حبّ نولان للسينما منذ صغره كان المحرك الأساسي له، جعله يمسك بالكاميرا الموجودة في بيته ويصور بها أيّ شيء يراه من خلالها مع هتافه المستمر أنا أصوّر فيلما.العرب شهد خالد [نُشر في 2017/10/15، العدد: 10782، ص(9)]مبدع باتمان وأرق الإصرار سلاحه الأوحد بوخارست – كانت مفاجأة نولان لهذا العام الفيلم الشيق “دونكيرك” الذي يُذكر اسم مخرجه قبل أبطاله، كيف لا والفيلم من كتابة وإخراج رجل لم يقدم في مسيرته الفنية سوى أفلام عظيمة. وقد تصدر الفيلم الدرامي التاريخي قائمة شباك التذاكر العالمي خلال أسبوعه الأول، حاصدًا إيرادات كبيرة وصلت إلى 121 مليون دولار أميركي بعد عرضه في أكثر من 3720 دار عرض سينمائي حول العالم وفقًا لما ذكره موقع “بوكس أوفيس موغو”. الفيلم مقتبس عن قصة حقيقية حدثت لجنود بريطانيين أثناء الحرب العالمية الثانية في مدينة “دونكيرك” التي سُمّي الفيلم باسمها، وعلى الرغم من أن نولان عادةً لا يفضّل اقتباس أفلامه لأن أفكاره الأصلية عبقرية إلّا أنه بكل تأكيد سيترك بصمته في قصة هذا الفيلم. وعلى ما يبدو فإن نولان سوف يتبع مسيرة المخرجين العظماء مثل ستيفين سبيلبيرغ، كوينتن تارانتينو وستانلي كيوبريك، كونه أنجز إخراج أول فيلم حربي في مسيرته وهو ينتظر “صك النجاح” من الجمهور ليحقق إضافة “حربية” لقائمة أفلامه العظيمة. ولد نولان عام 1970 لأب إنكليزي كان يعمل في مجال كتابة الإعلانات وأمّ أميركية كانت تعمل كمضيفة طيران، لذلك ظل كريستوفر يتنقل بين شيكاغو ولندن مع أخويه ماثيو وجوناثان الذي كان شغفه الأكبر بالكتابة السينمائية، لكن كريستوفر كان يريد ما هو أكثر من ذلك أن يصبح القائد الصانع للفيلم والمتحكم في كل تفاصيله، واكتشف ذلك منذ أن كان عمره في التاسعة، حسب تصريحه في إحدى مقابلاته الصحافية. "أنا أصور فيلما" حبّه للسينما منذ صغره كان المحرك الأساسي له، جعله يمسك بالكاميرا الموجودة في بيته ويصور بها أيّ شيء يراه من خلالها مع هتافه المستمر “أنا أصوّر فيلما”، ولعل تلك الكاميرا كانت خطوته الأولى نحو المجد الذي وصل إليه حالياً. التحق نولان بكلية هاليبري بجامعة لندن ودرس فيها الأدب الإنكليزي، وهناك بدأت أولى خطواته للتحول من مرحلة الهواة إلى الاحترافية، حيث انضم لجمعية الفيلم داخل الجامعة ليسمحوا له باستخدام المعدات والأدوات الخاصة بالجمعية في تصوير بعض الأفلام القصيرة، وبالفعل استعان بها نولان وصوّر فيلمه القصير الأول “ترنتيلة” وهي رقصة شعبية إيطالية وكان عمره آنذاك تسعة عشر عاما. فيلمه القصير الثاني كان بعنوان “سرقة” اعتبرته الجمعية كأفضل فيلم قصير أنتجه عضو ينتمي لها، وشارك الفيلم بمهرجان “كامبريدج” للأفلام ليخرج نولان بعدها بعامين فيلمه القصير الثالث “ديلوباك”، وهو الوحيد من أفلامه القصيرة المتاح للمشاهدة حالياً. طاقم تمثيلي من الأقارب قرر نولان أن يكتفي بهذا الكمّ من الأفلام القصيرة واتجه نحو الأفلام الطويلة التي كانت دوما حلمه الأول والأكبر، ومع صعوبة