية». ومع اقتراب نهاية المهلة، دخلت الولايات المتحدة، التي تنشر قوات مع الجيش العراقي والبيشمركة، على خط الازمة محاولة تهدئة التوتر. وقال وزير الدفاع جيمس ماتيس ان بلاده تحاول «نزع فتيل التوتر وإمكانية المضي قدماً من دون أن نحيد أعيننا عن العدو»، في اشارة الى قتال تنظيم «داعش» الذي يجري بدعم التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وأضاف «يجب على الجميع أن يبقوا مركّزين على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). لا يمكننا الآن أن نتقاتل. لا نريد أن يتطوّر ذلك إلى وضع إطلاق للنار». والتوترات بين حكومة بغداد والأكراد «قديمة» وتقع ضمن اولويات وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون الذي يدير الجهود لتخفيف حدتها، حسب ماتيس. ومع أن حشد القوات جنوب كركوك لم يؤد إلى صدامات كبيرة بعد، إلا أن حوادث أمنية اندلعت في مناطق اخرى من البلاد. ففي طوز خرماتو التي تبعد 70 كليومتراً عن مدينة كركوك، اندلعت اشتباكات بين عناصر من «الحشد الشعبي» والبيشمركة، «أسفرت عن إصابة عنصرين من البيشمركة وثلاثة من قوات الحشد الشعبي»، حسب ما أفاد قائمقام البلدة شلال عبدول. كما ذكرت وسائل إعلام كردية أن العائلات الكردية في قضاء طوز خرماتو تتعرض لتهديدات من «الحشد الشعبي» بالقتل في حال لم يخلوا منازلهم على الفور. وفي مدينة الحلة جنوب بغداد، فجر مسلحون مجهولون مقر شركة «كورك» الكردية للهواتف النقالة ما أسفر عن أضرار مادية، فيما خطف ثلاثة من العاملين فيها لفترة وجيزة. وكان قائد قوات البيشمركة في محافظة كركوك جعفر الشيخ مصطفى أكد أن قواته انسحبت من بعض المناطق التي دخلتها في العام 2014، مشيراً الى أن «اتصالات جارية مع رئيس الوزراء لمعالجة المشكلة خلال 48 ساعة». وأول من أمس، وصل الرئيس العراقي فؤاد معصوم (وهو كردي) إلى كردستان لاجراء محادثات مع مسؤولين أكراد، حسب مصادر في الاقليم. وذكرت تقارير إعلامية أن معصوم سلم القادة الأكراد مطالب رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي في شأن محافظة كركوك، وهي ستة، تتمثل بـ«تسليم مطار كركوك للقوات الاتحادية»، و«تسليم قاعدة (معسكر) كيوان للقوات الاتحادية»، و«تسليم جميع الآبار والمنشآت النفطية إلى القوات الاتحادية»، و«تسليم جميع مسلحي (داعش) الذين سلموا أنفسهم لقوات البيشمركة إلى بغداد»، و«إعادة الجيش العراقي إلى جميع المناطق التي كان يتمركز فيها قبل سيطرة (داعش) عليها»، و«إقالة محافظ كركوك نجم الدين كريم من منصبه فوراً».
مشاركة :