تقويض تفتيت الدول العربية بقلم: محمد أبو الفضل

  • 10/23/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

نجاة مصر والسعودية من محاولات العبث بأمن كل منهما، كانت لها نتائج إيجابية بالغة للحفاظ على الحد الأدنى لكيانات الدول التي تعرض استقرارها لاهتزاز كبير على مدار السنوات الماضية.العرب محمد أبو الفضل [نُشر في 2017/10/23، العدد: 10790، ص(9)] التصورات التفكيكية التي انتشرت منذ اندلاع موجة الثورات في المنطقة العربية مُنيت بضربات موجعة، والتوقعات التي راجت حيال سقوط أحجار الدومينو في عدد من الدول العربية وتقسيمها لدويلات تراجعت، على وقع الفشل الذي واجه تدشين انفصال إقليم كردستان العراق. التجربة الكردية في العراق كانت تبدو أكثر السيناريوهات سهولة لدى البعض بحكم التاريخ والاستعداد والإصرار والدعم، وعندما تراكمت التحديات أمامها أضحت عملية سلخ الإقليم غاية في الصعوبة، لأنها تمت عنوة وافتقرت للمواءمات ومن دون تنسيق مع الإدارة المركزية في بغداد، كما أن قوى إقليمية وقفت حائلا دون إتمام الانفصال ناهيك عن عمق الخلافات الداخلية بين الأكراد أنفسهم. دخول تجربة الأكراد النفق المظلم، لاعتبارات كثيرة، أرخى بظلال غامضة على جهود تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم منذ الغزو الأميركي وسقوط نظام الرئيس صدام حسين، كما أصاب المساعي الرامية لتقسيم كل من سوريا وليبيا واليمن، بما يشبه السكتة الدماغية، فإذا كانت تجربة كردستان العراق المهيأة نسبيا مقارنة بأقاليم أخرى، تواجه مستقبلا معتما، فما هو مصير ما يحاك لبلدان أخرى يتم الإعداد لتقسيمها، قهرا، على أساس طائفي؟ المراقب للأزمة السورية، كان ينتظر منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية على نظام بشار الأسد قبل ست سنوات، وفاة الدولة العميقة وتحطيم بنيانها، لدويلة كردية وأخرى علوية وثالثة سنية، لكن النتيجة التي وصلت إليها الأزمة حاليا تستبعد الوقوع في هذا الفخ. نعم القتال لا يزال مستمرا، وأقاليم كثيرة تتقاتل وتتناحر، وقوى محلية وخارجية تتصارع، ونظام يحاول الإمساك بزمام أمور كادت تنفلت، ويعتمد على دعم قوى إقليمية ودولية مؤثرة، تبدو عندها فكرة وحدة الدولة مقدمة على تفكيكها، لكن في أسوأ الأحوال يمكن أن تتوافق على دولة فيدرالية تقوم على نظام يضمن هامشا جيدا لاستقلال مناطق ذات غالبية عرقية وطائفية مشتركة. الصعوبة التي واجهها مخطط تفتيت ليبيا إلى ثلاث أو أربع دول، لا يختلف كثيرا عما حصل في سوريا، فالقتال بين ميليشيات كثيرة أدى إلى عدم سيطرة إحداها على بقعة كبيرة من الأرض، ودخول العنصر القبلي بكل تشابكاته الإقليمية منع الاتجاه نحو التفتيت، والخلاف بين قوى دولية وإقليمية حال دون فرض رؤية التقسيم على رؤية الوحدة، علاوة على تماسك الجيش الوطني الليبي بعد أن استجمع قواه المشتتة المشير خليفة حفتر، بصورة قلّصت فرص تنفيذ سيناريو التفكيك. ربما يكون الحال في اليمن مختلفا بعض الشيء، بحكم التقسيم الجغرافي السابق (شمال وجنوب) ومحاولات تكريس أمر واقع يحرج التحالف العربي الذي أخذ على عاتقه مهمة إعادة الشرعية للبلاد، لذلك تحرص القوى الفاعلة في التحالف على عدم إتاحة الفرصة للعودة إلى تقسيم اليمن، لأنه يعني فشلا