هل تحب مشاهدة الآخرين؟ الكمبيوتر الشخصي لديّ يعجبه ذلك

  • 10/28/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أستيقظ كل يوم في حوالي الساعة السادسة صباحاً، أذهب إلى الطابق السفلي، أضع الزمام حول رقبة الكلب ثم آخذه للتنزه. نذهب عادة إلى نفس الحديقة القريبة من منزلي، وعندما نصل إلى شجرة البلوط القديمة بالحديقة الموجودة بالقرب من البحيرة، يقوم الكلب بقضاء حاجته كما يفعل دائماً، يحب الكلب تلك الشجرة، ثم آخذه وننطلق عائدين إلى المنزل. أتناول فطوري وهو وعاء من الـ"كورن فليكس"، وأطلع سريعاً على الأخبار، ثم أتصفح بريدي الإلكتروني للتحقق إذا ما كان لديّ رسائل جديدة. بعد ذلك، أترك المنزل وأنتقل إلى محطة القطار، وفي طريقي إلى المحطة، أتوقف أمام أحد المقاهي العامة؛ حيث أطلب فنجاناً من القهوة اللاتيه من نفس المرأة التي تعودت أن أطلب منها قهوتي في كل يوم، بمنظرها المألوف؛ إذ تُجمع شعرها من الخلف في شكل كعكة ولا تضع مطلقاً أحمر شفاه. أنا لا أحتاج حتى أن أقول لها طلبي، فهو عادةً ما يكون جاهزاً حالما أصل إلى هناك، وهو أمر رائع، وهذا يعني أنني لا أحتاج أن أتحدث إلى أي شخص في الصباح قبل أن أتناول قهوتي لضبط معدل الكافيين في دمي. أنا مخلوق أحد الحفاظ على العادات، من السهل التنبؤ بسلوكياتنا. في الواقع -ربما قد يجد البعض تلك الحقيقة غير مريحة- ولكن يمكن التنبؤ بالسلوك البشري بنسبة 93٪. في الآونة الأخيرة في صباح أحد الأيام، عندما أعطتني المرأة قهوتي، لاحظت تغييراً في مظهرها، كان شعرها مرسلاً على ظهرها وكانت تضع أحمر شفاه فاقعاً جداً. لم أفكر في الأمر كثيراً، ولكنني اعتقدت بشكل عابر أنه أمر غريب نوعاً ما، ولكن هذا المظهر الجديد بدأ مناسباً جداً لها. نسيت الأمر لاحقاً وعدت إلى روتيني اليومي، فقد كان لديّ قطار يجب أن ألحق به. خمّن ماذا حدث بعد ذلك؟ بعد أسبوع من ذلك اليوم رأيتها تتكلم بشيء من الود مع أحد الرجال الوسيمين خلف البار. استرجعت ذاكرتي ووضعت الحادثتين معاً، آه، لقد كان هناك أجواء علاقة جديدة في الأفق، كم هو أمرٌ لطيف. بالطبع، كان من قبيل الصدفة فقط أنني لاحظت هذا التغيير في المرأة التي تخدم في المقهى، ولكن هل تعرف من الذي كان قادراً على ملاحظة هذا التغيير على الفور؟ الكمبيوتر. يمكن أن تكون التغيرات في المزاج والسلوك خفية، خفية لدرجة أن الدماغ في كثير من الأحيان لا يُمكنه ملاحظتها والكشف عنها أو حفظها في ذاكرتنا. في كثير من الأحيان لا تمكث كثيراً بالذاكرة وإذا حدث، فإنها غالباً لا تترك سوى أثر طفيف لا يمكن تتبعه. ولكن الكمبيوتر يرى تلك التغيرات شفرة ثنائية سوداء كبيرة، كما أن للكمبيوتر ذاكرة ضوئية حيث يمكنه من خلالها الاحتفاظ بالمعلومات واستدعاؤها في أي وقت وتحليلها ومقارنتها معاً والتنبؤ بالنتائج المترتبة وأيضاً تفسير تلك البيانات. يمكن تدريس أجهزة الكمبيوتر للعثور على الأنماط المختلفة، والتعلم منها وتنبيه الشخص عندما يتغير شيء معين. باختصار، يمكن للكمبيوتر الكشف عن أي تغيرات شاذة في أنماط السلوك. يمكنه رؤية وإدراك أحمر الشفاه! إذن، ما هي تلك الأنماط من السلوك؟ وهل يمكن للكمبيوتر أن يتنبأ حقاً بما سنفعله؟ يمكن بسهولة التنبؤ بأفعالنا "التشابه يولِد الاتصال"، وفقاً لعلماء الاجتماع ميلر ماكفرسون، لين سميث لوفين وجيمس كوك من خلال ورقتهم البحثية التي قاموا بنشرها تحت عنوان تشابه الطيور: ظاهرة الـ"هوموفيلي" في شبكات التواصل الاجتماعي، أو لو أردنا أن نختصر عنوان البحث فسيكون "الطيور على أشكالها تقع". معنى الـ"هوموفيلي" Homophily هو الميل للفئات المجتمعية المختلفة الموجودة داخل أي شعب من بناء قنوات اتصال مع أشخاص لهم نفس الطباع، عبر علاقات مختلفة بما في ذلك الزواج والصداقة والزمالة في العمل. الناس من مختلف الأنواع والأجناس والأعمار والطبقات والأعراق والمستويات العلمية المختلفة جميعاً لهم خصائص وصفات مختلفة تؤثر على أولئك الذين يختارون الاختلاط معهم. يحضرني الآن مقالة أرسطو في كتاب أخلاقه نيكوماشيان: "الناس يحبون أولئك الذين يشبهونهم". أنا مهتم جداً بهذا المبدأ تحديداً؛ لأنه طريق واضح يمكننا من خلاله مساعدة وحماية الأطفال على الإنترنت. هذا المبدأ، حيث يجتمع الأشخاص المتشابهون ويشكلون مجموعات اجتماعية تساعد أنظمة التعلم الآلي في الكشف عن أنماط السلوك الغريبة وتحليل عند حدوث خلل أو تناقض بها. على سبيل المثال، إذا بدأت ابنتك المفتونة بـ"زوي ساج" ولا تزال في الـ14 من عمرها الدردشة مع أحد المعجبين الفاسقين بموسيقى الميتال الذي يبلغ من العمر 18 عاماً، أو ارتبط ابنك المشجع لنادي تشيلسي لكرة القدم ذو الـ12 عاماً فجأة بصبي يبلغ من العمر 16 عاماً، أحد المعجبين من مدينة سيدني، يمكن أن نرى أن شيئاً ما غير مألوف في تلك الأنواع من العلاقات وربما ثمة أمر غير صحيح. عندما تحدث مثل هذه التغييرات، التي نراها غريبة، يمكن لأجهزة الكمبيوتر إدراك هذا الاتصال والبحث بعمق في أنماط البيانات المختلفة لمعرفة سبب كسر هذا السلوك القاعدة الطبيعية المتعارف عليها. تُعد نبرة التواصل مهمة جداً أيضاً، فالأطفال والشباب يميلون إلى التباهي والمزاح مع بعضهم البعض، وهو نمط مميز جداً من خلال التواصل. تلك النبرة تُساعدنا على الانتباه عندما يحاول بعض الأشخاص التظاهر بالطفولة في محاولة لإجراء استمالة الآخرين. وبطريقة مشابهة، فإن هذا الإيقاع راسخ أيضاً بداية من البناء حتى التكرار، إنه أسلوب من أساليب التبادل - سريع جداً، يشبه كما لو كان الأطفال يتحدون بعضهم البعض على فعل أشياء على شبكة الإنترنت لا يمكنهم القيام بها في الحياة العادية. تُعتبر أنماط السلوك طريقة مميزة جداً، وعندما تتوفر التحليلات الإحصائية والاحتمالات، فإنه يمكنها تزويدنا بأنماط دقيقة من شأنها أن تؤدي إلى نتائج يمكن التنبؤ بها. على سبيل المثال، إرسال الرسائل ذي المحتوى الجنسي هو أمرٌ شائع بين المراهقين في سن الـ 13 إلى الـ 17 عاماً ويزيد مع تقدم السن. يحصل الأولاد على صور أكثر من الفتيات، ويحدث التبادل عادة وجهاً لوجه، كما أنه ينتشر أكثر في بداية العلاقات الجديدة بنسبة 89٪. تطبيق التحليل الإحصائي يقلل بشكل كبير من النتائج الإيجابية الكاذبة. ولكن ألا يمكن إدراك كل هذا من خلال الحس السليم؟ حسناً، ليس دائماً. في كثير من الأحيان نكون مشغولين جداً عن ملاحظة مثل تلك الأشياء، أو أننا نحاول ببساطة إعطاء أطفالنا مساحة كافية للتجول في عالم الإنترنت واستكشاف تلك العالم والاستمتاع والتصرف بطبيعتهم. على الجانب الآخر مع إرسال واستقبال الأطفال أكثر من 200 رسالة في اليوم في المتوسط، يصبح من المستحيل على أي شخص الانتباه لأي من تلك الأنماط الحساسة والمعقدة. ولكن هذا لا يوجد في عالم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. أمي وأبي، على سبيل المثال، يمكنهما الاستغناء عن التجسس، من خلال النقب والتفتيش حول أطفالهما، وهو بالضبط ما تقوم به الروبوتات للمساعد على حماية الأطفال مع ضمان خصوصية الأطفال. النقطة الأخيرة تلك هي التي جعلتني مهتماً أكثر بالأمر، الأطفال لديهم حقوق أيضاً والتطبيقات التي تكشف للآباء ما يرسله أو يستقبله أطفالهم لا تمثل فقط نوعاً من التدخل والاقتحام في