مصر تداوي جراحها من الإرهاب

  • 10/27/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

صور بثها الجيش المصري لعمليات استهداف الجماعات الإرهابية. القاهرة: محمد عبد الرءوف وأحمد سالم * تأخر صدور بيان رسمي من وزارة الداخلية المصرية عن تفاصيل الحادث وعدد الشهداء والمصابين أدى إلى تناقل روايات متضاربة وأرقام مختلفة. * رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق بالمخابرات الحربية: تدخل القوات الجوية يدل على أن نهاية الإرهاب اقتربت.النقيب عمرو صلاح الدين، أحد ضحايا حادث الواحات الإرهابي لم يتخيل ضابط الشرطة المصري النقيب عمرو صلاح الدين وهو يتلقى الأوامر يوم الجمعة 20 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي بالاستعداد للمشاركة في حملة أمنية للقبض على إرهابيين مطلوبين، في طريق الواحات القريب من الجيزة المتاخمة للعاصمة المصرية القاهرة، أنها ستكون آخر مهامه، فعمرو (26 عاما) استشهد مع 15 آخرين من زملائه في تلك الحملة. وكانت الحملة تستهدف ضبط خلية إرهابية تختبئ في طريق الجيزة – الواحات البحرية، حسبما أعلنت وزارة الداخلية، إلا أن الأمور لم تسر بشكل طبيعي وانتهت بسقوط 29 شهيدا ومصابا من رجال الشرطة ومقتل وإصابة 15 إرهابياً دون ضبط أي من الهاربين. ومنذ الإعلان عن الحادث، سادت في مصر حالة من الحزن المشوب بالغضب، وسط اتهامات للشرطة بالتقصير في الإعداد للمهمة التي كلفت الوطن أرواح خيرة شبابه. شادي صلاح الدين شقيق الضابط الشهيد عمرو يقول لـ«المجلة» إن «شقيقي مات بطلا ونحن فخورون به». وأوضح أن الضابط الشهيد شارك في عدة عمليات أمنية ضخمة، منها فض اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر المسلحين في أغسطس (آب) 2013، إضافة للتصدي لمحاولة اقتحام قسم شرطة الأزبكية بوسط القاهرة، وكان دائماً يرفض طلب نقله من العمليات الخاصة بقوات الأمن المركزي (تابعة للشرطة المصرية). شادي، الذي يعمل صحافيا في وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية المصرية، لم يخف شعوره بوجود تقصير أدى لاستشهاد شقيقه قائلا: «من حقنا أن تصارحنا قيادات الشرطة بحقيقة ما حدث، ومحاسبة المقصرين ضرورة لكي لا يقع شهداء جدد… شقيقي وأغلب زملائه الشهداء تلقوا طلقات قاتلة في صدورهم ورؤوسهم أي أنهم قتلوا وهم يهاجمون الإرهابيين ولم يهربوا كما حاول البعض تصوير الأمر زيفا وكذبا». وأدى تأخر صدور بيان رسمي من وزارة الداخلية المصرية عن تفاصيل الحادث وعدد الشهداء والمصابين إلى تناقل روايات متضاربة وأرقام مختلفة قبل أن توضح وزارة الداخلية أن عدد الشهداء بلغ 16 بينهم 11 ضابطا. وقال البيان إنه «استكمالا لما سبق الإعلان عنه من جهود ملاحقة البؤر الإرهابية التي تسعى عناصرها لمحاولة النيل من الوطن وزعزعة الاستقرار، والمعلومات التي وردت لقطاع الأمن الوطني حول اتخاذ مجموعة من العناصر الإرهابية من إحدى المناطق بالعمق الصحراوي بالكيلو 135 بطريق (أكتوبر – الواحات) بمحافظة الجيزة مكانا للاختباء والتدريب والتجهيز للقيام بعمليات إرهابية، مستغلين في ذلك الطبيعة الجغرافية الوعرة للظهير الصحراوي