إيجاد منتج قرر نولان أن يقوم بالمخاطرة بإنتاج أول أفلامه بميزانية قدرت بـ3000 جنيه إسترليني من نفقته الخاصة، وكان الفيلم بعنوان “تتبع” الذي قام بتأليفه بنفسه. ولأن الميزانية التي رصدها نولان محدودة وقليلة جدا فكان الحلّ هو الاستعانة بأصدقائه وأقاربه ليقوموا بأدوار التمثيل، ومنهم عمّه جون نولان الذي ظهر في أدوار صغيرة في عدة مسلسلات من قبل، بالإضافة إلى التصوير في منازلهم وممتلكاتهم، مثل الكافيهات أو المطاعم وهذا ساعد كريستوفر في تخفيض كلفة الإنتاج.نولان يقرر ذات يوم تصوير فيلم مع أقاربه، فيكون فيلم "تتبع" الذي ظهر للنور للمرة الأولى في شهر سبتمبر عام 1998 في مهرجان تورنتو بفئة الاكتشافات الجديدة، وتم عرضه في مهرجان روتردام وفاز بجائزة النمر كأفضل فيلم، ورشح أيضا لجائزة أفضل إنتاج في مهرجان الأفلام البريطانية المستقلة كون الممثلين هم أناس عاديون فقد احتاج نولان لبروفات كثيرة لهم والوضع ازداد صعوبة بسبب ضيق الوقت بالنسبة إلى طاقم العمل، فأغلبهم لديه أعماله اليومية لكسب قوت يومه، فكان يوم السبت هو اليوم الوحيد المناسب لتصوير الفيلم، وهذا ما جعل تصوير الفيلم يستمر لعام كامل، الشهور الستة الأولى كانت مخصصة للبروفات إذ أصرّ نولان على ألا تحدث أيّ أخطاء أثناء تصوير المشاهد حفاظاً على المال المدخر، وفي الشهور الستة التالية كان نولان يتصل بالممثلين في وسط الأسبوع، ويخبرهم بالمشاهد التي سيتم تصويرها يوم السبت حتى يقوموا بمراجعتها وحفظها مرة أخرى. في إحدى اللقاءات الصحافية وصف نولان الفرق بين فيلمه “تتبع” وأفلامه الأخرى بالفارق المرعب، حيث كان الممثلون يرتدون ملابسهم التي يمتلكونها ويقومون بإحضار طعامهم وشرابهم معهم، فلا توجد ميزانية للبوفيه، وإن كانت والدة نولان قامت في بعض المرات بعمل شطيرة لكل فرد أثناء التصوير في بيتهم. ويذكر نولان أن التصوير قد توقف عدة مرات بسبب عدم امتلاكه للمال، لكن الآن لدى نولان ميزانية كبيرة يستطيع إحضار ما يشاء من أبرز الممثلين وأن يصور في أيّ مكان يرديه في العالم. فيلم “تتبع” ظهر للنور للمرة الأولى في شهر سبتمبر عام 1998 في مهرجان تورنتو للفيلم بفئة الاكتشافات الجديدة، كما تم عرض الفيلم في مهرجان روتردام وفاز بجائزة النمر كأفضل فيلم، ورشّح أيضا لجائزة أفضل إنتاج في مهرجان الأفلام البريطانية المستقلة. ثاني أفلام كريستوفر الطويلة “تذكار” كان بشراكة فنية مع أخيه السيناريست جوناثان نولان، حيث قام الاثنان بكتابة قصة رائعة وسردها بشكل عبقري وهذا ما أعطى الفيلم لمسة مميزة من الغموض والتشويق. فقدان الذاكرة تتحدث قصة الفيلم عن شاب يكون مصابا بفقدان الذاكرة قصيرة الأمد، يبحث عن قاتل زوجته معتمدا على معلومات قليلة جداً عن القاتل، ويستخدم لتذكّر الأحداث كتابة الوشوم على جسده والتقاط الصور وكتابة الملاحظات، كما تختلف طريقة سرد الأحداث في الفيلم عن الطريقة التقليدية لأن تسلسلها في بعض المشاهد يكون رجوعا بالزمن إلى الوراء، بالإضافة إلى عرض بعض المشاهد باللونين الأسود والأبيض والبعض الآخر بالألوان. تلقّى “تذكار” عند عرضه الأول عام 2000 ردّ فعل إيجابيا من المشاهدين لقصته الرائعة، ورشّح لجائزتي أوسكار، ووصلت أرباحه إلى 39 مليون دولار أميركي.