خصوصيتهم، ولكن تأتي أيضاً بضرر عكسي؛ إذ أن الأطفال ببساطة يمكنهم إيجاد الطرق للتجنب والتغلب على تلك التطبيقات. سوف يراك الكمبيوتر الآن مبدأ من التتبع الآلي لأنماط السلوك هو مبدأ راسخ في الطب. على سبيل المثال، أجرى أندرو بيك من كلية هارفارد الطبية بعض الأبحاث عن النساء المصابات بسرطان الثدي. فقد زود الكمبيوتر ببعض التفاصيل الخاصة بهم من خلال خوارزمية التعلم الآلي لمعرفة قدرة الذكاء الاصطناعي على تحديد ما إذا كانت تلك العينات مُصابة بالسرطان أم لا. وهذا من شأنه أن يحدد بعد ذلك إذا كان برنامج العلاج للمريض يجب أن يستمر أم لا، وكانت المعلومات الإضافية الوحيدة التي أعطاها لمنظومة الذكاء الاصطناعي تلك هي طول عمر المريض، سواء كانوا قد ماتوا في غضون أسبوع أو ما زالوا على قيد الحياة.. إلخ. وقد تمكن الذكاء الاصطناعي من تحديد 11 علامة على أن العينات المعطاة مسرطنة. ومع ذلك، كان الفريق الطبي على علم بإصابة ثماني حالات منهم فقط، والعلامات الثلاث الأخرى لم تكن معروفة للعين البشرية، لم تتم ملاحظتها أبداً من قِبل أي شخص على الإطلاق. وبالمثل، عندما ننظر إلى السلوك وأنماط السلوك، يمكننا أن نرى بعض الصفات المتشابهة. يمكن لأنظمة تعلم الآلة اكتشاف وملاحظة السلوكيات الشاذة مثل الإهانة، أو البلطجة، أو التحرش أو أي سلوكيات مريبة من خلال مراقبة، الأنماط وتحليلها، وبعد ذلك يمكنها التنبيه فقط إذا كان هناك اشتباه في وجود تهديد محتمل. نحن نعلم أنه إحصائياً، فإن التعليقات الموجودة على موقع يوتيوب والتي تتراوح بين ثلاث وثماني كلمات تحتوي على سباب أو كلمات مؤذية بنسبة 72٪ كما أننا نعلم أن زيادة عدد الحروف الكبيرة أو علامات التعجب أو استخدام ضمائر الشخص الأول هو مرادف لاحتواء التعليق على الإهانات القبيحة. من خلال تحليل هذه الأنماط من السلوك، يمكن لخوارزميات التعلم الآلي تحديد أي تغييرات تتعارض مع التيار، بغض النظر عما إذا كانت نموذجية أم لا. السماح للروبوتات بالمساعدة القدرة على تتبع وتحليل السلوك البشري أمر حيوي عندما يتعلق الأمر بالقدرة على الكشف عن ضرر واقع أو ضرر محتمل. يمكن للحواسيب أن تفهم هذا العالم المربك، والعاطفي، وأحياناً المخيف الموجود على شبكة الانترنت. يمكن للخوارزميات فهم السلوك البشري الفوضوي والعثور على أنماط في الصفات اللغوية، ومحتوى وسائل التواصل الاجتماعي وحتى من خلال طبيعة المنشورات التي يُعجب بها الشخص على موقع الفيسبوك. وباستخدام هذه الأنظمة، يمكن أن يتم رسم الشخصيات على الإنترنت، مما يسمح باتخاذ إجراءات استباقية وقائية للمساعدة في الحد من إساءة المعاملة والكراهية على الإنترنت، وذلك للتأكد من أن تلك الفتاة الهادئة والخجولة لن تتحول فجأة إلى أخرى صفيقة ذي صوت عال أو أن تحذر من وجود تلك الخلايا السرطانية التي لا يمكن للإنسان رؤيتها بالعين المجردة. نحن جميعاً نحب مشاهدة الآخرين، وعند سماع صوت ما في الشارع الذي نسكن فيه أو على المقهى الذي نجلس عليه تشرئب رؤوسنا لمعرفة ومشاهدة ما يجري. قد نلاحظ أن الشخص يرتدي قبعة خضراء أو أنه يأكل تفاحة، ولكننا لن ندرك أكثر من ذلك. نحن بحاجة إلى أجهزة الكمبيوتر لدينا لمساعدتنا في مشاهدة وإدراك ما يحدث، نحتاجها لتعلم وتحليل المعلومات من أجل مساعدتنا على فهم الأشياء التي لا يمكن رؤيتها - حتى نتمكن من الاستمتاع بتناول قهوتنا مع تجاهل غالبية العالم من حولنا. والآن، يجب عليّ الانطلاق، فالكلب يحتاج للعثور على تلك الشجرة. هذه التدوينة مترجمة عن النسخة البريطانية لـ"هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :