تناولت مقالة الجمعة الماضي الجذر التاريخي للخوارج، وجاء فيها حديث ذي الخويصرة التميمي الذي أخرجه الشيخان، والإشارة إلى أن خوارج التاريخ وخوارج العصر كما يفرق بينهم البعض خرجوا من رحم واحدة، للاتفاق في أصول اعتقادهم التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أبرز أوصافهم التي أشار إليها رسول الله، الخلل في البنية الفكرية لهذه الفئة، إذ إنها قائمة على المنهج الحرفي في فهم النصوص، فهم أحدهم إقامة حرف القرآن من دون إقامة حده، وقد جاء في صفتهم عند البخاري «قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ»، يقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري وَلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَلَاقِيمَهُمْ»، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالنُّطْقِ لَا بِالْقَلْبِ، والعبرة في الشرع ليست بكثرة المقروء وإنما ما خالط القلوب وتحركت به الجوارح. إن هذه الفئة التي أشار الرسول إلى اجتهادها في العبادة، كما جاء في حديث رسول الله في البخاري «يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ»، غابت عنها الغايات العظمى لما يتعبدون الله به، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ومن أعظم المنكرات سفك دماء الناس، والصيام وسيلة لتحقيق التقوى ومع ذلك لم يمنعهم صيامهم من تكفير المسلمين، ما يدلل على أن العبرة ليست بكثرة العبادة، وإنما أداء الفرض مع اجتناب محارم الله، خير من فرض يتبعه نفل وقد انتهكت محارم الله. هذه الطائفة لديها تعطش لإراقة الدماء تحت غطاء تأولاتهم الباطلة التي ينسبونها إلى الإسلام والإسلام منها بريء، وفي صحيح البخاري «يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ» لأنهم يكفرون بالكبيرة، ويستحلون الدم الحرام، وقد وصفهم رسول الله ببراءتهم من الإسلام «يَتْرُكُونَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ»، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يراهم شرار خلق الله، وقال: «إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين»، وكان ابن عمر إذا سُئل عن الحرورية؟ قال: «يُكفِّرون المسلمين ويستحلِّون دماءهم وأموالهم، وينكحون النساء في عُدَدِهِم، وتأتيهم المرأة فينكحها الرجل منهم ولها زوج، فلا أعلم أحداً أحق بالقتال منهم». وقال ابن كثير في صفتهم: «فجعلوا يقتلون النساء والولدان، ويبقرون بطون الحبالى، ويفعلون أفعالاً لم يفعلها غيرهم» وقد عُرِفَ الخوارج بالغلظة والجفوة على المسلمين، وأخرج ابن ماجة من حديث عبدالله بن ابن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخوارج كلاب النار» وصححه الألباني. ويخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أكثر من يقع ضحية لهذه الأفكار هم «حدثاء الأسنان»، كما في البخاري «يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ»، ما يؤكد ضحالة وسفاهة من يقع ضحية لهذه الأفكار، وأن هذه البدعة تستهدف صغار السن والشباب لقلة العلم والتجربة. تضيق المقالة عن ذكر صفات شر قتلى تحت أديم السماء كما وصفهم بذلك رسول الله، وإلى لقاء في مقالة مقبلة تشير إلى ولعهم بشق عصا الجماعة، والخروج على ولي الأمر، وقد عارض كبيرهم ذو الخويصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فما الظن بأبنائه؟ * داعية، وأكاديمية سعودية. nawal_al3eed_@
مشاركة :