يواجه الألماني هورست كولر، مبعوث الأمم المتحدة في ملف الصحراء الغربية، تحدي تقريب وجهات النظر في نزاع عمّر لأربعة عقود. فهل ينجح في إقناع المغرب والبوليساريو بحل توافقي؟ يدشن المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية، هورست كولر، عبر جولته الأولى للمنطقة هذا الأسبوع، مساعيه للبحث عن حلٍ لنزاع عمَّر لقرابة 42 عاما بين المغرب وجبهة البوليساريو، إذ يحاول الرئيس الألماني الأسبق النجاح فيما فشل فيه سابقوه، على الأقل بعودة جادة في البداية إلى طاولة المفاوضات. كولر الذي بدأ مهامه رسميا سبتمبر أيلول الماضي خلفا للديبلوماسي الأمريكي المخضرم كريستوفر روس، استهل زيارته للمنطقة بالتوجه إلى العاصمة المغربية الرباط، حيث استقبله العاهل المغربي الملك محمد السادس. ولم يذكر بيان الديوان الملكي المغربي تفاصيل كثيرة عن اللقاء الذي حضره كذلك وزير الخارجية ناصر بوريطة، قبل أن ينتقل كولر إلى الطرف الثاني في النزاع الأربعاء، إذ زار مخيم أوسرد، القريب من مخيمات اللاجئين في تندوف، جنوب غرب الجزائر، حيث استقبله مسؤولون من جبهة البوليساريو. ويزور كولر الجزائر وموريتانيا اللتان تعتبران عضوان مراقبان في المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة من أجل تسوية نزاع الصحراء الغربية. ولم يدل كولر بتصريحات كبيرة، ففي الوقت الذي كان فيه لقاؤه مع العاهل المغربي شبه مغلق، صرّح كولر للصحفيين في مخيم أوسرد أنه متفائل إزاء مستقبل المفاوضات حول خطة تسوية نزاع الصحراء الغربية، وأنه جاء للاستماع إلى طرفي النزاع والتعرّف بشكل مباشر على ظروف مخيمات اللاجئين، وفهم المزيد من القضية، بما يمكّنه من وضع رؤيته الخاصة حول الملف، غير أنه رفض الإفراط في التفاؤل بالقول إنه لا يملك عصا سحرية حتى يجد حلا سريعا للنزاع. الشروط المسبقة للطرفين.. العائق الأكبر ويأتي تعيين كولر بعد أشهرٍ من تعيين أنطونيو غوتيريش أمينا عاما للأمم المتحدة خلفا لبان كي مون الذي دخل في خلاف كبير مع المغرب خلال الأسابيع الأخيرة من ولايته، ، بيدَ أن الحال اختلف كثيرا مع غوتيريش الذي تمكن من الحدّ من التوتر في منطقة الكركرات المحاذية لموريتانيا، ممّا فتح المجال أمام بداية أفضل للأمم المتحدة في محاولتها الجديدة حلّ النزاع، لا سيما وأن غوتريش صرّح بأنه يرغب إطلاق ديناميكية جديدة تنهي هذا النزاع. مراقبون تابعون لقوات المينورسو في الصحراء الغربية وتبدو جبهة البوليساريو غير مستعدة للتنازل عن شروطها المسبقة في عملية التفاوض، إذ صرّح رئيس الوفد المفاوض، وعضو الأمانة الوطنية للجبهة، خطري أدوه، بعد لقاء كولر، بأنهم مستعدون للتعاون مع الأمم المتحدة لإيجاد حلٍ للنزاع، لكن ذلك يمرّ أساسا عبر "وقف الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان التي يرتكبها المغرب في حق الصحراويين العزل ووقف النهب الممنهج للثروات الطبيعية الصحراوية"، متحدثا عن أن المغرب هو "من يعرقل جهود التسوية". ومن جهته يرفض المغرب أيّ تراجع عن مقترحه بالحكم الذاتي الموسع في الصحراء الغربية تحت سيادة الرباط، وهو ما تأكد في تصريح الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، عندما قال إثر لقائه بكولر في الرباط، إن قضية الصحراء تعدّ "قضية وطنية مقدسة بالنسبة للشعب المغربي"، وإن "الصحراء المغربية ليست مسألة ظرفية وإنما هي أساس ما نحن عليه الآن وغدا كمغاربة"، مشيرًا إلى أن المغرب صادِق في إيجاد تسوية للنزاع عبر مقترح الحكم الذاتي الذي يعدّ "حلا عادلا وواقعيا وفق القانون الدولي". تفاؤل مغربي ويرى محمد نشطاوي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض في مراكش، أن كلا من كولر وغوتريس على دراية بملف الصحراء وبالمقترح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي أكثر من كريستوفر روس، المبعوث الأممي السابق، وكذا من بان