ماذا جرى يا أهل اللغة !!

  • 8/25/2013
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

من أبرز عوامل انتشار لغة ما في غير أهلها، لما تؤديه هذه اللغة من دور حضاري إنساني، كأن تكون وسيلة لاستيعاب تكنولوجيا حديثة (وهذا لا يتوافر للغتنا العربية)، أو لما تتمتع به هذه اللغة من حيوية وجمال، وما تقدمه للبشرية من إبداع، أو لما يمثله المتكلمون بها من قوة جذب اقتصادي، تغري الآخر كي يعرفها، والعاملان الأخيران على ما أعتقد يتوافران بشكل جلي واضح للغتنا العربية الغالية، ولعل هذا ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية لأن تطلب من أبناء الوطن (السعوديين) معلمين لتدريس اللغة العربية في ولاياتها، وبالفعل قامت وزارة التربية والتعليم بالإعداد لذلك. فالعالم كله يسعى لفتح أسواق تجارية له في العالم العربي الذي يعد سوقا رائجة للمنتجات العالمية، كما أن عالمنا العربي، يتمتع بثقل في مجال العلاقات الدبلوماسية، والأمر الذي لا يمكن لخبير لغوي أن يتجاهله، أن للعربية إبداعا أدبيا ينافس الإبداعات العالمية، ولعل فوز الأديب العربي المصري «نجيب محفوظ» بجائزة نوبل في الآداب، لدليل على ما تتمتع به هذه اللغة من ثراء أدبي إنساني عالمي. مشكلة اللغة العربية أنها لا تحظى بتقدير أهلها، بل إن هناك من يحاربها، ويسعى إلي هدمها عن طريق إشاعة اللحن فيها، وإحلال العامية محلها، وبث الروح في اللهجات الإقليمية، حتى يصبح لدينا «لغات عربية» متفرقة، لا لغه عربية واحدة، ولا يخفى علينا ما في هذه الدعوات المغرضة من سموم، فاللغة الواحدة تجمع المتكلمين بها، بينما تفرق اللغات يوسع من الشقاق والاختلاف ين شعوب هذه الأمم، ولقد وصلت قمة محاربة الإسلام عن طريق دعوة بعض «الشواذ» ممن يتبوأون مكانة عالمية في علم الأدب العربي، لأن يكتب القرآن الكريم باللهجات العامية، حتى يسهل فهمه، إلا أن مثل هذه الدعوات المارقة، ذبلت، ووئدت، ولم يبق سوى تسجيل التاريخ لها، كي تكون شهادة موثقة على الانحراف الفكري لأصحابها. لغتنا العظيمة الجميلة تعاني من جحود أهلها، وتقاعسهم عن نشرها، فقد أبلغني أحد الأصدقاء، وهو مدير مركز تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها بإحدى الجامعات أنه زار الصين مؤخرا لإلقاء بعض المحاضرات، أبلغني أنه زار كليه للغة العربية، في مدينة صغيرة في شمال غرب الصين، هي مدينة «ننغشيا»، حيث يدرس بها قرابة خمسمائة طالب صيني، هذه الكلية أنشأها البنك الإسلامي للتنمية عام1985م، وأنشأ بها مسجدا ونزلا للطلاب والطالبات، ثم انقطعت علاقة البنك، بل والعرب جميعا بهذه الكلية التي هي في أمس الحاجة لمعلمين عرب، والكتب العربية، بل إن المسؤولين بالكلية على استعداد لدفع رواتب وتكلفة إقامة أي معلم عربي يرغب في الإسهام في تعليم الطلاب الصينيين اللغة العربية، كما أن جامعة «القوميات» في شمال غرب الصين تضم قسما كبيرا للغة العربية، ليس به أستاذ عربي واحد، مع أنهم على استعداد لدفع راتب وتكلفة أي معلم عربي. القضية، إذن، تقاعس أصحاب العربية، وخذلانهم للغة قرآنهم ودينهم، بل إن الأمر فاق الخذلان والتقاعس إلى درجة إعلان الحرب على هذه اللغة التي اعترف الجميع من العرب، وغير العرب، بثرائها وجمالها وإعجازها، ومرونتها، وكيف لا يكون ذلك، وقد كانت يوما ما، في عصور الازدهار، وسيله فاعلة لنقل العلوم والحضارة إلى الغرب الذي كان يغرق في بحور الظلمات. مطلوب أن تهتم حكومتنا ــ في وقت تقاعست فيه سائر حكومات العالم العربي ــ بهذه القضية، قضية نشر اللغة العربية «بين الأعاجم»، فمعرفة العربية خطوة أولى لمعرفة الإسلام، ولا أظن أن حكومة خادم الحرمين الشريفين تبخل أو تتراخى عن القيام بهذه المهمة. فقط، أريد أن أهمس في أذن الأعزاء المسؤولين في وزارة التربية والتعليم، والقائمين على إرسال المعلمين إلى دول العالم شرقا وغربا: إن اختياركم للمعلمين وفقا لمعايير موضوعية، وكفاءة لغوية حقيقية، لا استجابة لوساطة، أو تقربا لهذه الشخصية أو تلك، فهذه مهمة إسلامية قبل أن تكون قومية، وسنحاسب أمام الله تعالى على ما قدمناه للغتنا، وما ارتكبناه في حقها. إذا، وبقي أن نفتخر أيها العرب بلغتنا ولا نخجل إن أردنا الجنة، فمن أسس رفعتنا في الدنيا لغتنا العربية الشريفة، وهي لغتنا في الجنة إن شاء الله.

مشاركة :