وسهولة تحركهم خلاله». وأضاف: «في ضوء توافر هذه المعلومات تم إعداد القوات للقيام بمأموريتين من محافظتي الجيزة والفيوم لمداهمة المنطقة إلا أنه حال اقتراب المأمورية الأولى من مكان وجود العناصر الإرهابية استشعروا بقدوم القوات وبادروا باستهدافهم باستخدام الأسلحة الثقيلة من كل الاتجاهات، فبادلتهم القوات إطلاق النيران لعدة ساعات مما أدى لاستشهاد 16 من القوات (11 ضابطا – 4 مجندين – 1 رقيب شرطة)، وإصابة 13 آخرين (4 ضباط – 9 مجندين) فيما زال البحث جاريا عن أحد ضباط مديرية أمن الجيزة». ووجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، ووزير الداخلية، ورئيس المخابرات العامة، وعددا من قيادات ومسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية ببذل أقصى الجهد لملاحقة العناصر الإرهابية التي ارتكبت الحادث، وتكثيف الجهود الأمنية والعسكرية لتأمين حدود البلاد من محاولات الاختراق، مشدداً على أن مصر ستواصل مواجهة الإرهاب ومن يموله ويقف وراءه بكل قوة وحسم وفاعلية، حتى القضاء عليه. وقالت الداخلية المصرية إن القوات الأمنية تمكنت من تصفية وإصابة 15 عنصرا منهم. ولم يشر البيان إلى القبض على أي من الإرهابيين المطلوبين بينما كشفت مصادر أمنية لـ«المجلة» عن تفاصيل جديدة حول الحادث منها أنه كانت هناك خدعة تم إعدادها بإتقان. وأوضحت المصادر الأمنية، التي طلبت عدم ذكر اسمها لكونها غير مخولة بالحديث للإعلام، أنه قبل أسبوعين سلم شخص نفسه لقوات الأمن التي تتولى حراسة أحد الفنادق بوسط القاهرة، وأبلغهم أنه كان ينوي تفجير الفندق بسيارة مفخخة لكن ضميره استيقظ في اللحظات الأخيرة وقرر تسليم نفسه. وأضافت المصادر أنه بعد التحقيق مع المتهم اتضح أنه يعمل مهندسا ومن محافظة القليوبية (شمال القاهرة)، وأرشد عن وجود خلية إرهابية تضم نحو 15 عنصرا تختبئ في صحراء طريق الواحات وهي التي قامت بتجهيز السيارة المفخخة له، وبناء على تلك المعلومات تحركت القوات لضبطهم إلا أنه كان كمينا لاستدراج القوات الشرطية واستهداف أفرادها. اللواء درويش بدير الخبير المصري قال لـ«المجلة» إن العملية الأخيرة تخطيطا وتنفيذا تعكس أن وراءها خلية مدربة بشكل مختلف، وأن الأمر لا يقتصر على مجرد أفراد يحملون سلاحا. وأضاف أن «الحملة الأمنية كان بها سيارات مدرعة تسير في تشكيل معتاد، استهدف الإرهابيون السيارتين الأولى والأخيرة بقذائف (آر بي جي) لتعطيل التقدم ومنع القوات من التراجع، واعتلى بعضهم الجبل المحيط بالمنطقة، فيما أغلق بقية المسلحين الطريق على القوات وتبادلوا معهم إطلاق النار لفترات طويلة، مما أدى لسقوط شهداء ومصابين واختطف الإرهابيون ضابطا واحداً، ونجح اثنان في الفرار من الكمين المعد للقوات واصطحبا معهما ضابطا ثالثا بترت قدماه وظل ينزف حتى الموت». ويرى الخبير الأمني المصري أن الإرهابيين اختاروا هذه المنطقة لتنفيذ مخططهم لأنها قريبة من مساحات صحراوية شاسعة يصعب تأمينها، وبها جبال وكهوف يمكنهم الاختباء بها، بالإضافة إلى قربها من الحدود الليبية التي تعد البوابة الأساسية لتهريب الأسلحة لمصر حاليا، ولسهولة عبورها إلى ليبيا من جهة