الشارقة:أحمد راغب 50 عاماً من التميز والعطاء، تحتفل بها القيادة العامة لشرطة الشارقة، حققت خلالها إنجازات كبيرة، وما زالت تقدم الكثير للإمارة الباسمة يميزها في المجال الأمني، فهي الواجهة الأمنية للإمارة، ودرعها وسدها وسندها، لملاحقة كل من تسول له نفسه العبث بأمن واستقرار المجتمع، حيث تبقى عينها الساهرة لخدمة المجتمع وبث الأمن والأمان فيه، بعمل دؤوب دون كلل أو ملل. تحتفل القيادة خلال ديسمبر/كانون الأول المقبل بيوبيلها الذهبي، بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيسها، حيث تجسد من خلال الاحتفال بهذه المناسبة مسيرة من العمل والبذل والعطاء في خدمة المجتمع، والسهر على أمنه واستقراره وحماية مقدراته.بهذه المناسبة أعرب العميد سيف الزري الشامسي، قائد عام شرطة الشارقة، عن أسمى آيات الشكر والتقدير والعرفان لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة؛ لما يوليه سموه من دعم واهتمام لشرطة الشارقة، ومتابعة حثيثة لمسيرتها، وحرص على تطويرها والارتقاء بكفاءتها، ودفع العاملين بها إلى تنمية وتطوير قدراتهم العلمية والثقافية والمعرفية، من خلال ما أتيح لهم من دعم وتشجيع مستمرين، على التقدم العلمي والمعرفي والحصول على الشهادات العليا في كل التخصصات والمجالات، البحثية والفكرية والمهنية، وعبر الصروح العلمية والأكاديمية والتدريبية التي شيّدها سموه، كي ترفد شرطة الشارقة بأفضل الكوادر والقدرات والخبرات المهنية، حتى تمكّنت شرطة الشارقة بفضل الله تعالى، وبفضل رعاية ودعم سموه، ومن خلال التزامها المطلق بالعمل وفق رؤيته وتوجيهاته، من بلوغ العقد الخامس من مسيرتها، بوصفها قوة شرطية وأمنية تضاهي أحدث النظم الشرطية في العالم، من ناحية كفاءاتها المهنية، وتطور نظمها وأساليب ووسائل عملها، ومن ناحية تقدمها التقني والفني، ومساهمتها في الأنشطة البحثية والعلمية، ليس فقط على المستويين الوطني والإقليمي؛ بل على مستوى العالم، يؤكد ذلك اعتماد شهاداتها العلمية، ورصد نشاطها العلمي، ونشر أبحاثها وابتكاراتها المختبرية في أوثق الدوريات العلمية العالمية. التأسيس برزت الحاجة إلى وجود قوة شرطة نظامية في إمارة الشارقة، مع تزايد أعداد القوات البريطانية في قاعدة الشارقة خلال عامي 1966 و1967، بعد أن قررت وزارة الدفاع البريطانية بداية عام 1966، إخلاء القاعدة البريطانية في عدن، بسبب الضربات التي باتت تتلقاها من قبل المقاومة الشعبية الموجّهة من قبل الجمهوريين في اليمن الشمالي في ذلك الوقت، وفق ما ذكره صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في كتابه «تأسيس وتنظيم قوة شرطة الشارقة»، حيث قال سموه: «إن البريطانيين قد فكروا في كيفية حماية القوات البريطانية التي ستُنقل إلى الشارقة، والتي باتت حقاً تُنقل بأعداد كبيرة، فلابد أن تكون هناك قوة منظمة ومجهزة في الشارقة، للتعامل مع مشكلة التهديد الأمني، فالموجودون من القوات في تلك الفترة وما سبقها، كانوا حرساً للشيوخ يُستدعون لذلك الغرض، ويُقال لهم «المطارزية»، ومفردها «مطارزي»، لذلك قرر البريطانيون في الإمارات في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 1966، أن يطلبوا من الشيخ خالد بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة في ذلك الوقت، تكوين قوة منظّمة ومجهزة بصورة بسيطة، من حوالي خمسين من الرجال يقودهم ضابط بريطاني، مع ضابط عربي كنائب قائد معه، ويُطلب من حاكم الشارقة أن يقوم برعاية ودفع أجور القوة، باستثناء الضباط الذين سيتم اختيارهم من قِبل البريطانيين، فيُدفع لهم من قبلهم».