طرابلس تشيع ضحاياها وترفض "الأمن الذاتي" وسليمان يدعو لحكومة جامعة ولحوار دون شروط

  • 8/25/2013
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

أطلق رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان مبادرة أراد منها تحريك الوضع السياسي من الجمود القاتل الذي يمر فيه لبنان لمنعه من الانزلاق الى أتون الفتنة دعا فيها للالتقاء فوراً ضمن حكومة جامعة وحول طاولة الحوار الوطني من دون شروط مسبقة لإنجاز هذه الاستحقاقات معززة بإرادة الالتقاء وشجاعة القرار وإعلائه على أي قرار آخر حتى لا نقع في تجربة الانقسام والتقاتل مرة جديدة. وجاءت المبادرة في رسالة متلفزة وجهها ليل أمس قال فيها «لنعمل على تجاوز الاعتبارات الخارجية كلها حتى لا تضيع الفرصة ونخسر السلام والاستقرار وهذه مسؤوليتنا جميعاً فلنثبت أهليتنا لها ليبقى لنا وطن نستحقه ونفخر بانتمائنا إليه». وحذّر سليمان من وقوع لبنان فريسة لعبة الأمم وقال «إنه يستحق الحياة والبقاء لأن اغتياله يضرب فكرة العيش الواحد بين الجماعات المتعددة الأديان ويهدد أمن العالم المتنوع. هذا ما يريده اللبنانيون فلنخضع لمشيئتهم وللإرادة الوطنية الجامعة». وكان سليمان استهل رسالته الى اللبنانيين يتعزية ذوي شهداء وضحايا التفجيرات الإرهابية والإجرامية التي أدمت أهل الوطن وأرضه، وآخرها تفجيرات الضاحية وطرابلس العزيزتين، بعد الجرائم المرتكبة بحق الجيش اللبناني متمنياً لمئات الجرحى والمنكوبين الذين أصيبوا وتضرروا جراء هذه الاعتداءات البربرية الآثمة، الشفاء العاجل، داعياً الإدارات والأجهزة المختصة الى استنفار شامل «لمساعدة هؤلاء ومنحهم ما يستحقون من رعاية مادية ومعنوية». وتوقف سليمان أمام ما تشهده منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي من تحولات واضطرابات وبإزاء ما ينتاب اللبنانيين من قلق «نعيشه معهم ونشعر به». وقال «لا بد لي من موقع المسؤولية الدستورية التي أحملها والمؤتمن عليها أن أطلع الشعب اللبناني على ما أراه متوجباً علينا جميعاً اتخاذه من إجراءات وخطوات وتدابير ملموسة تتعدى عبارات الاستنكار والإدانة وتتجاوزها لمواجهة التحديات والمخاطر التي بات يواجهها وطننا في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه». وحذّر سليمان من الخطر الإرهابي المتعاظم والخوف من انزلاق لبنان الى أتون الفتنة، فضلاً عن استمرار التهديدات والخروقات الإسرائيلية، وفي ظل الجمود الناتج من وقف الحوار وتفويت فرصة إجراء الانتخابات النيابية وعدم التزام إعلان بعبدا والتعثر في تشكيل الحكومة وشيوع الدعوات الى الأمن الذاتي وما تنطوي عليه من مخاطر وفخاخ. وتوجه سليمان الى السياسيين وأهل السلطة وأصحاب الرأي والنفوذ والقيادات والمرجعيات الدينية ودعاهم الى اتباع نهج الاعتدال في خطابهم السياسي والالتزام فعلاً بثوابت «إعلان بعبدا». كما توجه الى وسائل الإعلام كافة ودعاها الى المشاركة في تحمل المسؤولية الوطنية لما لديها من القدرات والكفايات العالية لمواكبة هذه المرحلة بشجاعة ومسؤولية. وكانت مدينة طرابلس ارتدت حلة سوداء وسط حداد لبناني عام، وخيّم الحزن والقلق على شوارعها