أخرى. ومن جانبها ترجح مصادر أمنية أن هذه العملية يقف وراءها مجموعة الإرهابي هشام عشماوي، وهو ضابط سابق بقوات الصاعقة بالجيش المصري وفصل من الخدمة بسبب اتجاهه للتطرف. وتقول المصادر إن «عشماوي ضابط صاعقة سابق، ومدرب على العمل في الجبال والصحراء وهذه العملية تحمل بصماته». ونسب لعشماوي، المكنى بـ«أبو عمر المهاجر» القيام بعدة عمليات إرهابية كبرى منها محاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية الأسبق في 2013، واغتيال النائب العام السابق هشام بركات في 2015 بجوار سور الكلية الحربية التي درس فيها عشماوي وتعلم بها الانضباط العسكري، كما قام بالهجوم على حافلات تقل مسيحيين في محافظة المنيا (وسط مصر) في شهر مايو (أيار) الماضي. وبحسب بيانات وزارة الداخلية المصرية ومصادر أمنية تحدثت معها «المجلة» فإن عشماوي يبلغ من العمر 36 عاما والتحق بالقوات المسلحة في صفوف قوات الصاعقة ووصل لرتبة مقدم، ورصدت تقارير الأمن الحربي خلال وجوده في الجيش اتجاهه المتطرف فنقل إلى أعمال بعيدا عن الوحدات العسكرية، وأحيل إلى محاكمة عسكرية في العام 2007، بعد التنبيه عليه بعدم تكرار كلماته التحريضية ضد الجيش. وفي العام 2011 صدر قرار من المحكمة العسكرية بفصله من الخدمة نهائيا بسبب تطرفه، بعد فصله من القوات المسلحة عمل في الاستيراد والتصدير، وخلال هذه الفترة بدأ لقاء مجموعة من معتنقي الفكر المتطرف في مسجد بحي المطرية، ثم انتقل نشاطه إلى مدينة نصر، وشكل خلية إرهابية تابعة لتنظيم أنصار بيت المقدس، وكانت مهمته التدريب العسكري مع عماد عبد الحميد وهو ضابط مفصول من الجيش لتطرفه، وذلك خلال العام الذي حكم فيه الرئيس المعزول محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان، وضمت خلية عشماوي 4 ضباط شرطة مفصولين من الخدمة بسبب علاقتهم بالإخوان والجماعات التكفيرية. وبحسب بيانات وزارة الداخلية المصرية فقد سافر عشماوي إلى تركيا في 27 أبريل (نيسان) 2013 عبر ميناء القاهرة الجوي، وتسلل عبر الحدود السورية التركية إلى سوريا حيث تلقى تدريبات حول تصنيع المواد المتفجرة والعمليات الإرهابية، وعقب عودته من سوريا شارك في الاعتصام المسلح برابعة العدوية عقب عزل مرسي. وظهر اسم عشماوي في الإعلام لأول مرة في شهر سبتمبر (أيلول) 2013 عقب اتهامه بالتورط في محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق اللواء محمد إبراهيم، حيث أظهرت التحقيقات توليه رصد تحركات الوزير مع عماد الدين أحمد، الذي أعد العبوات المتفجرة بالاشتراك مع وليد بدر منفذ العملية. وكان هشام هو التاسع بين 200 متهم حوكموا في قضية «أنصار بيت المقدس» التي نفذت أكثر من 50 عملية إرهابية منذ 2013، ومنذ ذلك الحين يعرف عشماوي بأنه «أخطر مطلوب في مصر». عشماوي سافر إلى درنة الليبية أكثر من مرة إما للتدريب في معسكرات «القاعدة» هناك، بإشراف عبد الباسط عزوز، مستشار أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، أو لتلقي العلاج بعد إصابته. وأعلنت وزارة الدفاع المصرية، الاثنين الماضي، أن القوات الجوية أحبطت محاولة جديدة لاختراق الحدود الغربية