بغداد – يرى خبراء أن القوات العراقية استطاعت بمواجهتها المقاتلين الأكراد وسيطرتها السريعة خلال الأيام الأخيرة على مناطق متنازع عليها مع إقليم كردستان وأبرزها كركوك الغنية بالنفط، وبعد طردها تنظيم الدولية الإسلامية من مناطق واسعة في شمال العراق وغربه، قلب موازين القوى بشكل جذري في البلاد لصالحها لتمحو بذلك صورة الجيش الضعيف الذي انهار في العام 2014 بشكل صادم أمام اجتياح التنظيم المتطرف للعراق. وخلال 14 عاما وفي مواجهة جيش حكومي ضعيف، سيطرت قوات البشمركة بشكل منهجي على مناطق متنازع عليها بين بغداد وأربيل، لكن الأوضاع انقلبت تماما خلال الأسبوع الحالي، إذ لم يستغرق الأمر سوى 48 ساعة كي تستعيد القوات المركزية العراقية السيطرة على جميع تلك المناطق من دون أي مقاومة تقريبا. ورحب المتحدث باسم التحالف الدولي بقيادة واشنطن الكولونيل راين ديلون بهذا التطور، قائلا إن القوات العراقية حسمت معركة الموصل التي "تعد من أصعب المعارك منذ عقود، ثم سيطرت على تلعفر والحويجة"، مضيفا "يقال إنهم الآن، من أوائل قوات الأمن في المنطقة". وتطلب الأمر سنوات لإعادة تشكيل القوات العراقية بمساعدة العديد من جيوش الدول الغربية. وبعيد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، أقدم الحاكم المدني الأميركي حينها بول بريمر على حل القوات الأمنية العراقية التي اعتبرها آنذاك أداة بيد نظام صدام حسين. وفي ذلك الوقت، كان أكثر من نصف القوات العراقية عبارة عن "جنود أشباح"، أي أسماء وهمية يتلقى أصحابها رواتب من دون أي تواجد لهم على الأرض، وفق ما يقول أحد المدققين. "معنويات متدنية وفساد ومحاباة" وكانت القوات العراقية في أسوأ حالاتها خلال الهجوم الواسع لتنظيم الدولة الإسلامية في يونيو/حزيران 2014 عندما سيطر التنظيم المتطرف على نحو ثلث مساحة البلاد. ويقول الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إميل حكيّم إن "معنويات القوات كانت متدنية جدا وكانت تعاني من الفساد والمحاباة في القيادة". في عهد رئيس الوزراء حيدر العبادي، أقدمت الحكومة على إصلاحات في المؤسسة الأمنية، مستعينة بمدربين أجانب كانوا غادروا البلاد في العام 2011. ويؤكد التحالف الدولي أنه درب منذ العام 2015 نحو120 ألف عنصر من القوات الأمنية بينهم 43900 عسكري و20700 شرطي و14400 من قوات مكافحة الإرهاب و22800 من البشمركة. وأوضح حكيم أن الإصلاحات المهمة التي قام بها العبادي والمصحوبة بجهود أميركية واسعة لتسليح ودعم العراق، أثمرت "قوة أكثر انضباطا والتزاما وأفضل مستوى في التماسك الذي أظهر قدراتها العسكرية في ساحة المعركة. ويرى رئيس تحرير مجلة "جاينز" الأسبوعية المتخصصة بشؤون الدفاع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن القوات العراقية اليوم هي ثمرة ثلاث سنوات من تدريب وتسليح من جانب التحالف. لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن "العراقيين أيضا حسنوا على الأرجح أسلوبهم في مواجهة مشاكل الفساد والضعف اللوجستي وفي كيفية رفع المعنويات المتدنية" للقوات. في المقابل، حصلت القوات الحكومية على دعم قوات الحشد الشعبي التي تضم فصائل ذات غالبية شيعية مدعومة من إيران وموالية لها، تعد أكثر من 60 ألف مقاتل وتشكلت في العام 2014 بعد فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها علي السيستاني أكبر مرجعية شيعية في البلاد لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. وتخضع تلك الفصائل ظاهريا لقيادة رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، لكن سياسيين وخبراء حذروا من أنها قوة تدين بالولاء لإيران أكثر من ولائها للعراق وهي بمثابة قوة رديفة للجيش العراقي وهي أكثر تسليحا من القوات النظامية. انهيار صورة البشمركة في المقابل، انعكست صورة قوات البشمركة التي كانت تتغنى بمقاتليها الأشداء، خصوصا أنها لم تكن القوات الرئيسية في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. ولم تشارك البشمركة في معركة استعادة الموصل وكانت تقف على بعد ثلاثين كيلومترا إلى شرق المدينة ولم تخض أيضا معارك لاستعادة تلعفر أو الحويجة ولم تشارك في أي من معارك محافظة الأنبار في غرب البلاد. وعندما تقدم تنظيم الدولة الإسلامية باتجاه مدينة اربيل، كان حال البشمركة حال القوات العراقية آنذاك وكانت مستعدة للفرار لولا الدعم الذي قدمته لها إيران المجاورة. ويرى حكيم بأن تقهقر القوات الكردية في كركوك "سببه انعدام التوافق السياسي"، موضحا أن "الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية غطى على خلل الإدارة الكردية منذ سنوات". ولا تزال صورة مقاتل البشمركة القديم الواقف على جبل بشاربين طويلين ووجه أسمر مجعد وكوفية تقليدية على رأسه وسروال عريض مدافعا عن أرضه في ظروف قاسية، قائمة، إلا أن صورة البشمركة كقوة تتمتع بقدرات قتالية عالية وبأس شديد في المعارك انهارت أو اهتزت خلال العملية العسكرية الخاطفة التي قادها الجيش العراقي لاستعادة السيطرة على مناطق سيطرت عليها القوات الكردية قبل سنوات. ويعتبر حكيم أن الجيل الجديد من البشمركة "ليست لديه القسوة والتماسك اللذين يمتلكهما القدامى"، لأن "الاستقرار والتطور الاقتصادي لكردستان العراق منذ العام 2003، أثرا على العقلية العسكرية للمجتمع الكردي". ولم يعد مقاتلو البشمركة يتسلمون إلا نصف رواتبهم منذ العام 2005، بسبب الخلافات السياسية بين بغداد وأربيل، ما ينعكس سلبا على معنويات هؤلاء المقاتلين. وطالما راهن مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان العراق المنتهية ولايته منذ 2005 على تلك القوات لضمان استمراره في السلطة، إلا أن خبراء أكدوا أن انشغاله في الاحتفاظ بالسلطة لأطول وقت ممكن ومغامرته الأخيرة بقيادة استفتاء الانفصال أدخلت الاقليم الكردي في أزمات حادة سياسية واقتصادية وهزت دعائم سلطته ومكانته في المجتمع الكردي. ويواجه اقليم كردستان أزمة مالية عاصفة منذ سنوات ارتدت إلى اضطرابات واحتجاجات في الشارع إلى أن أعلن البارزاني عن استفتاء الانفصال الذي هلل له كثيرون من الأكراد وتحفظ عليه آخرون. وبددت الأحداث الأخيرة مطامع وطموحات الأكراد بالاستقلال في ظل تفاقم أزمة الاقليم وازدياد عزلته الاقليمية والاقتصادية مع الاجراءات العقابية التي اتخذتها بغداد وكل من تركيا وغيران الرافضتين لقيام كيان كردي مستقل في شمال العراق خشية أن يحفز ذلك الأقلية الكردية فيهما على اعلان الانفصال.
مشاركة :