وأحيائها وهي تودع ضحايا التفجيرين الإرهابيين، اللذين ضربا مسجدي السلام في الميناء، والتقوى في الزاهرية، وقالت كلمتها بصوت عال: «لا للأمن الذاتي لأنه يقضي على ما تبقى من الآمال المعقودة على مشروع الدولة التي لا بديل من أجهزتها الأمنية، جيش وقوى أمن داخلي، للحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية أهلها». فيما بقيت الأصوات التي طالبت بالأمن البديل خجولة ولا تلقى تجاوباً من فاعليات عاصمة الشمال، من وزراء ونواب وهيئات المجتمع المدني، وهذا ما أكد عليه ابن المدينة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بدعوته الى إبعاد «شبح ما يسمى بالأمن الذاتي» وأن من واجبات القوى الأمنية ملء موقعها بكل ما للكلمة من معنى. وكشفت مصادر طرابلسية لـ «الحياة» أن الاجتماع الذي رأسه ميقاتي في منزله في طرابلس في حضور وزراء المدينة ونوابها ووزير الداخلية والبلديات مروان شربل والمدعي العام التمييزي بالإنابة القاضي سمير حمود ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر وقادة الأجهزة الأمنية، توصل الى رسم خريطة الطريق لتفعيل التدابير والإجراءات الأمنية لحماية السلم الأهلي في المدينة وقطع الطريق على تكرار ما أصابها من تفجيرين إرهابيين. وقالت المصادر نفسها إن خريطة الطريق هذه كانت موضع بحث بين سليمان وميقاتي وشربل وقادة الأجهزة الأمنية، وأكدت أن الاجتماع الذي رأسه ميقاتي في طرابلس لم يتطرق الى التحقيقات الأمنية والقضائية الجارية للكشف عن هوية مرتكبي التفجيرين الإرهابيين. ولفتت الى أن الدعوة للأمن الذاتي ولدت ميتة، وعزت السبب الى أن من يروّج لها لا يتمتع بأي تأثير سياسي أو نفوذ يدفعه الى الدفاع عن وجهة نظره، طالما أن طرابلس بكل قواها وهيئاتها المدنية ترفض مجرد البحث فيها. وأوضحت المصادر أن وزير الداخلية عرض بالتفصيل لواقع الحال في قوى الأمن الداخلي واقترح استقدام تعزيزات إضافية الى المدينة وشكا من عدم توافر الأجهزة ذات الفاعلية في الكشف عن المتفجرات. ونقلت المصادر عن شربل قوله إن قوى الأمن في حاجة ماسة الى تدعيمها «بتجهيزات حديثة تمكّنها من الكشف عن المتفجرات» لأن استخدام الكلاب البوليسية في هذا المجال لا يفي بالغرض المطلوب، لا سيما أنها لن تكون قادرة على ضبطها في حال وضعت في سيارة ملاصقة لخزان الوقود لأن رائحتها تسبب ازعاجاً لهذه الكلاب ما يؤثر في حاسة الشم وبالتالي في قدرتها على التأكد من وجود مواد متفجرة أم لا. وقالت المصادر عينها إن هناك ضرورة لتثبيت المزيد من الكاميرات في شوارع طرابلس وأحيائها، لا سيما أن الكاميرات الموجودة في الميناء وعلى طول الشارع المحيط بمسجد السلام تمكنت من التقاط صور عدة، إضافة الى الصورة التي التقطتها الكاميرات الموجودة في داخل المسجد، بينما تبين أن الكاميرات الموجودة بالقرب من مسجد التقوى في الزاهرية أو في داخله لم تكن قادرة على تغطية حركة المرور، سواء للسيارات أو الأفراد. ورأت هذه المصادر أن التوافق السياسي على رفض مقولة الأمن الذاتي، يفتح الباب أمام تفعيل دور الجيش والقوى الأمنية شرط أن يوفر لهما الغطاء السياسي لئلا تتحول الى قوة للفصل