اكتشف بحث جديد أن النوم الجيد يرتبط بتراجع النشاط في مناطق الدماغ التي تؤدي دوراً في تعلّم الخوف. لذلك قد يشكّل الوقت الذي نمضيه في مرحلة حركة العين السريعة مؤشراً جيداً إلى مدى تعرضنا لاضطراب إجهاد ما بعد الصدمة. ترتبط اضطرابات النوم بتراجع نوعية الحياة عموماً، وتترافق غالباً مع مجموعة من مشاكل الصحة العقلية، من بينها الكآبة والقلق. بالإضافة إلى ذلك، ربط الباحثون حالات أخرى، كالصرع، بقلة النوم. وأشارت دراسة أُجريت أخيراً إلى احتمال قيام علاقة سببية بين اضطرابات النوم وبين اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط. يقوم كل من الدكتور إيتامار لرنر، وشيرا لوبكين، وباحثون آخرون من جامعة راتجيرز في نوارك بنيوجيرسي بدراسة تكشف أن النوم الجيد يرتبط بتراجع نشاط الدماغ في مناطق تتعلق بتعلّم الخوف. تشكّل عملية تعلّم الخوف آلية نحاول من خلالها توقّع التعرّض لأوضاع خطرة لنتمكن من التفاعل معها بالشكل الملائم بغية الحفاظ على سلامتنا. نوم حركة العين السريعة دفعت مجموعة البحوث الراهنة عن العلاقات بين اضطراب إجهاد ما بعد الصدمة وبين اضطرابات النوم الباحثين إلى إجراء هذه الدراسة، علماً بأن الدراسات السابقة هدفت إلى فهم العلاقة بين ذكريات الخوف القائمة، التي سبق أن ترسخّت في العقل، وبين النوم في إطار اضطراب إجهاد ما بعد الصدمة. في المقابل، سعت الدراسة الراهنة إلى معرفة ما إذا كانت أنماط نوم الإنسان قبل تعرضه للصدمة تشكّل مؤشراً جيداً إلى ما إذا كانت ذكريات الخوف ستتشكل في المقام الأول. ويُظهر هذا بدوره ما إذا كانت أنماط النوم في نشاط الدماغ المرتبط بتعلّم الخوف تتعلّق أيضاً بمدى تعرّض الشخص لاضطراب إجهاد ما بعد الصدمة. طلب الدكتور لرنر وزملاؤه في الدراسة من المشاركين (17 طالباً من جامعة راتجيرز يتمتعون بصحة جيدة، خمسة منهم نساء) مراقبة نشاط دماغهم الخاص خلال النوم طوال أسبوع تقريباً. لتحقيق هذا الهدف، استعان الباحثون بأدوات لا تزعج المشاركين أثناء النوم، كعصابات رأس تتيح لهم قياس موجات الدماغ وأساور تسجّل حركات الذراع. كذلك استخدم المشاركون سجل نوم ليدوّنوا عادات نومهم وأنماطه. بالإضافة إلى المراقبة الذاتية، انضم المشاركون إلى تجربة تقوم على التصوير العصبي كيّفتهم على ربط صورة محايدة (مصباح ملوّن) بصدمة كهربائية خفيفة. اكتشف الباحثون أن مَن أمضوا وقتاً أطول في مرحلة حركة العين السريعة من النوم، التي ترتبط بالأحلام، اختبروا خلال تعلّم الخوف انخفاض النشاط في اللوزة الدماغية، والحصين، والقشرة الجبهية الأمامية البطنية الإنسية، فضلاً عن تراجع الروابط بين هذه المناطق. تؤدي مناطق الدماغ الثلاث هذه أدواراً مختلفة في تفاعلنا مع عوامل الإجهاد، فضلاً عن الذاكرة والتعلّم. على سبيل المثال، يدرك العلماء أن اللوزة الدماغية والحصين يعملان معاً في إطار رد فعل «الهرب أو المواجهة» (أي كيفية تفاعلنا مع مصدر خطر ظاهري)، فضلاً عن عملية تشكّل الذكريات. أما القشرة الجبهية الأمامية البطنية الإنسية، فترتبط بترسيخ الذاكرة. ويشير الباحثون إلى أنها أيضاً مسؤولة، إلى جانب اللوزة الدماغية والحصين، عن إثارة الأعراض المرتبطة باضطراب إجهاد ما بعد الصدمة. معدلات النورابينفرين بغية دعم ما توصلوا إليه، أراد الباحثون محاكاة النتائج الأولى في دراسة أخرى تقوم على مراقبة تخطيط النوم (تسجيل موجات الدماغ، ونظم القلب، وحركة العين) قبيل تجرّبة التكيّف المرتبطة بالخوف. وهذا ما فعلوه تحديداً. وبعد الاختبارات التي أجروها، صار الباحثون يعتقدون أن للوقت الأطول الذي يمضيه الإنسان في مرحلة حركة العين السريعة من النوم دوراً في الحد من معدلات الناقل العصبي النورابينفرين، الذي يُعرف أيضاً بالنورادرينالين، في الدماغ. يرتبط النورابينفرين بضبط رد فعل «المواجهة أو الهرب». لذلك يظنّ الباحثون أن معدلاته المنخفضة قد تعلل تراجع قابليتنا للتفاعل مع المحفزات المجهِدة التي تولّد الخوف عادةً. يختم الباحثون: «تشير نتائجنا إلى أن مرحلة حركة العين السريعة الأساسية في النوم قد تشكّل مؤشراً حيوياً غير غازٍ إلى مدى مرونتنا أو ضعفنا أمام الصدمات».
مشاركة :