سلسلة "باتمان" بتوقيع نولان هي الأفضل على الاطلاق، بأجزائها الثلاثة التي حققت نجاحاً كبيراً جداً، وما يقارب 2.5 مليار دولار من الإيرادات العالمية فضلاً عن فوزها بالعديد من الجوائز. بعد نجاح فيلم “تذكار” كان لا بد من خطوة متقدمة في مسيرة كريستوفر المهنية، فوداعا للميزانيات الضعيفة ولممثلي الصف الثاني والثالث، وأهلا بفيلم ميزانيته 50 مليون دولار أبطاله ثلاثة من النجوم الكبار الحاصلين على الأوسكار، هم المخضرم العبقري آل باتشينو وروبين وليامز الذي يعتبر هو الآخر واحدا من أيقونات هوليوود بالإضافة إلى النجمة الرائعة هيلاري سوانك. الفيلم بعنوان “الأرق” المقتبس عن فيلم نرويجي يحمل نفس الاسم، وكان من المقرّر أن يتولّى إخراجه جوناثان ديم مخرج الفيلم الشهير “صمت الحملان” بطولة أنتوني هوبكنز، ولكن بعد انسحاب جوناثان من العمل وقع الاختيار على نولان من قبل الشركة المنتجة. بالتأكيد لم يكن الوضع سهلا بالنسبة إلى نولان أو لأيّ مخرج، فالمهمة صعبة جدا وهي إبهار هؤلاء النجوم ويجب أن يكون مميزا بالشكل الكافي لكي يستطيع إدارة الفيلم وتوجيه كل واحد منهم. أثناء تصوير مشاهد الفيلم روى نولان في مقابلة تلفزيونية بأنه شعر لوهلة أن روبين وليامز وآل باتشينو لن يقدما سويا الأداء المنتظر، والسبب ليس في مستواهما الفني بالطبع، ولكن لاختلافهما. لذلك شعر بأن التواصل بينهما لن يكون في أفضل حال، ويسرد نولان سبب شعوره بذلك الموقف الذي حدث أثناء الأيام الأولى للتصوير قائلا “في أيام التصوير الأولى وجدت الثنائي مختلفين تماما في طريقة تحضيرهما قبل التصوير. فروبين وليامز وجدته يجتمع بالممثلين وطاقم الفيلم ويلقي عليهم النكات ويطلب منهم أن يسردوا له المواقف المضحكة، فكان الجانب الذي يوجد به وليامز مليئا بالضحك دون توقف، وعلى الجانب الأخر وجدت آل باتشينو يختار أكثر مكان مظلم في موقع التصوير كي يذهب إليه ويغلق عينيه ويبدأ في الاستعداد للمشهد التالي ثم يأتيني بعد ذلك ويقول أنا مستعد، لكن ما رأيته في المشاهد التي جمعتهما كان مذهلا إذ شعرت أن كلا واحد منهما يكمّل الآخر”. تم عرض فيلم “الأرق” في دور السينما في مارس 2002 وحقق إجمالي إيرادات قدّر بـ114 مليون دولار ليتخطى كريستوفر نولان به حاجز الـ100 مليون لأول مرة في حياته العملية. بعد هذا النجاح الكبير كان في انتظار نولان عمل شاق احتاج إلى ثلاثة أعوام كاملة للتحضير له وهو إعادة إحياء سلسلة “باتمان” الشهيرة ولكن بشكل عبقري لا مثيل له، ما جعل نولان يحجز مقعده في الصف الأول من المخرجين وكانت فرصة كي يعود مرة أخرى للتعاون فيها مع شقيقه جوناثان نولان وصديقهم المؤلف ديفيد جور. إعادة إحياء "باتمان" قدم نولان ثلاثة أفلام من السلسلة كتابةً وإخراجا وإنتاجا، هي “بداية باتمان” و”فارس الظلام” و”نهوض فارس الظلام”، وحققت جميعها نجاحا جماهيريا منقطع النظير. وربحت ما يقارب 2.5 مليار دولار من الإيرادات العالمية، فضلاً عن فوزها بالعديد من الجوائز وترشحت الأفلام مجتمعة لتسعة جوائز أوسكار وكان نصيبها الفوز بجائزتين.