بين الأطراف المتنازعة سواء في طرابس أو بين حي التبانة وبعل محسن من ناحية، أو للتعايش مع قوى الأمر الواقع وقادة المحاور ما يؤدي الى فرض الأمن بالتراضي. لكن التوافق على خريطة الطريق لطمأنة أهل طرابلس وحمايتهم لا يكفي، لأن الحل الأمني، كما قالت مصادر رسمية لـ «الحياة»، لا يفي بالغرض المطلوب ما لم يصر الى تحصينه سياسياً وهذا ما يفتح الباب أمام السؤال عن مصير المشاورات الجارية لتأليف حكومة جديدة برئاسة تمام سلام، والتي توقفت جراء تبادل الشروط بين الأطراف السياسية الرئيسة. وقالت المصادر إن لبنان أصبح جزءاً من الوضع المعقد والمتوتر في المنطقة، وإن ارتدادات الحرب الدائرة في سورية بين نظام الرئيس بشار الأسد والمعارضة تنعكس سلباً على لبنان، وبالتالي لا يمكن إعادة الاعتبار لـ «إعلان بعبدا» الذي وافق عليه المشاركون في هيئة الحوار الوطني برئاسة رئيس الجمهورية والذي ينص صراحة على تحييد لبنان وعلى مرجعية الدولة في السلاح ما لم يبادر «حزب الله» ولو تدريجاً الى الخروج العسكري من سورية. وأكدت المصادر أن خروج الحزب من معادلة القتال في سورية يفتح الباب أمام البحث الجدي في إمكان تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإلا فإنها لن ترى النور، لأن قوى «14 آذار» تعتبر أن تمثيله في الحكومة مع استمرار ضلوعه في القتال في سورية سيقود حتماً الى توفير الغطاء السياسي لمشاركته هذه. وتعتبر المصادر نفسها أن بقاء الوضع على حاله يعني أن حكومة الوحدة الوطنية ستتشكل من مجموعة حكومات، ما يعيق قدرتها على الإنتاج أو في توفير الغطاء السياسي للأجهزة الأمنية لنشر شبكة أمان فوق كل لبنان. وتؤكد في الوقت نفسه أن لا قدرة للبنانيين في التأثير في اتجاه قيام حكومة جامعة، باعتبار أن القرار لم يعد في الداخل وأن عودة مسلسل التفجير ما هو إلا انعكاس للكباش السياسي الدائر في المنطقة. وتساءلت عن البديل إذا ما تعذر تشكيل حكومة جامعة. وفي التحقيقات الأمنية والقضائية الجارية، ذكرت معلومات أمنية أن فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي أوقف الشيخ أحمد الغريب وهو مقرب من أحد الأجنحة في حركة التوحيد الإسلامي (الشيخ هاشم منقارة)، للتحقيق معه حول مدى علاقته بمعلومات أمنية أوردت أسمه قبل حصول التفجيرين. ولا تزال التحقيقات معه جارية بمواكبة من القضاء المختص. وقالت إن قوة من الفرع دهمت منزله في بلدة المنية وصادرت منه بندقية حربية وجعباً عسكرية وقنبلة يدوية. وإن التحقيقات في مرحلتها الأولى ومن السابق لأوانه توجيه أي تهمة إليه قبل التأكد من أنها مدعومة ولا يمكنه إنكارها. فيما نفى منقارة التهم الموجهة إليه وقال إنه «بريء من التفجيرين». وعلى صعيد ما تردد من أنه تم العثور على هيكل لسيارة «فورد» رباعية الدفع زيتية اللون، كان حاول سائقها أن يركنها أمام المبنى الذي يقيم فيه المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي في مقابل مسجد السلام لكن أحد حراس الأخير منعه من ركنها علمت «الحياة» أن هذه السيارة كانت متوقفة في جوار المسجد وأن الانفجار قذفها الى الشارع الآخر، فاستقرت أمام منزل ريفي.    

مشاركة :