بعد تردّد من قِبل الشيخ خالد بن محمد القاسمي، وافق على تعيين الضابط البريطاني، وبيّن للبريطانيين أنه ليس لديه الإمكانات المالية لدفع مرتبات وتجهيزات قوة شرطة للشارقة، وتفهّم البريطانيون ذلك، وقرروا المساهمة في تلك الموازنة بمبلغ أحد عشر ألفاً، وثلاثمئة وثمانٍ وخمسين روبية، وفي شهر نوفمبر عام 1966، تم تعيين ضابط عسكري عربي من الأردن في شرطة الشارقة، وفي شهر سبتمبر/أيلول عام 1967، أصدر الشيخ خالد بن محمد القاسمي، مرسوماً أميرياً بتأسيس وتنظيم قوة شرطة الشارقة. انطلاق المسيرة مع صدور مرسوم تأسيسها انطلقت شرطة الشارقة في أداء دورها، والقيام بواجبها في خدمة المجتمع، وحفظ الأمن والنظام وإنفاذ القوانين، وحماية الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، وفق ما نصت عليه مراسيم تأسيسها، وبناء على ما أقر بموجب النظم واللوائح التي حددت نظم عملها، والقوانين التي كفلت لها القيام بوظيفتها وواجبها، كمؤسسة شرطية نظامية تضطلع بمهام منع الجريمة وتقصيها ومحاكمتها، واعتقال المجرمين، والمحافظة على النظام العام، وعلى أمان الأشخاص والممتلكات، ومن أجل أداء مهام أخرى، حسبما يتم تكليف أفراد الشرطة بها، بموجب أي قانون آخر يصدر في وقت نفاذه في الشارقة، كما يمكن أيضاً استخدام الشرطة من أجل تنفيذ المذكرات والأوامر الأخرى، وخدمة الاستدعاءات أو الإخطارات الصادرة عن المحاكم. مرسوم تأسيس وتنظيم قوة شرطة الشارقة وعلى الرغم من أن تأسيس قوة الشرطة في إمارة الشارقة، تم في ظل الوجود البريطاني، بهدف حماية القوة البريطانية ومواردها ضمناً على النحو المشار إليه في ذلك الوقت، إلا أن ظهورها ربما شكل بداية لظهور منظومة عدلية تتكامل حلقاتها فيما بعد، لتقيم بديلاً حديثاً للنظم التي كانت سائدة في ذلك الوقت، والتي ترتكز على الأحكام الشرعية والقيم والأعراف المتوارثة لدى القبائل العربية، منذ حقب بعيدة. مهام وواجبات أما على مستوى المهام والقضايا التي تصدت لها الشرطة في ذلك الوقت، فقد كانت بعض القضايا والاختلالات الأمنية البسيطة، مثل جرائم السرقة البسيطة في الأسواق، والمشاجرات والنزاعات بين بعض الأفراد، حيث كان يتم جلب المتهمين أمام الحاكم؛ كي يفصل في الأمر بنفسه، ويصدر أحكاماً بالجلد، أو الحبس الذي كان يتم في إحدى غرف الحصن القديم، والذي خصص جزء منه كأول مقر أو «مكتب» لشرطة الشارقة، وكان تدريب رجال الشرطة الجدد، يتم في البداية أمام مقر الحصن القديم، قبل أن ينتقل التدريب مع تزايد أعداد المجندين، إلى إحدى الساحات الواقعة بمنطقة ميسلون، (مقر القيادة العامة لشرطة الشارقة الحالي)، وفيما بعد إلى مدرسة القاسمية القديمة بمنطقة الرملة.