ربما حاول العبادي باعتراضه أن يرفع عنه الحرج أمام صقور التحالف الشيعي الذي ينتمي إليه، ولكن الحشد الشعبي يبقى إيرانيا مثلما هي الأرض تدور.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2017/10/26، العدد: 10793، ص(9)] اعترض حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي على تصريح وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الذي نص على أن على الميليشيات الإيرانية أن تعود إلى بلادها. كان واضحا بالنسبة للعبادي أن الحشد الشعبي هو المقصود، بالرغم من أن الوزير الأميركي لم يسمه. وكما يبدو فإن العبادي تلفت من حوله فلم يجد إيرانيين أصلاء، فعرف أن تيلرسون يقصد البدلاء من أمثال هادي العامري زعيم فيلق بدر. ما يعرفه حيدر العبادي عن العامري وسواه من قادة الميليشيات هو أكثر مما يعرفه تيلرسون الذي هو مجرد زائر. في حقيقته فإن الحشد الشعبي هو تنظيم إيراني مسلح في العراق. رأي العبادي في تلك المسألة لا يلزم أحدا. ذلك لأن الوقائع تؤكد بما لا يقبل الشك إيرانية ذلك التنظيم المسلح. “سيد حيدر الأرض تدور” هو ما يمكن أن يسمعه رئيس الوزراء العراقي وهو يحاول أن يتستر على الحقيقة. لقد شهدت السنوات الماضية وقائع أكد من خلالها صانعوها من قادة الحشد الشعبي ولاءهم المطلق للولي الفقيه الإيراني. بصريح عباراتهم كانوا إيرانيين. وهو أمر يمكن تفهمه انطلاقا من ولائهم العقائدي. أما حين يدافع حيدر العبادي عنهم باعتبارهم عراقيين، فإنه لا يخدم حقيقة موقفه باعتباره رئيسا لوزراء العراق.بالرغم من أن الفوضى هي الصفة الغالبة على ما يجري في العراق، فإن المعادلة السياسية تم اختزالها منذ سنوات بالتبعية لإيران من المؤكد أن الأمر التبس عليه. فحيدر العبادي، وهو عضو في حزب الدعوة، لا يؤمن بمفهوم الوطن إلا من جهة تعبيره عن الولاء المذهبي. وهو ما يجعله يقف عند المستوى عينه الذي يقف عنده زعماء الميليشيات الطائفية. فهو الآخر يوالي إيران باعتبارها مقرا لمرجعيته الدينية. الشخصية المزدوجة للعبادي تمنعه من التصريح بالحقيقة. فهو عضو في جماعة دينية عابرة للحدود بحكم فكرها الطائفي. لذلك فإنه لا يجد غضاضة في أن يكون ولاء البعض ممن يحيطون به إيرانيا وليس عراقيا. ففي إيران تقيم مرجعية شيعية هي الأكثر قوة من بين المرجعيات بسبب بما تملكه من دولة وجيش وحرس ثوري وثروات خُصصت لتصدير الثورة، وهو مفهوم يعني تصدير التشيع إلى العالم الإسلامي بما ينسجم مع ما يؤمن به السيد العبادي حزبيا. لذلك فإن العبادي حين يعترض على تصريح الوزير الأميركي فإنه لا يقول إلا نصف الحقيقة. فالميليشيات التي تتحكم بالقرار السياسي العراقي، ولا تأتمر بأوامر رئيس السلطة التنفيذية، هي عراقية الانتماء واقعا ولكنها في حقيقتها إيرانية الولاء. وهو أمر لا يُخفى على الولايات المتحدة التي صنعت بنفسها العراق الجديد الذي يقف العبادي على أعلى سلم السلطة فيه. غير أن مشكلة العبادي الشخصية تلقي بظلال كئيبة على حاضر ومستقبل العراق. فبذريعة الإخلاص إلى المذهب تمت عملية تدمير الانتماء الوطني في العراق. فصار مقبولا بالنسبة للعراقيين أن يلجأ سياسيوهم إلى الإيراني قاسم سليماني لحل مشكلاتهم، أو يكون وسيطا في ما بينهم. بالرغم من أن الفوضى هي الصفة الغالبة على ما يجري في العراق، فإن المعادلة السياسية تم اختزالها منذ سنوات بالتبعية لإيران. لقد تم استبعاد عدد كبير من الطاقم السياسي العراقي الذي جلبه الاحتلال الأميركي ليكون بمثابة يده المحلية لا لشيء إلا لأن أولئك السياسيين لم يكونوا على درجة مقبولة من الولاء لإيران. ريكس تيرلسون الذي رعى الاتفاق العراقي – السعودي يعرف جيدا أن ولاء صقور الشيعة لإيران سيقف عائقا دون إنقاذ العراق من المخلب الإيراني وإعادته إلى سيرته الأولى بلدا يرعى مصالحه بنفسه من خلال سياسييه الوطنيين، لذلك أطلق تصريحه الواضح الذي اصطدم بحائط حزبية وعقائدية العبادي الذي يتمنى الكثيرون لو أنه استطاع أن ينأى بنفسه عن حزب الدعوة. ربما حاول العبادي باعتراضه أن يرفع عنه الحرج أمام صقور التحالف الشيعي الذي ينتمي إليه، ولكن الحشد الشعبي يبقى إيرانيا مثلما هي الأرض تدور. كاتب عراقيفاروق يوسف
مشاركة :