ربما كانت الإفشاءات في إعلانات «فيسبوك» التي يقال إن روسيا قد اشترتها، والمرتبطة بالخلاف العرقي بين الأميركيين البيض وجماعات الأقليات، بمثابة مفاجأة للكثير من الأميركيين، ولكن في رأيي أن ذلك غير مفاجئ. فقد زعمت صحيفة «واشنطن بوست» مؤخراً أن بعض الأطراف المدعومة من قبل روسيا أنفقت 100 ألف دولار على الأقل على إعلانات «فيسبوك» التي ترمي إلى إثارة الأميركيين البيض الذين يميلون إلى دونالد ترامب ضد نشطاء حركة «حياة السود تهم» والأقليات بوجه عام. وتشمل إعلاناً لامرأة سوداء تطلق النيران، وهو أمر يثير القلق بشأن الاستقطابات العنصرية. وقالت الصحيفة إن روسيا حاولت أيضاً التلاعب بـ«جوجل» خلال انتخابات 2016. وهذه الجهود من المرجح أنها ربما كانت تهدف إلى التأثير على الرأي العام لصالح ترامب، الذي كان خطاب حملته مفعماً بالخط اليميني المحافظ. وما زلنا لا نعرف بالضبط مدى تأثير هذه المساعي المزعومة على وسائل التواصل الاجتماعي على خيارات التصويت لدى الأميركيين في 2016. ولكن ينبغي ألا يفاجأ أحد منا إن كانت روسيا قد استغلت الاستقطابات العنصرية الأميركية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. وقد فهم الاتحاد السوفييتي السابق جيداً كيف يوظف المسألة العرقية. فقد استخدم التجانس الروسي ضد الأقليات خلال فترة وجوده الذي دام أكثر من 70 عاماً. وفي الأساس، فقد اكتسى استخدام كلمة «جمهورية» لوصف بعض الأقاليم الأعضاء في روسيا معنى خاصاً. فهذه الكلمة تشير إلى الحكم الذاتي. ولكن في العهد السوفييتي، لم تكن هذه الجمهوريات سوى مستعمرات لموسكو. وخلال ثلاثينيات القرن الماضي، ارتكب جوزيف ستالين حملة قمع ضد أوكرانيا، وفرض سياسات جماعية صارمة تحرم شعبها من تناول اللحوم والحبوب والمواد الغذائية الأخرى. وقد بلغ عدد الوفيات 4 ملايين شخص، وفي تقديرات أخرى 10 ملايين. والسبب هو أن الأوكرانيين رفضوا الاستسلام لسياسات ستالين الشمولية، وهو ما فسره بأنه مقاومة للحكم السوفييتي. وفي الواقع، فقد ترأس ستالين اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، حيث كان الروس مجموعة عرقية رائدة. وفي هذا السياق قال «تيري مارتن»، الذي شارك في تأليف كتاب «حالة الأمم: الإمبراطورية وبناء الأمة في عهد لينين وستالين»، لمجلة «ذي أتلانتيك» إن محاولات ستالين الأولية لبناء دولة الاتحاد السوفييتي سرعان ما تحولت إلى دولة قومية حيث كانت الهوية الروسية فوق كل الجماعات العرقية الأخرى. وفي أوائل عشرينيات القرن، بينما كانت السلطات السوفييتية تستقطب الأميركيين والأفارقة السود للدراسة في الاتحاد السوفييتي وكانت حينها تصف نفسها بأنها شريك لتحرير السود، كانت تصدر أيضاً رسائل معادية للسود. لقد عاش «روبرت روبينسون»، وهو أميركي أسود، أكثر من أربعة عقود في روسيا، وكان يُستخدم بانتظام كأداة للدعاية. وعندما أدرك أن بعض الروس كانوا عنصريين مثل بعض الأميركيين، لم يُسمح له بالمغادرة، واضطر إلى الهروب من هناك بمساعدة دبلوماسيين أوغنديين. وفي 1927، انخرط الاتحاد السوفييتي في حملة تطالب النساء في بعض جمهوريات آسيا الوسطى بخلع الحجاب. وكان من المفترض أن تثبت هذه الخطوة أن ثورة البروليتاريا قد وصلت إلى آسيا الوسطى، ولكن الدافع الحقيقي هو الهيمنة على الشعب، الذي كان الكرملين يراه بدائياً ومتخلفاً، بالمبادئ الروسية. وكانت الدعاية الروسية منذ ذلك الوقت تصور رجال الدين في آسيا الوسطى باعتبارهم مصدراً للتهديد في حالة واضحة من الإسلاموفوبيا. وكان من الشائع جداً خلال سنوات الحرب العالمية الثانية ترحيل أبناء الأقليات العرقية بموجب تهم زائفة بأنهم يتعاونون مع النازية. ... المزيد
مشاركة :