بعث وزير الخارجية في حكومة “الوفاق” الليبية محمد الطاهر سيالة برسائل للمجتمع الدولي تحمل رفضهم استئناف المحادثات دون تطبيق شروطهم التي يتجاهلها العالم منذ أشهر ويصفها مراقبون بـ”غير الواقعية”. ورحّب سيالة على هامش قمة “التيكاد” بطوكيو بموقف اليابان في قمة مجموعة السبع الداعم للحل السلمي ووقف العمليات العسكرية “شريطة أن يعود المعتدي إلى الأماكن التي انطلق منها”. وأضاف “المطالب بوقف إطلاق النار غير المشروط هي مساواة بين معتد يسعى لإعادة البلاد إلى حكم الفرد والعائلة ومُعتدَى عليه يسعى لإقامة الدولة المدنية ودولة القانون والمؤسسات والتداول السلمي على السلطة. الشعب الليبي يستحق إدانة من يسعى للقضاء على آماله في إقامة الدولة المدنية والديمقراطية والوقوف إلى جانبه لتجاوز أزمته واستعادة أمنه واستقراره وتحقيق تنميته الشاملة والمستدامة”. ويردّد المسؤولون التابعون لحكومة الوفاق وخصوصا منهم المحسوبون على تيار الإسلام السياسي منذ فترة هذه الشروط التي لا يعيرها المجتمع الدولي أي اهتمام، ما يعكس وجود رغبة دولية في إنهاء سطوة الإسلاميين على العاصمة ومؤسسات الدولة، من خلال السماح للجيش بالتفاوض من موقع قوة. وفي حين يتجاهل المجتمع الدولي شروط حكومة الوفاق ويدعو إلى وقف إطلاق النار دون الإشارة إلى تلك الشروط، فقد دعت باريس بشكل واضح وعلني في مايو الماضي أطراف الصراع إلى ضرورة وقف إطلاق نار غير مشروط في طرابلس. وتصاعدت في الفترة الأخيرة التحركات من أجل فرض هدنة لاستئناف العملية السياسية، بدأت ببيان مجموعة السبع الذي دعا إلى إجراء مؤتمر دولي ومحلي بشأن ليبيا، والضغوط الأميركية التي تجلت في الاجتماعين اللذين أجراهما قائد القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، الجنرال ستيفن تاونسيند برفقة السفير الأميركي في طرابلس ريتشارد نورلاند، مع رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج والمبعوث الأممي غسان سلامة وانتهى كلاهما بالتأكيد على ضرورة استئناف العملية السياسية. أنطونيو غوتيريش يحذر من غرق ليبيا في "حرب أهلية"، إذا لم يتم اتخاذ خطوات على المدى القصير لوضع حد للنزاع ونقلت صحيفة “لو بوان” الفرنسية عن مصادر دبلوماسية غربية تحدثت عن مقترح بمؤتمر مصالحة ليبي- ليبي يصحح النسخة التي خطط لها المبعوث الأممي غسان سلامة قبل اندلاع الحرب والمعروفة بـ”المؤتمر الوطني الجامع”، والتي أجهضتها حرب العاصمة طرابلس، لكن المصادر تحدثت عن متغير جديد في رؤية المجتمع الدولي للخطوة الجديدة، إذ “سيحظى بمشاركة قادة التشكيلات المسلحة في مصراتة والزنتان”. ويقول مسؤولون مقرّبون من الجيش إنه اضطر إلى شن معركة طرابلس بسبب محاولة الإسلاميين الالتفاف على الاتفاق الذي جرى بين فايز السراج والقائد العام للجيش المشير خليفة حفتر في فبراير الماضي والذي ينص على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية تنهي المرحلة الانتقالية الحالية. ويرفض الإسلاميون إنهاء المرحلة الانتقالية بإجراء انتخابات يدركون أنهم سيخسرونها لذلك يطالبون بإجراء انتخابات تشريعية فقط مع الإبقاء