بعد رحيل القوات البريطانية من إمارة الشارقة، في أعقاب الإعلان عن خطة الانسحاب البريطاني من شرق قناة السويس، تم تخصيص مقر جديد لشرطة الشارقة، وهو عبارة عن فندق صغير على ساحل البحر، كان مخصصاً لضباط القوة البريطانية يسمى وجه البحر، وحتى ذلك الوقت كان نشاط الشرطة يقتصر على أعمال الحراسات، والدوريات وحراسة السجن، والتدريب، إلى جانب الشؤون الإدارية التي كانت تضطلع بمهام تسجيل المجندين والضباط، وصرف الرواتب ومنح الإجازات وفق النظم المحددة، إضافة إلى وجود قوة شرطة بحرية تستخدم زورقين (عقاب وشاهين)، لمراقبة السواحل ومنع دخول المتسللين إلى الإمارة، وأعقب ذلك ظهور شرطة المرور والنجدة مطلع السبعينات. إعلان الاتحاد استمرت قوة الشرطة بإمارة الشارقة في أداء مهامها كقوة نظامية محلية تتولى حفظ الأمن والنظام، وإنفاذ القوانين في إمارة الشارقة وملحقاتها، إلى جانب قوة عسكرية أخرى، كان تم إنشاؤها كقوة دفاع عن الإمارة، عرفت بقوة الحرس الوطني، حتى إعلان قيام الاتحاد عام 1971، ومع تولي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، مقاليد الحكم في إمارة الشارقة عام 1972، بدأ التفكير في تطوير القوة واستكمال بنائها من النواحي التنظيمية، حتى يصبح باستطاعتها تلبية حاجات الأمن، خاصة مع ظهور المتغيرات المتسارعة التي شهدتها تلك الفترة، مع تدفق الثروة النفطية، وبداية النهضة التنموية والعمرانية، التي استجلبت معها آلاف العمال الأجانب، وما سيحدثه ذلك من متغيرات على صعيد الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والواقع الأمني، وكل هذه المتغيرات استدعت ضرورة تطوير خدمات الأمن، والتوسع في أنشطة المؤسسة الشرطية، حيث أُنشئ عدد من مراكز الشرطة في الشارقة والمناطق التابعة لها، وبدأ التفكير في زيادة حجم القوة الشرطية وتطوير عتادها وتدريبها، وتم استبدال مسمى قوة شرطة الشارقة بمسمى دوائر الشرطة والأمن العام في إمارة الشارقة، وتعيين المغفور له الشيخ صقر بن محمد القاسمي رئيساً لها. الإعلان التاريخي ومع استكمال بناء هياكل المؤسسات الاتحادية، وإنشاء وزارة الداخلية، فقد اتجه التفكير نحو توحيد القوى الشرطية والأمنية في جميع إمارات الدولة، كي تعمل تحت مظلة وزارة الداخلية في عام 1975، ولم تكد تمض سنوات قليلة على قيام دولة الإمارات، حتى بادر صاحب السمو حاكم الشارقة، من خلال بيان مفعم بالمشاعر القومية والوحدوية، والأحاسيس الرافضة لواقع التجزئة، إلى إعلان قرار سموه التاريخي بدمج دوائر الشرطة والأمن العام بإمارة الشارقة في وزارة الداخلية الاتحادية، فكان صاحب السمو حاكم الشارقة، يومها يخاطب جمعاً من ضباط وأفراد شرطة الشارقة، بمناسبة الاحتفال بافتتاح مبنى إدارة المرور والترخيص، بمنطقة بوطينة بالشارقة، حين فاجأ الجميع بإعلانه التاريخي الذي جاء فيه: «إن التجزئة السياسية واقع فرض علينا، على الأمة العربية من خليجها إلى محيطها، بعد أن كانت قد بلغت مرتبة الأمة الواحدة، ذات القومية الواحدة؛ بل بعد أن عاشت دولتها الواحدة قروناً عديدة. أيها الإخوة، شعبنا هنا في دولة الإمارات يرفض كذلك التجزئة وينبذ الخلافات، ولكنه يؤمن بالوحدة قدراً ومصيراً، ويعمل من أجل دعم الاتحاد بكل ما أوتي من قوة، ويعمل كذلك من أجل قيام الدولة الفتية، ذات الكيان الواحد، بعد التجزئة التي فرضت علينا سنين عديدة». «أيها الإخوة علينا جميعاً أن نحرص على استقرار الدولة وكيانها، وأن نحمي البناء ليقف كالطود الشامخ. بعد أيام سوف نحتفل بمرور أربع سنوات على قيام الدولة واستقلالها، فلا بد أن نقدم للشعب الذي عاش التمزق وعانى التجزئة، أن نقدم له الدليل الأكيد على إيماننا بقوتنا وعزيمتنا، وعلى المضي قدماً نحو تحقيق أعز غاية، وأسمى هدف نحو الوحدة، والالتفاف حول رئيس دولتنا الذي ضحى بالكثير، وقدم الكثير للنهوض بهذا البلد، وشعب هذا البلد