تزامناً مع الصراع السياسي و«الحرب الكلامية» المعلنة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، تشتعل بين البلدين حرب تجارية حقيقية تدور منذ 30 عاماً، وسببها الفستق. تسيطر الولايات المتحدة وإيران على التجارة العالمية للفستق، حيث تتحكم بنحو 80 في المائة من الناتج السنوي العالمي لهذه الصناعة. وقد واجهت تجارة الفستق الدولية رياح عكسية غير متوقعة بسبب التوترات بين إيران والولايات المتحدة. وعلى مدى السنوات الأربعين الماضية، واجه المزارعون الإيرانيون ضغوطا قوية جراء العقوبات والقيود الأميركية المفروضة على إيران، مما حد من قدرتهم على الوصول إلى الأسواق العالمية. وعلى الرغم من أن الفستق نفسه لم يكن مدرجا ضمن قائمة المنتجات الخاضعة للعقوبات، فإن القيود المفروضة على الخدمات المصرفية العالمية جعلت التجارة الخارجية صعبة بالنسبة للمزارعين الإيرانيين. وفي عام 2016، تبدل حال التجارة الإيرانية للفستق بعد الاتفاق النووي الإيراني وخطة العمل الشاملة المشتركة، حيث ألغت هذه الاتفاقية التي أبرمت مع الولايات المتحدة وحلفائها العقوبات المفروضة على إيران، وبدأت صادرات الفستق الإيراني تكتسح الأسواق العالمية. رغم ذلك، قد يواجه هذا التقدم تحديات جديدة بعد وصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب للاتفاق النووي مع إيران على أنه «الأسوأ» الذي أبرمته الولايات المتحدة. وفي أكتوبر (تشرين الأول)، تحرك الكونغرس الأميركي لتقييم ما إذا كانت الولايات المتحدة ستظل جزءا منه، ووضع شروطا صارمة قد تثقل كاهل الاتفاق النووي الإيراني. - تاريخ الأزمة اشتعلت «حرب الفستق» بين البلدين في نهاية عام 1970. فبعد سقوط نظام الشاه، حظرت أميركا صادرات الفستق الإيرانية بين عامي 1979، و1981. لكن المشكلة الحقيقية التي واجهت الحكومة الأميركية آنذاك هي ازدياد طلب الأميركيين على الفستق، مما دفعها إلى زراعة بذوره على أراضيها، خاصة في ولاية كاليفورنيا. واتسم هذا الإنتاج بطابع سياسي، ذلك أن الولايات المتحدة كانت تسعى إلى زعزعة استقرار الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني بين عامي 1989 و1997، ومعروف أن رفسنجاني بنى ثروة ضخمة من تجارة الفستق. ويعتبر الفستق عنصراً أساسياً في الاقتصاد الإيراني، ذلك أنه ثالث مدخول للعملة الصعبة بعد البترول والسجاد، وتصدر إيران 70 في المائة من إنتاجها، مما يسمح لها بجني 1.5 مليار دولار سنوياً. - التفوق الأميركي وفي عام 2008، نجح الأميركيون في التفوق على الإيرانيين بعد أن تسبب حظر تصدير المنتجات الإيرانية في تكبد الزراعة الإيرانية خسائر كبيرة. ولم يكن الانتصار هذه المرة بسبب العقوبات الدولية، وإنما بسبب تراجع العملة الإيرانية (التومان). كما أن نباتات الفستق تفضل الطقس الدافئ والمشمس الذي يتلقى كميات معتدلة من الأمطار. فيعتبر المزارعون الإيرانيون أن الطقس البارد وجَّه ضربة قاضية لموسم زراعة الفستق في أبريل (نيسان) من العام نفسه، حيث انخفض المحصول بمقدار 75 في المائة عن المحصول القياسي للمواسم السابقة. ومنذ ذلك الحين، خسرت صادرت إيران كمية واسعة من السوق العالمي، بسبب الفستق الأميركي. ثم توالت الضربات بسبب العقوبات الدولية، حيث فضلت معظم الدول الغربية استيراد الفستق الكاليفورني. كما تمكنت أميركا من الاستحواذ على سوق الفستق في أوروبا، بسبب المعايير الصارمة التي فرضتها بروكسل بشأن نسبة «أفلاتوكسين» المسموح به. والأفلاوتوكسين هو فطر غالبا ما يوجد على الفستق الإيراني. ولا تقتصر المنافسة على السوق الأوروبية على أميركا فحسب، بل تواجه إيران أيضاً منافسة يونانية شرسة، ذلك لأن الفستق اليوناني شبيه بالفستق التركي المعروف بطعمه الشهي. وتحاول إيران جاهدة إلى تسويق إنتاجها من الفستق نحو الأسواق الناشئة كالصين وروسيا والهند، فيما تصدر جزءا كبيرا منه لبعض دول الشرق الأوسط. - ارتفاع الأسعار وقد ارتفع سعر الفستق بشكل عام عالميا منذ عام 2002، بسبب زيادة الطلب عليه. ويؤكد ريتشارد ماتويان، المدير التنفيذي لجمعية المزارعين الفستقيين الأميركيين (أبغ)، أن السبب يعود إلى زيادة الوعي الصحي عند الأميركيين والأوروبيين وارتفاع الطلب العالمي على الوجبات الخفيفة الصحية. ويشكل الطلب المتزايد في الصين عاملا رئيسيا في نمو القطاع. فارتفعت بين عامي 2008 و2013 الواردات الصينية من الفستق الأميركي بنحو 146 في المائة وفقا لـ«أبغ». لا ترتبط مزايا الفستق الإيراني وعيوبه بالعقوبات الأميركية فحسب، فتدعي إيران أن لفستقها طعماً أفضل، على الرغم من أن الولايات المتحدة وإيران تزرعان بشكل أساسي نفس سلالة الفستق، مما يجعل طعمها متشابها بشكل كبير. فالفستق التركي، على سبيل المثال، ينتمي إلى سلالة مختلفة. كما تفرض الولايات المتحدة تعريفة بنسبة 241 في المائة على الفستق الإيراني، مما يعني أنه حتى دون عقوبات، فإن السوق الأميركية قد انقطعت تماما عن إيران.
مشاركة :