واضح أن تحرير الرقة من «داعش» حدث على خلفية عزيمة وإعادة ترتيب قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب. لا للجيش السوري ولا الروسي وحتماً لا لإيران ولا لـ «حزب الله» علاقة بهذه العملية. لو نعود إلى خطابات القيادات الإيرانية ومن تموّله بالمال والعتاد، وإلى خطابات نظام بشار الأسد بل وتصريحات المسؤولين الروس، فلن تجد منها خطاباً إلا ويشير إلى أهمية التخلص من «داعش». طبعاً لم يتخلصوا لا من «داعش» ولا من «النصرة» ولا من غيرهما من فصائل الإرهاب الموجودة في سورية، ليس بسبب قوة «داعش» بالطبع، ولكن بسبب عدم وجود النية أصلاً لقتالها ومواجهتها. إذاً، فوجود تلك الجماعات المسلحة كما أوهموا البعض، كان الذريعة الأهم لتدخل إيران في الشأن السوري، ومحاولة البقاء هناك. خروج الجماعات المسلحة من سورية سيضع إيران وغيرها في مواجهة الشعب السوري. هل سيأتون بأعذار جديدة؟ ومن أين؟ وما عساها تكون؟ الواقع أن تدخل إيران في شؤون الدول العربية عامة لا يستند إلا الى الأكاذيب. أتوا إلى العراق لمواجهة «التكفيريين» وفق زعمهم. ذهبوا إلى سورية للسبب نفسه. على أن تدخلاتهم في البحرين مثلاً، لا تتوافق مع هذه الكذبة، ولذا نجد إيران لا تتحدث عن البحرين إلا بطرق خجولة. حتى بعد دخول قوات «درع الجزيرة» لازمهم الصمت، باستثناء بعض الأبواق التي تتحدث عن حقوق وهمية. اليمن قصة أخرى، ذلك لأنها هي الأقرب إلى الجائزة الكبرى (السعودية). مبرراتهم لدعم الحوثي في اليمن باهتة. تارة يتكلمون عن الحاجة إلى نشر الديموقراطية. تارة يتكلمون عن محاربة إرهاب «القاعدة» في اليمن، وهذه لم تعد تنطلي على أحد، لأن من يحارب «القاعدة» هناك هي قوات الشرعية والتحالف. لكن ما الجديد؟ هذه هي «الشريفة» التي تحولت إلى الحليف الأهم لدولة قطر أخيراً، وأطلق المسؤول القطري عليها هذا اللقب. وبهذه المناسبة هل يوجد نظام عربي واحد يفتخر بعلاقات جيدة مع إيران؟ قطر وحدها هي من يفعل ويعلن ذلك. لا أدري هل القصد هو الاستقواء بها؟ هل هي محاولة لابتزاز الدول الأربع المقاطعة لقطر بسبب دعمها الإرهاب وإثارتها الفتن؟ والسؤال الأهم: هل باستطاعة إيران أو تركيا حماية نظام قطر من الزوال؟ هل لدى إيران أي قوة دولية مؤثرة قد تقف ضد مشروع ملاحقة «الحمَدين» قضائياً ومن يعمل معهما كما سيأتي؟ بالطبع لا. في الجانب الآخر من الكرة الأرضية، تعلن الولايات المتحدة قبل يومين عن موقفها الجديد الصارم من نظام إيران. تهوي البورصة الإيرانية في اليوم التالي. ينهار الريال الإيراني، ويُمنَع شراء الدولار الأميركي بالقوة. وعلى رغم موقف بعض الدول الأوروبية من الاتفاق النووي، تخرج بريطانيا وفرنسا وألمانيا بتصريحات مذلة عن إيران، وتهددها بالعقوبات إن لم تتوقف عن خططها العدوانية. تعلن شركة «بريتيش بتروليوم» عن تجميد مخططاتها للاستثمار هناك. هذه هي الحال الإيرانية منذ احتلال المتظاهرين الثائرين السفارة الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٧٩ بعيد سقوط الشاه. لا وقت للاستقرار وبناء العلاقات مع الغير. سياسة عدوانية مستمرة وفاضحة. مشاهد من الفشل والدمار تتكرر في كل بقعة يقتربون منها. حتى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة لم تسلم منهم ومن أحقادهم. نحن هنا نتكلم عمّا يقترب من ٤٠ عاماً من التخبط. قد تقع بعض الدول في أخطاء، وترتكب بعضها من وقت إلى آخر، لكنها غالباً ما تتنبّه لذلك وتصحّحه وتنهض من جديد. الاستثناء العالمي الوحيد بجانب كوريا الشمالية، هو هذه الدولة الدموية القائمة على استخدام السلاح والنار لقمع أي مطالبات بالتغيير. نظام قائم على القمع والتعذيب والشنق داخلياً. خارجياً لا همَّ لهذا النظام إلا محاولة إسقاط الأنظمة الأخرى. يا لها من أجندة! وبالمناسبة مرة أخرى، لو لم يسقط حكم «الإخوان» في مصر لأصبحت لدينا ثلاث دول من هذا «الصنف». العامل المشترك بين ملالي إيران وجماعة «الإخوان المسلمين» هو تقديم الأيديولوجيا على التنمية وبناء الإنسان. إنه نشر الفوضى في كل مكان، حتى يتمكن البعض من رؤيتهم كمنقذين. يلجأون إلى ذلك بسبب غياب القدرة على التفاعل مع العالم المتقدم، لا لرغبة منهم، ولكن لعدم قدرتهم على مجاراة تلك الدول وتبادل الخبرات معها. وفي تعليق رائع، قال مغرد في موقع «تويتر»: « إذا توقفت إيران عن تصدير مشكلاتها تكون حكمت على نفسها بالسقوط». لقد أحسنت السعودية صنعاً عندما دعمت ثورة ٣٠ حزيران (يونيو) التي لن ينساها «الإخوان» على الإطلاق. وبالطبع لن ينساها صنّاع الرعب والقتل في طهران. لهذه الأسباب ولغيرها، ستبقى إيران ومن يقف معها في عزلة تامة عن العالم المتحضر، مهما استخدموا من وسائل الإعلام، ومهما جنّدوا من الأسماء في «السوشال ميديا». * كاتب سعودي
مشاركة :