بيروت – ينفتح المشهد السوري بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة أبرز آخر معاقله بسوريا واقتراب هزيمته في دير الزور، على أكثر من سيناريو وعلى مسار الحرب المستمرة منذ 2011. ويُعد تحرير الرقة آخر الانتصارات التي حققتها قوات سوريا الديمقراطية التحالف الذي يضم فصائل كردية وعربية مدعومة من واشنطن ضد تنظيم الدولة الاسلامية. ومنذ تأسيسها في العام 2015، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري من طرد التنظيم المتطرف من مناطق واسعة في شمال سوريا. ويرى التحالف الدولي بقيادة واشنطن في هذه القوات، القوى الأكثر فعالية ضد التنظيم ويقدم لها الدعم بالغارات والسلاح والمستشارين على الأرض. ويرى محللون أن الخسائر الكبيرة التي مُني بها التنظيم المتطرف في سوريا والعراق على حد سواء قد تؤدي إلى تراجع اهتمام الأميركيين وبالتالي قد تجد قوات سوريا الديمقراطية نفسها وحيدة، وفق ما يرى محللون. وفي هذه الحالة قد يحاول الأكراد إيجاد حلول بديلة وبينها التفاوض مع الحكومة السورية، وهم الذين عانوا على مدى عقود من سياسة تهميش من جانب دمشق. ويقول الخبير في الشؤون السورية في جامعة ستانفورد فابريس بلانش "في حال سحبت الولايات المتحدة قواتها بسرعة خلال ستة أشهر سيبقى الأكراد وحيدين". وبالتالي يجدر بهم "التقرب من دمشق وخصوصا موسكو". ويقول أرون شتاين المحلل في المعهد الأطلسي الذي يتخذ من واشنطن مركزا له، أن "قوات سوريا الديمقراطية حاليا في وضع مناسب للتفاوض مع النظام"، وهي التي باتت تسيطر على 26 بالمئة من الأراضي السورية. وتصاعد نفوذ الأكراد مع اتساع رقعة النزاع في سوريا في العام 2012 مقابل تقلص سلطة النظام في المناطق ذات الغالبية الكردية. وبعد انسحاب قوات النظام تدريجيا من هذه المناطق، أعلن الأكراد إقامة إدارة ذاتية مؤقتة ونظام فدرالي في ثلاث مناطق في شمال البلاد. ويرى مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في دمشق بسام أبوعبد الله أن "الحل السياسي والتفاوضي هو دائما الأفضل لكل الأطراف". وأضاف "الحديث يميل نحو إجراء محادثات مع الحكومة السورية للحصول على حقوق وواجبات مثلهم مثل كل المواطنين السوريين"، في إشارة إلى الأكراد. وأشار إلى أنه "يجب أن تعود سلطة الدولة السورية إلى كل مكان في سوريا فهذا قرار اتخذته دمشق إن كان بالتفاوض أو بالقوة العسكرية". وقلب التدخل الجوي الروسي في سوريا منذ سبتمبر/ايلول 2015 موازين القوى على الأرض لصالح الجيش السوري ضد الفصائل المعارضة وتنظيم الدولة الاسلامية على حد سواء. وباتت قوات النظام تسيطر على 52 بالمئة من أراضي البلاد. ويقول بالانش "في وقت تركز فيه قوات سوريا الديمقراطية والولايات المتحدة على الرقة، يسيطر الجيش السوري وحلفاؤه على البادية ويتقدم في دير الزور". وتعد محافظة دير الزور الحدودية مع العراق ذات أهمية استراتيجية واقتصادية كونها تضم حقول نفط وغاز واسعة وحيث يحافظ تنظيم الدولة الاسلامية على آخر معاقله في البلاد. وتشكل محافظة دير الزور في الوقت الراهن مسرحا لعمليتين عسكريتين: الأولى يقودها الجيش السوري بدعم روسي في مدينة دير الزور والضفة الغربية لنهر الفرات والثانية تنفذها قوات سوريا الديمقراطية بدعم أميركي على الضفة الشرقية للفرات. ويقول أبوعبدالله "بعدما تنتهي دير الزور، ستصبح الأولويات بالنسبة للحكومة السورية لمواضيع أخرى" بينها إدارة مدينة الرقة وهو أمر سيخضع للتفاوض. ويؤكد أن أولويات الحكومة السورية حاليا "واضحة باتجاه البوكمال وإستعادة محافظة دير الزور والسيطرة على منابع وآبار النفط في تلك المنطقة. هو موضوع اقتصادي، هذا هو الأهم". ولا يعتقد بالانش أن الأكراد سيكونون قادرين وحدهم على تحمل أعباء إعادة إعمار الرقة المدمرة بشكل كامل عن معارك ضارية استمرت أكثر من أربعة أشهر. ويُرجح بالنتيجة "أن يسلموا الرقة إلى الحكومة السورية بموجب اتفاق حماية روسي - سوري". ماذا سيفعل الأميركيون بعد الرقة؟ وتقود الولايات المتحدة منذ العام 2014 تحالفا دوليا ضد تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق. أما اليوم وبعد الخسائر الكبيرة التي مُني بها الجهاديون، قد يتراجع الدور الأميركي تدريجيا في البلدين. ويقول بالانش "لم يعد لدى الولايات المتحدة الكثير لتقوم به في سوريا على اعتبار أن تنظيم الدولة الإسلامية بات بحكم المنتهي". وتابع "تجد الولايات المتحدة نفسها في وضع جيوسياسي غير مريح بعد الرقة، فكل من تركيا وسوريا وإيران يريد أن يراها تغادر" سوريا. وشهدت المرحلة الماضية تقاربا غير مسبوق بين تركيا الداعمة للمعارضة من جهة وروسيا وإيران أبرز داعمي دمشق من جهة ثانية، ما أدى إلى تهميش الدور الأميركي في النزاع السوري. ويتوقع أبوعبدالله أن يتخلى الأميركيون عن دعم الأكراد، مضيفا "أعتقد أن الولايات المتحدة تفاوض بالأكراد ولا تفاوض من أجلهم تريدهم ورقة تستخدمها وعندما تحقق جزءا من مصالحها من خلال تفاهمات معينة ستتركهم".
مشاركة :