واشنطن - إذا كان سقوط الرقة يكشف الفاعلية العسكرية لاستراتيجية الولايات المتحدة في سوريا والعراق التي اعتمدت على الأكراد، فإن المواجهات للسيطرة على كركوك تكشف بالمقابل ضعف السياسة الأميركية. وأدى الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان الذي أجري أواخر سبتمبر/ايلول دون أن تتمكن واشنطن من وقفه، إلى خلاف بين حليفي الولايات المتحدة في العراق وسوريا: الجيش العراقي الذي سلحته واشنطن ودربته والمقاتلون الأكراد الذين منعوا في 2014 تنظيم الدولة الاسلامية من السيطرة على كركوك والذين ساهموا بشكل كبير في استعادة الرقة في سوريا. وبدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاثنين عاجزا لدى اعلانه أن بلاده "لا تنحاز لأي طرف" في الأزمة بين الأكراد وحكومة بغداد للسيطرة على محافظة كركوك العراقية، علما أن للجيش الأميركي عسكريين لدى الجيش العراقي وقوات البشمركة الكردية على حد سواء. بدوره أعلن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس أن الولايات المتحدة تحاول تهدئة التوتر بين بغداد والأكراد، فيما أكدت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر نويرت أن الولايات المتحدة "قلقة للغاية" و"تشجع الحوار". وتقول ليندا روبنسون من مركز راند للأبحاث والدراسات، أن تحرك الإدارة الأميركية عبر دعوة رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البارزاني إلى الغاء الاستفتاء قبل يومين فقط من موعد اجرائه جاء "متأخرا جدا". وتقول روبنسون إن فوز الـ"نعم" في الاستفتاء على استقلال كردستان العراق مع مناطق متنازع عليها ولا سيما محافظة كركوك الغنية بالنفط، وضع حيدر العبادي (رئيس الوزراء العراقي) في موقف صعب للغاية"، مضيفة أن الأخير وهو شيعي، يخشى تنامي سطوة فصائل شيعية أكثر تشددا تدعمها إيران. استياء وأضافت أن الإدارة الأميركية مستاءة من أكراد العراق، مشددة في المقابل على أن التباينات مع البارزاني يجب ألا تؤثر على التعاون بين واشنطن وقوات سوريا الديمقراطية المؤلفة من تحالف كردي عربي. وتشكل التطلعات الاستقلالية الكردية تهديدا لثلاث دول تشهد علاقاتها مع واشنطن توترات على مستويات مختلفة هي تركيا وإيران وسوريا. ففي حين أن التوتر الدبلوماسي على أشده مع تركيا، العضو الفاعل في حلف شمال الأطلسي، تسعى واشنطن إلى الإبقاء على علاقات جيدة مع الجيش التركي الذي يضع قاعدة انجرليك بتصرف التحالف الدولي في حربه ضد الجهاديين بقيادة الولايات المتحدة. وتشهد تركيا منذ 1984 تمردا يقوده مقاتلو حزب العمال الكردستاني وتعتبر تركيا هذه القوات الكردية تنظيما "ارهابيا". من جهتها ترى إيران، العدو التاريخي للولايات المتحدة والتي تضم بدورها أقليات كردية، أنه من مصلحتها أن يخسر المقاتلون الأكراد مناطق سيطرتهم في العراق وفي سوريا حيث تدعم طهران قوات النظام السوري ضد الجهاديين وكذلك ضد فصائل معارضة مدعومة من واشنطن. وفيما ينوه البنتاغون بقدرات المقاتلين الأكراد، يحرص العسكريون الأميركيون على عدم تقديم أي وعود لهم. ويقول المتحدث باسم التحالف الدولي الكولونيل راين ديلون إن "قوات سوريا الديمقراطية أثبتت أنها شريك فاعل وقادر". وردا على سؤال حول إمكانية قيام التحالف بتعليق تدريباته العسكرية للأكراد على خلفية الاستفتاء، أجاب ديلون أن أي قرار لم يتخذ وأن التدريب مستمر. ويقول المحلل ديفيد بولوك من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن التوتر الذي تشهده كركوك يصب في مصلحة طهران بشكل كبير وأن الأكراد انسحبوا من المدينة دون قتال لأنهم "فهموا أن أحدا لن يأتي لنجدتهم". ويضيف المحلل الذي زار مؤخرا اربيل عاصمة اقليم كردستان العراق، أن الولايات المتحدة "استغلت الأكراد ضد تنظيم الدولة الاسلامية وتخلت عنهم في العراق، وهذا الأمر يمكن أن يتكرر في سوريا أيضا". وأضاف بولوك "يقال لهم لقد بذلتم كل شيء على مدى ثلاث سنوات، لكننا نتخلى عنكم".
مشاركة :