على المجلس الرئاسي الحالي بزعم عدم وجود دستور، وهو ما يرد عليه التيار الداعم للانتخابات الرئاسية بأنه بالإمكان تجاوزه من خلال إجراء تعديلات على الإعلان الدستوري الجاري العمل به حاليا. وتستشعر حكومة الوفاق الواقعة تحت سيطرة الإسلاميين ضعف موقعها وتدرك جيّدا أن أي مفاوضات ستعقد ستنتهي بنتائج لن تكون لصالحها، لذلك ترفض الحوار وتحشد لشنّ هجوم يقول مراقبون إنه قد يكون الأعنف خلال الفترة القادمة. ويرى هؤلاء المراقبين أن حكومة الوفاق تنتظر فقط وصول المزيد من الأسلحة من تركيا بعد الزيارة التي أجراها وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا إلى أنقرة الأربعاء، لشن هجوم على مواقع الجيش جنوب طرابلس وعلى مدينة ترهونة مركز عمليات الجيش. وتصدى الجيش الأربعاء الماضي لمحاولة للهجوم على مدينة ترهونة التي فشلت محاولات الإسلاميين لاستمالتها. وأعلنت قاعدة الوطية الجوية عن تحرك أرتال تتبع الجيش الوطني بالمنطقة الغربية العسكرية باتجاه مدينة ترهونة، لأول مرة منذ اندلاع القتال في طرابلس. وأوضحت القاعدة في إدراج على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أن الأرتال تحركت بمساندة استطلاع سلاح الجو، فيما لم تكشف عن أهدافها العسكرية أو المهام المُوكلة لها. وفي سياق مُتصل، كشف اللواء 106 مجحفل عن وصول تعزيزات عسكرية كبيرة من قواته للمدينة تنفيذا لتعليمات القيادة العامة للجيش الوطني. وفي محور الزطارنة القريب من تاجوراء أشارت مصادر إلى وصول تعزيزات عسكرية لكلا الطرفين من بينها معدات ثقيلة، بعد اشتباكات حامية شهدها منذ يومين، كما شهد محور السبيعة معارك عنيفة استعملت فيها الأسلحة المتوسطة والثقيلة، كبّدت فيها الوحدات العسكرية التابعة للجيش المجموعات المسلحة خسائر كبيرة وصلت إلى مقتل 5 من عناصرها وتدمير 3 آليات مسلحة. وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الخميس في تقرير، قلقه من أن تغرق ليبيا في “حرب أهلية” إذا لم يتم اتخاذ خطوات “على المدى القصير” لوضع حد للنزاع بين رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج والمشير خليفة حفتر. وقال غوتيريش “إذا لم يتم فعل شيء على المدى القصير، فمن المحتمل جدا أن يتحول النزاع الحالي إلى حرب أهلية”، داعيا “الفصائل المتحاربة إلى وقف كل الأعمال القتالية والعودة إلى الحوار السياسي”. وأضاف “أحضّ جميع الأطراف على التوقف عن استخدام الأسلحة المتفجرة، بما في ذلك خلال الغارات والقصف الجوي في المناطق السكنية، نظرا إلى أنها قد تضرب بشكل عشوائي”. وأدت المعارك على مشارف طرابلس منذ بدء هجوم المشير خليفة حفتر في أبريل للتقدّم نحو العاصمة التي يُسيطر عليها السراج، إلى مقتل ألف شخص وأجبرت 120 ألفا على مغادرة منازلهم. وتابع غوتيريش “للتوصل إلى حلّ سياسي للنزاع في ليبيا، هناك حاجة إلى دعم كامل وجماعي من المجتمع الدولي”. وأردف “أنا قلق حيال وجود مقاتلين أجانب ومرتزقة جنّدهم أطراف النزاع في ليبيا، وحيال تدفّق السلاح إلى البلاد”، مطالبا باحترام صارم للحظر المفروض على الأسلحة الساري منذ العام 2011.
مشاركة :