كريستوفر نولان يبدو أنه سوف يتبع مسيرة المخرجين العظماء مثل ستيفين سبيلبيرغ، كوينتن تارانتينو وستانلي كيوبريك، كونه أنجز إخراج أول فيلم حربي في مسيرته وهو ينتظر “صك النجاح” من الجمهور. من الأفلام التي أخرجها نولان هي “زرع الأفكار” أو “استهلال”، وهو الفيلم الذي عمل على قصته ما يقارب الثماني سنوات، حيث قام بتطويرها وتعديلها أكثر من مرة، وتم تقدير ميزانيته الإنتاجية لما يقارب الـ160 مليون دولار، وبلغت إيراداته حوالي 825 مليون دولار في شباك التذاكر حول العالم. تدور أحداث “زرع الأفكار” حول شخص يعمل على سرقة وزراعة الأفكار عن طريق دخوله إلى أحلام الشخص وسرقة أفكاره، وهو من بطولة ليوناردو دي كابريو وجوزيف غوردن وليفيت وتوم هاردي وألين بيج، ويُعدّ من أفضل أفلام الخيال العلمي على الإطلاق، وتميّز عن البقية لاحتوائه على فلسفة عميقة عن الأفكار وتأثيرها على شخصية الإنسان. نولان يدرس النظرية النسبية آخر أفلام كريستوفر المعروضة هو من أفضل أفلام الفضاء، تميزت قصته بالجمع ما بين الخيال العلمي والعلوم، الفيلم بعنوان “بين النجوم” الذي كتب قصته أخوه جوناثان الذي اضطر لدراسة “النظرية النسبية” في معهد كاليفورنيا التقني لمساعدته على الكتابة وبدأ في تطوير الفيلم منذ عام 2006، وهذا ما جعل العديد من العلماء ومنهم نيل ديجريس تايسون يثنون عليه بسبب اعتماد الفيلم على نظريات علمية عكس أفلام الخيال العلمي الأخرى. تدور أحداثه بشكل رئيسي حول إنقاذ كوكب الأرض ولكن ليس كبقية الأفلام من هذا النوع، حيث يتأثّر هذا الفيلم بشكل مباشر بالفيزياء وخاصة النظرية النسبية والفيزياء الفلكيّة. كان كريستوفر قد شارك أخاه في كتابة القصة لذلك اقترح جوناثان على المنتجين أن يكون كريستوفر هو المخرج، وبالفعل تمّ تعيينه كمخرج سنة 2012، واستغرق العمل حوالي عامين ليبصر العمل النور عام 2014 ويرشّح لخمس جوائز أوسكار، فاز بواحدة منها وهي أفضل مؤثرات بصرية، ومن مميزات الفيلم هو امتلاكه لطاقم هائل من الممثلين الناجحين على رأسهم النجم ماثيو ماكونهي. يقول نولان إنه كان هو وإخوته من محبي السحر وألعاب الخفة، وهذا ما جعله رفقة أخيه الأكبر جوناثان يكتبان قصة فيلم “العظمة” الذي يعتبره النقاد من أفضل أفلام السحر على الإطلاق، وتدور أحداثه عن ساحرين هما هيو جاكمان وكريستيان بيل يتنافسان على إيجاد الخدعة الأفضل، ويبدأ الاثنان بالعمل على خدعتهما الخاصة وتبدأ المشاكل فيما بينهما وفي حياتهما الشخصية، وترشّح الفيلم لجائزتي أوسكار لكنه لم ينل أيّا منهما. ليبقى كريستوفر نولان يبحث معنا وفينا عن السحر والخيال في عالمه الواسع المجنون.
مشاركة :