“انا قلق ولكن لست خائفا“، هو الشعور عمر الراوي الذي ولد في بغداد وسافر إلى فيينا حيث يقيم منذ سنوات، هو عضو في مجلس مدينة فيينا وينتابه قلق كبير بعد إعلان فوز كل من الحزب الشعبي النمساوي اليميني وحزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف في الانتخابات التشريعية. كلا الحزبين استخدما الأحكام المسبقة ضد المسلمين في حملتهما الانتخابية الاخيرة، ما جعلهما يفوزان بالمركز الأول والثالث على التوالي، حيث من المنتظر ان يشكلا حكومة ائتلاف معا. ويقول الراوي، “لست سعيد عندما أرى أن النمسا صوتت بما يزيد عن 60 في المئة لصالح الحزبين اليمينيين وأعتقد أن الخطاب المناهض للمسلمين سيستمر، لكني أعرف أن النمسا قوية بما فيه الكفاية لإدارة هذا الوضع المستقبلي”. هذا مفهوم لأنه كان مرشح الحزب الاجتماعي الديمقراطي اليساري في هذه الانتخابات، وحل في المركز الثاني. مسلمون أخرون التقيتهم في النمسا يبدون أيضا غير قلقين من هذه الخارطة السياسية الجديدة التي أفرزتها الانتخابات التشريعية. في يوم الانتخابات، قمت بزيارة حي فافوريتن، الذي تقطنه أكبر جالية مسلمة في فيينا. في مسجد التيسير، التقيت داود، وهو طالب من الشيشان، واحد من العديد من الذين تركوا تجارب الحرب المؤلمة وراءه. داوود وصل إلى النمسا في العام 2008، حين كانت الأمور تبدو مختلفة كما يقول. الآن، أصبح الناس لا يحبوننا” ومن الغريب أنه يتفهم ذلك بطريقة ما. يقول داود “هذا بلد مسيحي وهم يفعلون ما يريدون، إذا ذهبت إلى تركيا أو السعودية، وبدأت بتشويه سمعة الإسلام، فإن رد الفعل سيكون نفسه”. “ما دمت أستطيع الدراسة والعمل، فهذا جيد ولكن إذا حاولوا أن يلمسوني أو عائلتي بسوء فسأطلب منهم التوقف” هذا الطالب الشيشاني يؤكد أنه لم يتعرض لسوء معاملة ولم يشعر طوال تواجده في النمسا بأي نوع من، التحامل أو العداء. تحصي النمسا حوالي 700 ألف مسلم من أصول عرقية مختلفة، أغلبيتهم مثل داود يعتبرون أنفسهم من المسلمين المعتدلين تعلموا اللغة، يعملون ويدفعون الضرائب، ويأملون في أن يكونوا مثل باقي سكان النمسا. على عكس العديد من البلدان الأخرى في أوروبا، تاريخ النمسا مع الإسلام طويل ودون أن نعود إلى الماضي، يكفي فقط أن نذكر أن الإمبراطورية النمساوية المجرية اعترفت بالإسلام كجزء من قانونها العام في العام 1912، فيما تعود جذور الهجرة الاقتصادية للمسلمين إلى البلاد للعام 1960. “المزاج العام للسياسيين بدأ في التغير في أواخر العام 1990، عندما اكتشفوا أن توظيف الإسلام يخدم بشكل عملية تعبئة الناخبين، توضح كارلا أمينة باغاجاتي، المتحدثة باسم الهيئة الدينية الإسلامية النمساوية، الهيئة الرسمية الممثلة للمسلمين في النمسا. أنا كذلك لست خائفة“، تؤكد كارلا وتعترف قائلة “لدي ثقة كبيرة في دولة القانون”. ولكن ما يثير قلق باغاجاتي الخلط ما بين الإرهاب أو أزمة اللاجئين ووضع المسلمين عموما وتضيف، “كان من المفروض ان تسير الأمور بشكل عكسي، فأولئك الذين لديهم تاريخ أطول في النمسا ينبغي أن يتم اشراكهم في هذه القضية قصد المساعدة في حل هذه المشاكل، وليس اعتبارهم أعداء”. في السابق كان الأمر يقتصر على حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف الذي كان يوظف قضايا الإسلام، والجميع كان متفطن لهذا، سواء مع يورغ حيدر قبل عشرين عاما، أو نوربرت هوفر، الذي انهزم خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2016. لكن اليوم هذا التوظيف السياسي للإسلام الذي كان مرتبطا بحزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف شمل خلال الحملة الانتخابية الأخيرة الحزب الشعبي النمساوي المحافظ الذي قاد حملة تستهدف المسلمين واعتبرهم كبش فداء. فمباشرة قبل الانتخابات وفي إطار قانون الإسلام النمساوي الجديد، أصر حزب الشعب النمساوي على فرض حظر البرقع والنقاب، على الرغم من أن هذا اللباس لا يخص سوى حوالي بالمائة 0،03 من السكان المسلمين في البلاد. وفي السباق الانتخابي الذي قاده حزب الحرية النمساوي الذي حمل شعار. في السباق مع “الأسلمة يجب أن تتوقف“، عبر المحافظون عن مواقفهم من المسلمين بشكل مطلق من خلال اجراءات حماية حدود النمسا، ومحاربة الإسلام السياسي والحد من الهجرة. حتى أنهم تحولوا إلى اعداد تقارير تعرض صورة سيئة للمسلمين كتدريس الإسلام الراديكالي في روضات الأطفال، تقارير تبين فيما بعد أنها موضع شك. وبالرغم من أن البعض من هذه التقارير كانت مضللة بشكل واضح، إلا أنها تدعو للقلق، بحسب النقاد. فمن حيث الإحصائيات، فر حوالي 300 مسلم من النمسا للانضمام إلى داعش في سوريا. ووفقا للبيانات التي قدمتها دائرة الاستخبارات الجنائية في النمسا، فإن حوالي 22 ألف من طالبي اللجوء يشتبه في ارتكابهم جرائم في النمسا في العام 2016، رقم تضاعف مقارنة بالعام 2014 بـ 10416 وارتفع بثلاثة أضعاف مقارنة بالعام 2007 حيث كان يبلغ 8679. ولم تقدم هيئة الاستخبارات احصائيات بشأن عدد طالبي اللجوء الذين تعرضوا لاعتداءات أو كانوا ضحية جرائم. “ليس كل طالبي اللجوء مسلمين“، تقول أستريد ماتيس، مختصة في أبحاث الأجناس والانتماء العرقي والسياسة بجامعة فيينا وتوضح الخبيرة أن النمسا توقفت عن اعداد احصائيات على أساس الانتماء الديني في العام 2001. وفيما يتعلق بارتفاع عدد التهم الجنائية، فهناك الكثير من العوامل التي تلعب دورا بحسب ماتيس، كالإمكانيات المحدودة لبعض منهم، خاصة وان من الوافدين الجدد من الرجال لا يسمح لهم قانونا بالعمل. ووفقا لماتيس، كان من السهل نسبيا تسخين المشاعر ضد الجالية المسلمة خاصة وأن النمساويين يجدون صعوبات كبيرة فيما يتعلق بالثقة بالأجانب. بل هم يعرفون كذلك بمواقفهم المعادية للأجانب، وهذا بسبب الأحاسيس الشعبوية الموجودة في المجتمع النمساوي. ومن الغريب أن سيباستيان كورز، زعيم الحزب الديمقراطي، الذي من المرجح أن يصبح أصغر رئيس وزراء في تاريخ النمسا، كان الوجه الجميل والليبرالي لحزبه. في الواقع، كان في بداية حياته السياسية المسؤول عن مكتب الاندماج الذي أنشئ حديثا في وزارة الداخلية، وهو الموقف الذي سمح له بالتعرف على المجتمع بشكل جيد للغاية. وفي هذا الإطار تقول باغاجاتي من الهيئة الدينية الإسلامية النمساوية، أن ذلك التعيين “كان مشجعا جدا“، لأن كورتز في تلك الفترة عمل بشكل متكامل مع الهيئة الدينية لإعداد الكثير من المشاريع. وتضيف ذات المسؤولة “ أتذكر أنه خلال إحدى جلسات العمل، ظل لفترة طويلة يستمع إلى مجموعة من النساء المسلمات اللواتي طلبن منه المساعدة لحل مشكلة وفاجئهن، في نفس المساء حين كلمهن من مكتبه قائلا إن القضية سيتم حلها، وبمجرد ان استلم زعامة الحزب تغيرت لهجته”. في العام 2015، استقبلت النمسا ما يقارب 90 ألف طالب لجوء، أكثر من 1 في المئة من سكانها. وبعد عام، تراجع الدعم العام بشكل كبير، ساهم كورتز، كوزير للخارجية، بشكل كبير في إغلاق طريق البلقان.
مشاركة :