ذريعا للمهمة التي يقوم بها التحالف لمنع المزيد من التدهور والحفاظ على حد مناسب لتماسك هذا البلد. الحاصل أن المنطقة العربية أصابتها شيخوخة مبكرة، أثرت على تماسكها المعنوي، وخلقت كيانات غير قادرة على مسايرة التطورات التي تحافظ على قاعدتها الرئيسية، ما جعل وحدة الدولة بالمفهوم العلمي، أرضا وشعبا وحكومة، مسألة بحاجة إلى إعادة نظر، لأن الانفصال بين المكونات الثلاثة يصعب إخفاؤه في بعض البلدان، الأمر الذي يستلزم نهضة حقيقية حتى لا تنتقل الهواجس المعنوية إلى مربع الواقع. التحديات التي حالت دون التقسيم، لا تعني استبعاده في المستقبل، لأن بذور التفتيت ودون مؤامرات خارجية أو مخططات جهنمية، موجودة في معظم الدول العربية. وإذا كانت هناك دول نجت من الشبح حاليا، فهذا لا يعني زواله تماما، فالقضية تحتاج إلى عمل متعاظم ينهي المضي في هذا الطريق، كي لا تتجرأ جهات على توظيف التآكل الذي ينخر في جسد عدد من الدول وتحويله إلى واقع مرير يؤدي إلى مصير لا يختلف كثيرا عن التقسيم، فالصومال لم يتم تقسيمه نظريا أو تعترف بأقاليمه الثلاثة منظمات دولية، غير أنه عمليا يعاني ويلات التفتيت منذ أكثر من عقدين. التخلف يمكن أن يكون سببا للتقسيم، لكن أيضا الرفاهية والتطور والتقدم لم تعد من المعايير الحاكمة والضامنة لتماسك الدول، عقب تجربة كاتالونيا في أسبانيا، فما بالنا بحالات البؤس في بعض الدول العربية، والتي تكفي حالة واحدة منها لتفكيك دول وشعوب راسخة في عمق التاريخ. تراجع أشباح التفكيك المادي للمنطقة له أسباب ودوافع وروافد مختلفة، أبرزها أن التعقيدات التي خلفتها الثورات العربية، حالت دون ظهور جهة مهيمنة خارج نطاق المؤسسة العسكرية الرسمية التي منعت سقوط دولة في حجم مصر، لا تزال قوى الإرهاب تستهدفها، وحافظت على التماسك “الشكلي” لوحدة الدولة السورية، وحرمت الميليشيات في ليبيا من السيطرة على منطقة تقيم عليها دويلة قابلة للحياة، وتقف عائقا أمام تدشين تقسيم اليمن. كما أن التباين الكبير في حسابات بعض القوى الدولية، لعب دورا مهما في تفخيخ سيناريو التفتيت، وهو ما ظهرت تجلياته في الجدل حول مصير نظام الأسد في سوريا، والأكراد في العراق، وجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، والحوثيين ومجموعة علي عبدالله صالح في اليمن، فضلا عن التباعد في توحيد مفهوم التنظيم الإرهابي في المنطقة، وكلها عوامل ساهمت في التأثير سلبا على وضع قطار المعارك على قضبان التفكيك. علاوة على تدخل قوى إقليمية بما تملكه من نفوذ عسكري لمنع الوصول إلى نقطة القبول بأمر واقع يؤدي إلى التقسيم، فتركيا وإيران دستا أنفيهما في كل من سوريا والعراق، ومصر كانت قريبة جدا من ليبيا، والسعودية حاضرة في اليمن، بصورة ساعدت على تحويل سيناريو التفتيت إلى كابوس لأصحابه ومن يقفون خلفه، لأنه يصعب الوثوق في نتائجه. وجود قوى لها يد طولى تستطيع الحسم حفاظا على مصالحها، كان من المقومات المهمة لتقويض محاولات انهيار المنطقة العربية، ونجاة هذه الدول (مصر والسعودية مثلا) من محاولات العبث بأمن كل منهما، كانت له نتائج إيجابية للحفاظ على الحد الأدنى لكيانات الدول التي تعرض استقرارها للاهتزاز على مدار السنوات الماضية. كاتب مصريمحمد أبو الفضل

مشاركة :