يومًا بعد يوم، تثبت الأحداث السياسية في العالم أنها أكبر من إمكانات وهيبة الأمم المتحدة، وأكبر من مصداقية أمينها العام "أنطونيو جوتيريس"، وأن الأخير ليس بيده شيء يصنعه سوى الارتماء في أحضان الدول النافذة، يلبي طلباتها وينفذ تعليماتها بالحرف الواحد، وإلا كان مصيره الإقصاء من هذا المنصب الذي لطالما حلم به. وخلال عامه الأول له أميناً عاماً للأمم المتحدة، كشف "أنطونيو جوتيريس" عن شخصيته الضعيفة والمستكينة، ورضوخه وانبطاحه التام للقوى العظمى، التي تحركها الصهيونية بطريقة أو بأخرى، وهو ما يفسر التقارب المريب بينه وبين شخصيات إسرائيلية معروفة، على رأسها رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو". هذه الشخصيات نجحت في استثمار ضعف شخصية "جوتيريس" بطريقة ذكية، ومن ثم توجيه الرجل إلى سلك طرق بعينها، تعزز المصالح الإسرائيلية واليهودية في منطقة الشرق الأوسط والعالم، على حساب المصالح العربية والإسلامية. وللأمانة نؤكد أن "أنطونيو جوتيريس" ليس هو الأمين العام للأمم المتحدة الوحيد الذي يراعي مصالح الدول الكبرى ويهمل مصالح الملفات العربية والإسلامية؛ إذ إن الغالبية تقريبًا سارت على المنوال نفسه، ولكن يبقى "جوتيريس" الأول من بين أقرانه بلا منازع، الذي فشل في إخفاء نواياه الخبيثة وتوجهاته المنحازة صوب كل ما هو غربي ويهودي، وضد كل ما هو عربي وإسلامي، في إشارة جلية إلى أن شخصية الأمين العام للأمم المتحدة، بدءاً من عهد "جوتيريس" لم تعد حيادية أو نزيهة كما تفترض متطلبات المنصب الأممي، وإنما باتت شخصية مُسيسة بشكل علني، لها أجندتها الخارجية، ولها أهدافها اللاإنسانية، وبالتالي لا يحق لمثل هذه الشخصية أن تكون أمينة لدى البحث عن حلول للعديد من الملفات الدولية الشائكة؛ لأن قراراتها لن تحظى باحترام الجميع. تاريخ من الفشل وقد سعى "أنطونيو جوتيريس" في بداية توليه منصب الأمين العام للأمم المتحدة، إلى أن يمحو تاريخه الطويل مع الفشل، وأن يبدأ صفحة جديدة، تحت ادعاءات "كاذبة" بترسيخ الحريات وتعزيز الديموقراطية ونشر العدل في ربوع الكرة الأرضية، وتعهد الرجل بجعل الكرامة الإنسانية في صميم عمله، ووعد بالعمل كوسيط سلام محايد، ومدّ جسور التواصل، وتعزيز الإصلاح والابتكار، ولكن شيئًا من هذا القبيل لم يحدث حتى الآن، لتبقى سمعة الأمم المتحدة على صفيح ساخن. ولم يكن الفشل الملازم لحياة "أنطونيو جوتيريس" قد بدأ مع تعيينه في هذا المنصب المهم، وإنما كان جزءاً لا يتجزأ في جميع المناصب التي تولاها سابقًا، سواء في موطنه الأصلي البرتغال أم المناصب الدبلوماسية داخل المنظمات الدولية؛ إذ لم تشهد مراحل حياة "جوتيريس" أي إنجازات لافتة للنظر، وقد تجسد هذا الفشل وبلغ ذروته أثناء عمله مفوضًا ساميًا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الفترة من يونيه 2005 إلى ديسمبر 2015، وخلال هذه الفترة فشل "جوتيريس" في الحد من عدد المشردين في دول العالم؛ إذ زاد الرقم وكاد أن يتضاعف في كلٍّ من سوريا والعراق، فضلًا عن الأزمات في جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى واليمن، وهو ما أدى إلى ارتفاع كبير في أنشطة المفوضية؛ إذ ازداد عدد المشردين بسبب النزاعات والاضطهاد من 38 مليوناً في عام 2005 إلى أكثر من 60 مليونًا في عام 2015. وانتقل "أنطونيو جوتيريس" بكامل فشله إلى رواق الأمم المتحدة، ليعتلي قمة الهرم فيها، وخلال عام مضى فشل الرجل -مجددًا- في نشر الهدوء في أكثر من منطقة ملتهبة، وبات العالم أشبه ببؤر صراعات سياسية، والأمم المتحدة تكتفي بإطلاق التصريحات. أسئلة حائرة ويرى محللون أن الوضع السيئ للأمم المتحدة وأمينها العام وصل إلى حده الأقصى، في مؤشر إلى أنه من المستحيل أن يستمر هذا الوضع طويلًا، باعتبار أن التغيير سُنة كونية يظهر عندما تصل الأمور إلى منتهاها. ويبدي المحللون أنفسهم دهشتهم من ازدواجية تعامل "أنطونيو جوتيريس" مع الملفات العربية والإسلامية، مقارنة بغيرها من الملفات الأخرى، ويرون أن هذه الازدواجية واضحة وفجة ومتجاوزة حدودَ المنطق والمعقول وتفتقد إلى العدل والنزاهة والحيادية، مستشهدين على ذلك بتقرير الأمم المتحدة على الحرب التي يشنها التحالف العربي في اليمن. ويتساءلون عن سبب يقظة ضمير "أنطونيو جوتيريس" في هذا التوقيت بالذات، علمًا بأن الحرب في اليمن تعيش عامها الثالث، متسائلين ثانية عن سبب تزامن إعلان التقرير، مع زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان إلى روسيا، مؤكدين أن التقرير لا يستند على أي أدلة واقعية، ويفتقد إلى المصداقية والشفافية، ورغم تمسك "جوتيريس" وحده بهذا التقرير، بينما يرفضه العالم؛ ما يشير ويؤكد فرضية التواطؤ والتسييس والانحياز الواضح من الأمم المتحدة وأمينها العام.
مشاركة :