للبلاد. وقال بيان صادر عن الوزارة إن سلاح الجو في الجيش المصري دمر، 8 سيارات دفع رباعي حاولت اختراق الحدود الغربية وكانت محملة بأسلحة ومواد شديدة الانفجار، والقضاء على العناصر الإرهابية الموجودة بداخلها، دون تحديد عددها. ومن جانبه صرح السفير علاء يوسف المُتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية خلال بيان له بأن الرئيس السيسي استمع خلال الاجتماع الأخير بالقاهرة مع كبار رجال الدولة إلى تقارير مفصلة بشأن الاشتباكات التي جرت بين قوات الأمن وعدد من العناصر الإرهابية، في الواحات، وأسفرت عن استشهاد عدد من رجال الشرطة ومقتل عدد من الإرهابيين. وأكد عدد من الخبراء العسكريين قيام القوات الجوية المصرية بتنفيذ ضربات لتكون بداية الثأر لشهداء الشرطة الذين استشهدوا في هجوم طريق الواحات الإرهابي. وقال اللواء مصطفى كامل، مستشار بأكاديمية ناصر العسكرية إنه بعد هجوم الواحات كان يجب أن تكون هناك حالة من الردع للسيطرة على الحدود الغربية التي تشهد نقاط ضعف كثيرة من الجانب الليبي، موضحا أن الصحراء الغربية بطول 1200 كيلومتر وهو ما يصعب على أي دولة حمايتها في ظل الغياب الأمني الذي تشهده ليبيا. ورأى أن السلاح الجوي هو الأكثر ردعا في الوقت الحالي، لما يملكه من قدرات على حماية الحدود المفتوحة، مضيفا أن من يمول الإرهاب يقدم كل الدعم المالي والأسلحة من أجل هدم الدولة المصرية بكل الطرق حتى تفسد فرحتهم في التنمية التي تشهدها البلاد. بدوره، قال اللواء محمد الشهاوي، الخبير العسكري إن عمليات التمشيط الجوي على الحدود الغربية، رسالة تؤكد أن الجيش يحمي الأمن القومي على جميع الاتجاهات الاستراتيجية، ويتصدى لأي قوى تريد المساس بالوطن. وأضاف الشهاوي، أن الضربة الجوية هي رسالة تؤكد درجة الاستعداد والكفاءة القتالية وقدرة الجيش على تأمين الحدود الغربية التي تصل لـ1200 كيلومتر نهارا وليلا، مؤكدا أن القوات المسلحة ستوجه ضربات أخرى للجماعات الإرهابية في جميع الاتجاهات الاستراتيجية. وقال اللواء ناصر سالم، رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق بالمخابرات الحربية، إن تدخل القوات الجوية يدل على أن نهاية الإرهاب اقتربت، مطالبا بإنشاء منطقة آمنة في الصحراء الغربية حتى يتم القضاء على الإرهاب. وتابع: «نعلم أن معركتنا مع الإرهاب طويلة لوجود أطراف دولية ترعاه وإقليمية تموله وتدعمه بالمال والسلاح»، مؤكدًا أنه سيكون هناك خط فاصل في القضاء على الإرهاب في وقت قريب. من جانبه طالب اللواء فؤاد علام عضو المجلس القومي لمواجهة الإرهاب، ووكيل جهاز أمن الدولة السابق بعمل دراسة كاملة لمعرفة ما إذا كانت هناك أخطاء أو سلبيات في عملية المواجهة لتلاشيها، ومعرفة السبب في استدراك القوات لهذه المنطقة. وأكد علام أن السبب وراء تزايد العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة الضغوط التي تمر بها قطر وتركيزها مع الجماعات الإرهابية مما جعلها تبعث رسالة للدول الأربع بأنها قادرة على استهداف القوات من خلال العمليات الإرهابية، فضلا عن التقارب بين حماس وفتح الذي أخرج أفراداً تنضم لجماعات إرهابية.

مشاركة :