اتهمت روسيا «التحالف الدولي» الذي تقوده الولايات المتحدة في سورية بمسح مدينة الرقة «من على وجه الأرض» من خلال عمليات «قصف شامل» على غرار ما فعلته الولايات المتحدة وبريطانيا في مدينة درسدن الألمانية عام 1945 خلال الحرب العالمية الثانية. وقال الميجر جنرال إيجور كوناشينكوف الناطق باسم وزارة الدفاع في بيان أمس، إن نحو 200 ألف شخص كانوا يعيشون في الرقة قبل اندلاع الصراع في سورية ولم يتبقى هناك حالياً أكثر من 45 ألفاً. وأعلنت «قوات سورية الديموقراطية» تحريرها مدينة الرقة الأسبوع الماضي بعد حملة قصف جوي عنيفة للتحالف الدولي. وأشاد مسؤولون أميركيون بالانتصار في الرقة، بينهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي قال إن «نهاية خلافة تنظيم داعش باتت وشيكة». وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن «تصريحات المسؤولين الممثلين للإدارة الأميركية عن تحقيق انتصار بارز في الرقة تدعو للحيرة». وتابعت أن واشنطن تبالغ في تقدير الأهمية الاستراتيجية لسقوط الرقة. وأشارت الوزارة الروسية إلى أن الرقة مدينة أصغر حجماً من دير الزور، حيث تقوم القوات السورية الحكومية، المدعومة روسياً، بعملية لتحريرها من قبضة «داعش». وزاد كوناشينكوف: «ورثت الرقة مصير درسدن في 1945... التي محاها القصف البريطاني- الأميركي من على وجه الأرض». ودمرت غارات الحلفاء الجوية معظم المدينة الألمانية قبل نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة. ويقول التحالف بقيادة واشنطن إنه حريص على تجنب سقوط قتلى من المدنيين في عمليات القصف التي ينفذها ضد «داعش» في كل من سورية والعراق، ويحقق في أي اتهامات. ونفى من قبل قتل مدنيين في ضربات جوية في الرقة، وقال إن هدفه «عدم سقوط أي قتلى مدنيين على الإطلاق». وبعد إعلان تحريرها، كان يمكن رؤية آثار القصف العنيف على كل أحياء الرقة. فداخل كشك «إعلامي» مدمر في المدينة، يمكن قراءة عبارة «عملية نوعية لجنود الخلافة» على كتيب ملطخ بالدماء على الأرض، هو عينة من إصدارات دأبت الماكينة الإعلامية التابعة للتنظيم على الترويج لها. وشكلت الرقة مركزاً لمعظم الإنتاج الإعلامي الصادر عن التنظيم الذي يروج لبياناته واعتداءاته الوحشية من جهة، ويصوّر المدينة بمثابة «جنة» جهادية نجح في تطبيق أحكام الشريعة فيها، من جهة ثانية. وعلى غرار أحياء المدينة المدمرة بفعل الغارات والمعارك التي خاضتها «سورية الديموقراطية» طيلة أربعة أشهر ضد «داعش» داخل الرقة، لم تسلم المراكز التابعة للتنظيم والتي شكلت العمود الفقري لآلته الترويجية من الدمار أيضاً. في أحياء عدة في المدينة، تنتشر أكشاك إسمنتية مع لافتات كتب عليها «نقطة إعلامية»، تولى عناصر التنظيم من خلالها توزيع إصداراتهم المطبوعة سواء تلك المتعلقة بهجماتهم العسكرية في سورية والعراق أو مبادئ توجيهية للصوم في شهر رمضان وصولاً إلى قواعد ارتداء النساء للثياب. ولا تزال إحدى هذه النقاط موجودة في ساحة الساعة في الرقة، بالقرب من صالة عرض في الهواء الطلق تحت سقف مدمر جزئياً. وتضم ستة صفوف من مقاعد مقسمة بين اللونين الأحمر والأخضر يكسوها الغبار أمام واجهة معدنية يفترض أن شاشة تلفزيون محطمة على الأرض في مكان قريب كانت معلقة عليها. ويقول عنصر في صفوف «سورية الديموقراطية» المتحدر من المدينة شورش الرقاوي (25 سنة) لوكالة «فرانس برس» وهو يقف قرب هذا الموقع: «هنا كانوا يبثون إصداراتهم حول معاركهم وعقوباتهم وأناشيدهم». وعلى رغم انسحاب عدد كبير من عناصر هذه القوات بعد تحرير المدينة من «داعش»، إلا أن هذا الشاب ما زال موجوداً في المدينة في عداد مجموعة صغيرة تساهم في عمليات رفع الأنقاض من الشوارع ونزع الألغام التي تركها التنظيم. اقتصرت الحركة أمس في الأحياء المدمرة المحيطة بساحة الساعة على جرافات وبضع شاحنات بيضاء صغيرة تابعة لسورية الديموقراطية. وقرب الكشك الإسمنتي في ساحة الساعة في الرقة، شاهدت مراسلة «فرانس برس» أسماء وشعارات العديد من وسائل إعلام التنظيم مكتوبة على لافتات رمادية بينها إذاعة البيان والحياة والفرقان ومجلة النبأ. في كل ناحية من شوارع الرقة تقريباً، يمكن العثور على قصاصات ورقية صادرة عن التنظيم المتطرف، في مؤشر إلى نظام الإدارة الهائل الذي تمكن من إرسائه خلال سيطرته على المدينة منذ عام 2014. على إحدى البطاقات، يظهر جدول على سبيل المثال عدد المرات التي تلقى فيها صاحبها الزكاة ومساعدات خيرية من آخرين. ويوثق مستند آخر عملية تسليم إدارة الحسبة، وهو الاسم الذي يطلق على جهاز الشرطة التابع للتنظيم، من مسؤول إلى آخر. قرب «دوار النعيم» في وسط المدينة، حيث اعتاد التنظيم على تنفيذ عمليات إعدام جماعية وصلب، شاهدت مراسلة «فرانس برس» وحدة من ضباط استخبارات أجنبية مدججين بالسلاح ويرتدون زياً برتقالياً فاقعاً، أثناء تفتيشهم أحد المنازل بدقة. وقال عنصر من «سورية الديموقراطية» لـ «فرانس برس»: «يفتشون بيوتاً يعتقدون أنها شكلت مراكز للتنظيم بعدما وفر نازحون من المدينة معلومات عن مقار داعش». وأضاف: «يبحثون عن جثث وهوياتهم ومعلومات استخباراتية أخرى».
مشاركة :