العربي الكريم». الهياكل التنظيمية الجديدة وتواصل بعد ذلك اهتمام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، بمرفق الشرطة والأمن، وتوالت القرارات والمراسيم التي تعزز توجهات سموه في هذا المجال، ومن هذه المراسيم ما يتعلق بتطوير بناء أجهزة الشرطة وهياكلها الإدارية، تبعاً لنظام وزارة الداخلية، أو ما يتعلق بإعادة رسم السياسة الجنائية على المستوى المحلي، تبعاً للسياسة الاتحادية في هذا المجال، وتحديد النطاق الحركي والجغرافي، وإعادة صياغة العلاقات الهيكلية والإدارية، وفق موجهات دستور الاتحاد. الاستقرار الدستوري طوال النصف الأخير من السبعينات، والنصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، تواصل العمل من أجل تكريس واقع الاستقرار الدستوري في مؤسسات الدولة، وإرساء تقاليد الممارسات الاتحادية، وتنظيم العلاقات الهيكلية والإدارية، ومراجعة القوانين والنظم والتشريعات، حيث أولى صاحب السمو حاكم الشارقة الشرطة اهتماما متواصلاً، لتطوير قدراتها، وتوفير الدعم المادي والمعنوي الذي يمكنها من سد النقص في الموارد البشرية.واعتمد صاحب السمو حاكم الشارقة، تعيين أعداد كبيرة من العاملين على الملاك المحلي من غير المواطنين، إلى جانب الاستمرار في تشجيع المواطنين على الالتحاق بسلك الشرطة. القيم والمثل بحلول عام 1988 كان قد اكتمل بناء الهياكل الإدارية واستقرار نظم العمل، وكان جيل جديد من الضباط المواطنين من خريجي المراحل الدراسية المختلفة، الذين تلقوا تدريبهم وتأهيلهم في مختلف الكليات والمعاهد الشرطية العربية والدولية من خلال ابتعاثهم إلى الخارج. كان الضباط الجدد بحكم اتصالهم بمؤسسات الشرطة العربية والدولية، قد اطلعوا على بعض المفاهيم الجديدة، التي طرأت على واقع العمل الشرطي والأمني. تطلعات سلطان وما إن مضى على تكليف القيادة الجديدة بضعة أشهر، حتى وجه سموه رسالة تعكس رؤية سموه وتطلعاته في المجال الشرطي، وهي رسالة شكلت دستوراً من القيم والمبادئ والمفاهيم، التي تتعلق بالمؤسسة الشرطية، ودورها ورسالتها، نقتطف منها بعض الكلمات: «إن عظمة الأمم تقاس برقيها الحضاري وتقدمها العلمي، وحسن استثمارها لمواردها لما فيه خير أبنائها، وبما تقدمه للإنسانية من فكر وثقافة وإبداع». دمج وتوحيد وأعلن صاحب السمو حاكم الشارقة عن دمج دوائر الشرطة والأمن العام بالشارقة، في وزارة الداخلية، وإلغاء قوة الحرس الوطني التي كانت تمثل قوة دفاع الشارقة، ودمجها كذلك في وزارة الداخلية، كما أعلن دمج عدد من الدوائر والمؤسسات المحلية في الوزارات الاتحادية، مؤكداً أن هذا الدمج، وهذا التوحيد يعني من كل مواطن، دفع عجلة العمل لتحقيق مسيرة الاتحاد، والتفاني من أجل الوحدة الشاملة، حيث كان ذلك في السابع من نوفمبر عام 1975. حماية الأمن والاستقرار شكلت شرطة الشارقة بإنجازاتها المستمرة منذ أكثر من خمسة عقود من العمل، مسيرة مشرفة لخدمة المجتمع ودعم جهوده التنموية، من خلال حماية الأمن والاستقرار، باعتبارهما ركيزة التقدم والازدهار، وهي اليوم تواصل دورها وعطاءها في كنف رعاية كريمة، ودعم مستمر من قيادة نذرت نفسها لخير وطنها وأمتها، والتزام مطلق بتوجيهاتها، وسعي حثيث إلى الاستجابة لتطلعاتها وطموحاتها، في بناء مجتمع يظلله الأمن والطمأنينة، ويسوده الرخاء والسعادة والرفاهية، ويشهد له العالم بالإنجاز والتفوق والإبداع.
مشاركة :