استيقظ أهالي غزة صباح أمس على أول أيام الهدوء بعد خمسين يوما من الرعب والخوف والموت والدمار عاشوها في ظل حرب مجنونة شنتها إسرائيل على مدار شهري يوليو وأغسطس، كانت كفيلة بتحويل حياتهم إلى كوابيس، عاشها مليون وثمانمائة ألف مواطن في أيام عصيبة لم يشهدوها منذ نكبة عام 1948، وحروب عام 1956 و1967، التي احتلت فيها إسرائيل القطاع لسنوات طويلة غير أن هذه الحرب كانت مختلفة بحجم الموت والدمار الذي لحق بغزة وسكانها، حين استهدفت إسرائيل البشر والحجر والشجر، فقتلت نحو 2200 مواطن بينهم أكثر من 550 طفلا، وأصابت أكثر من 11 ألف مواطن بينهم 3000 معاق، ستظل إصاباتهم ذكرى لهذه الحرب، فيما دمرت إسرائيل أحياء بكاملها مثلما حصل في حي الشجاعية شرق غزة، وبلدات وقرى حدودية مثل بيت حانون شمالا، وخزاعة شرق خان يونس جنوبا، وختمت إسرائيل حربها بتدمير أكبر الأبراج السكنية والتجارية، وشردت مئات الآلاف من المواطنين في نكبة هجرة طويلة وجديدة، بانتظار أن يعود هؤلاء المهجرون إلى بيوت تحتاج لسنين لبنائها بعد أن هدمتها صواريخ الطائرات والدبابات في دقائق. ومع إعلان وقف إطلاق النار عند الساعة السابعة من مساء أمس الأول، اختلطت مشاعر الفرح الممزوج بالحزن لدى سكان القطاع، وخرج أهالي غزة يعلنون النصر، فرحين بوقف النار وعودة الهدوء، بينما وقف الآلاف ممن فقدوا أبناءهم وبيوتهم يراقبون المشهد بصمت وحزن على ما حصل لهم، بانتظار ما تخبئه الأيام، داعين بألا تعود تلك الأيام مرة أخرى. وفي جولة لـ«عكاظ» عبر أحياء وشوارع غزة، ننقل مشاهد الدمار الذي أحدثته طائرات الاحتلال في الأسبوع الأخير الذي شهد أعنف أيام الحرب، حين بدأت إسرائيل باستهداف الأبراج السكنية الضخمة التي تضم مئات الشقق السكنية، وكانت بداية الجولة بالبرج السكني والتجاري للمجمع الإيطالي الذي لا يبعد عن مكتب «عكاظ» بحي النصر بمدينة غزة سوى 500 متر فقط، حيث شاهدنا تدمير البرج في ليلة لم ينم فيها سكان الحي الذي كان يعتبر أحد الأحياء الراقية والآمنة، حيث تواصل تدمير البرج المكون من أربع بنايات متلاصقة ويمتد إلى 15 طابقا، على مساحة أكثر من ألفي متر مربع، الأدوار الثلاثة الأولى منه عبارة عن محلات تجارية ومكاتب ومقاهي، والذي أقامته شركة إيطالية مع قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1995، ليكون معلما تجاريا وسكنيا وحضاريا، لم يرق للعدو مشهده، فكان تدميره في تلك الليلة السوداء من حرب غزة قبل يوم واحد من إعلان وقف النار وانتهاء حرب الخمسين يوما، وأبى ربع هذا البرج واقفا بطبقاته الأربعة عشر، بعد أن تم تسوية بناياته الثلاث الأخرى بالأرض، ويبقى الجزء الرابع شامخا وشاهدا على جريمة التدمير. أهالي غزة اليوم ينتظرون أن يصمد اتفاق وقف النار، لكي يعودوا لحياتهم العادية، ولبناء بلدهم المدمر، بعد أن تعطلت الحياة في مدنهم وقراهم ومخيماتهم لمدة خمسين يوما كانت من أصعب الأيام والأوقات في حياتهم.
مشاركة :