كي مون، كما أن كولر حظي بقبول الأطراف الدولية المتدخلة في نزاع الصحراء علاوة على قبوله من لدن المغرب والبوليساريو، زيادة على خبراته السياسية الكبيرة، ممّا يؤهله على الأقل لإيجاد أرضية توافقية حول المفاوضات. غير الخبير المغربي يعتقد أن خبرة كولر قد تصطدم بالشروط المسبقة لجبهة البوليساريو، خاصة استمرار الحديث عن "تصفية الاستعمار"، والتمسك بمبدأ "تقرير المصير"، علما أن التوصية رقم 2625، الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، يضيف نشطاوي في حوار مع DW عربية، تنص على سقوط هذا المبدأ عندما لا تتعرض الجماعة الإثنية المطالبة به إلى انتهاكات حقوقية، وهو أمر لا يحدث في حالة المغرب، وفق تصريحاته، مضيفا أن حلّ النزاع يبقى متمحورا بالأساس بين الرباط والجزائر بسبب دعم هذه الأخيرة للبوليساريو. وتقول الجزائر إن دورها في نزاع الصحراء الغربية ينطلق من مبدأ "المساندة المبدئية لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره". وحول اتهامات البوليساريو للمغرب بـ"استغلال خيرات الصحراء الغربية وانتهاك حقوق الصحراويين"، قال نشطاوي إن من "حق سكان المنطقة التمتع بخيراتها، خاصة وأن هذه الاستفادة يرافقها استثمار ضخم يقوم به المغرب لتنمية الصحراء وتقوية بناها التحتية وتطوير الخدمات الموجهة للساكنة الصحراوية". من وقفة لأسر ضحايا محاكمة المشتبه بهم في أحداث اكديم إزيك أمام المحكمة بالرباط أما فيما يخصّ اتهامات الانتهاكات الحقوقية، فـ"البوليساريو هي آخر من يتحدث عنها، وليس هناك مثال أقوى ممّا يجري في مخيمات اللاجئين بتندوف، أو حتى تاريخ الجبهة القائم على العنف بين أفرادها"، يضيف نشطاوي، متابعا أن البوليساريو تستشهد بمحاكمة المتورطين في ملف "اكديم ازيك"(أحداث وقعت في مدينة العيون بالصحراء شهر نوفمبر/ تشرين ثاني سنة 2010) للحديث عن الانتهاكات، علما أن الأمر يتعلقّ بـ"أشخاص ارتكبوا جرائم قتل، وتمت محاكمتهم أمام قضاء مدني بحضور مراقبين دوليين". تهديد بالعودة إلى "خيار السلاح" في الجانب الآخر، لا تتفاءل النانة لبات الرشيد، ناشطة من جبهة البوليساريو، كثيرا بالدور الذي يمكن أن يلعبه كولر في إيجاد حلٍ للنزاع، خاصة وأنه "سيبقى مجرّد مبعوث يحاول الوساطة"، متحدثةً عن أن سلفه كريستوفر كروس، كان "أكثر حنكة وأكثر قناعة بتمكين حق الشعب الصحراوي من حق تقرير مصيره"، حسب قولها، رغم أن كولر أوربي داخل اتحاد قاري له موقف ممّا أسمته "نهب الثروات الصحراوية"، ورغم إدراك كولر للموقف الفرنسي "المعرقل للجهود الأممية"، تتابع المتحدثة. النانة لبات الرشيد على يمين كريستوفر روس، خلال زيارته لمخيمات تندوف وتضيف لبات الرشيد، في تصريحات لـDW أن جبهة البوليساريو "قدمت كل التنازلات الممكنة، بدءًا بوقف إطلاق النار والتأني في اتخاذ القرار باستئنافه، مرورا بطرحها عام 2007 مقترحًا مفصلا موازيا تماما للمقترح المغربي الحكم الذاتي، لكن تنازلاتها لن تصل أبدا إلى التراجع عن تقرير المصير، خاصة مع سنوات الانتظار الطويلة واستمرار مأساة اللاجئين الصحراويين"، وفق تعبيرها. ولم تستبعد الناشطة ذاتها أن تعود جبهة البوليساريو إلى حمل السلاح كخيار قائم بشدة داخل المخيمات، بقولها: "الصحراويون مقتنعون الآن أكثر من أي وقت مضى بأنه ما من حل دون العودة للكفاح المسلح ، بالنسبة لنا لن نخسر أكثر مما خسرنا. وعلى العالم إدراك هذه الحقيقة قبل فوات الآوان". تصريحات لبات الرشيد تجد رابطا لها في تهديدات سبق لأحمد البخاري، ممثل جبهة البوليساريو بالأمم المتحدة، أن أطلقها عام 2016، عندما تحدث عن أنه في حالة "استسلام مجلس الأمن الدولي لاستفزازات المغرب، فلن يكون هناك خيار سوى العودة إلى حمل السلاح"، الأمر الذي قد لا يسهّل مهمة كولر الذي سيجد نفسه في أكبر تحدِ دبلوماسي منذ استقالته من كرسي رئاسة ألمانيا عام 2010. إسماعيل عزام
مشاركة :