د. حسن مدن وضع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في حديثه الأخير، يده على واحدة من أخطر الظواهر التي جرّت وتجرّ الكوارث على المنطقة كلها، حين تحدث عن أن ما يسمى نسخة الإسلام المتشدد، المتطرف، الرافض للآخر والنابذ له دخيلة على شعوب المنطقة الميّالة بطبعها إلى الاعتدال والتسامح، وأدت هذه النسخة المتشددة من الإسلام إلى إفساد أذهان قطاعات واسعة من الشبان، وجرهم نحو المهالك، وشحنهم بمشاعر الكراهية والنقمة على الآخر.كما أن ولي العهد السعودي كان على حق في إشارته إلى أن 70 في المئة من السعوديين هم في عمر الشباب، وجلهم يتطلع إلى أن يعيش عصره، وينخرط في الحياة بتسامح وحب. ومن يعرف أشقاءنا في السعودية عن قرب يلمس لمس اليد جاهزية المجتمع السعودي للتغيير في الاتجاه الذي تحدث عنه الأمير محمد بن سلمان، فالجيل السعودي الجديد، ومن الجنسين، منفتح على الحداثة وعلى أفكار التقدم، والكثير من الشبان والشابات هناك تلقوا تعليمهم العالي في الجامعات الغربية، وعاشوا في بلدانها، وتحرروا من الكثير من الكوابح التي حاولت المؤسسة الدينية المحافظة فرضها على المجتمع كرهاً وتعسفاً.صحيح تماماً القول إنه من الجور أن تُضيع السعودية، كما بلدان الخليج الأخرى، لا بل المنطقة العربية عامة، ثلاثين عاماً أخرى وهي تحت ضغط وإرهاب هذا النوع من «الإسلام القندهاري»، الذي عطَّل مسيرة التقدم والحداثة والتحرر، وأعاد بلداناً عربية بلغت من التقدم شأواً كبيراً القهقرى.ومع أن قندهار في أفغانستان، لكن نحن العرب من صنع نسخة الإسلام القندهاري، حين زججنا بشبابنا في أتون معركة باطلة لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وضخخنا من الأموال الكثير لإدارة الحرب هناك، ومع الأموال ضخخنا الفتاوى والكتب المسمومة وأرسلنا الدعاة المنتفعين، ليعود من بقي حياً من هؤلاء الشبان حاملين معهم تلك الأفكار القاتلة.آن الأوان، لا بل إنه قد آن قبل اليوم، للتصدي لهذا العبث، ونعود بمجتمعاتنا إلى فطرتها السوية، إلى إسلامها المعتدل، المتسامح، المنفتح على العصر والدنيا، أي ذاك الإسلام الذي لم يمنع بلداً عظيماً مثل مصر عُرف شعبها بالتدين والإيمان من صناعة أفلام السينما ونشر المسرح، وتطوير الموسيقى والغناء، وما يصح على مصر يصح على بلاد الشام وعلى العراق والمغرب العربي وكذلك علينا في الخليج.الجيل الثلاثيني الذي تلمّس ولي العهد السعودي تطلعاته، جاهز لصنع مجتمع جديد، مختلف، وهو أهل للإصغاء لطموحاته وأفكاره عبر إطلاق طاقاته بالمزيد من الحريات، وإشراكه من خلال مؤسسات المجتمع المدني الحديثة والمنفتحة على العصر في وضع السياسات واجتراح الأفكار، التي ستأخذنا جميعاً نحو آفاق تليق بالقرن الذي فيه نعيش. madanbahrain@gmail.com
مشاركة :