الحرس الثوري يحظى بنفوذ واسع داخل بعض شركات البونياد التي تعمل في المجال الخيري الاجتماعي وتمارس دورا مهما في دعم إيران في الخارج.العرب محمد عباس ناجي [نُشر في 2017/10/30، العدد: 10797، ص(6)]الرضوخ لإملاءات المرشد يحبط كل محاولات الإصلاح القاهرة – بدأت الضغوط التي تتعرض لها إيران من جانب الولايات المتحدة تفرض تداعيات سلبية على الجهود التي بذلتها حكومة الرئيس حسن روحاني للحصول على أكبر قدر من العوائد الاقتصادية للاتفاق النووي، الذي رفعت بمقتضاه العقوبات الدولية المفروضة على طهران منذ يناير 2016. وعاد المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي والحرس الثوري وتيار المحافظين الأصوليين من جديد إلى الدعوة لتقليص الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية وتبني سياسة الاكتفاء الذاتي وهو ما يعتبر وصفة سحرية قد تساهم في تعزيز النفوذ الاقتصادي للحرس خلال المرحلة القادمة، وتوجيه ضربة قوية لبرنامج الإصلاح الذي اعتمدته الحكومة. من هنا يمكن فهم إصرار الحكومة على التمسك بالاتفاق حتى في ظل السياسة الأميركية الجديدة، والتعويل على استمرار القوى الدولية الأخرى في العمل به رغم الضغوط التي تفرضها إدارة دونالد ترامب عليها للتخلي عنه، أو على الأقل لتأييد الإجراءات التصعيدية التي تتخذها ضد إيران. وترى الحكومة أن الخيار الذي يتمثل في وقف العمل بالاتفاق، معناه التسليم أمام ضغوط الحرس وتراجع قدرتها على إجراء إصلاحات اقتصادية كانت تسعى من خلالها إلى تقليص الاعتماد على إيرادات النفط ورفع حجم الاستثمارات الأجنبية. وبات ذلك سببا في نشوب خلافات عديدة بين الحكومة والحرس الثوري حول العقود الجديدة التي بدأت الأولى في إبرامها مع بعض الشركات الأجنبية خلال الشهور الأخيرة، وهي العقود التي أصرت الحكومة على إجراء تعديلات فيها من أجل استيعاب بعض مطالب تلك الشركات ودفعها إلى التراجع عن ترددها في العودة للاستثمار في إيران. ويعتبر النفوذ الذي يحظى به الحرس الثوري إحدى أهم المشكلات التي تواجه رؤساء الجمهورية المتعاقبين، حيث يعرقل برامجهم الاقتصادية ويخصم من قدرتهم على إدارة الملف الاقتصادي. وتتفاقم تلك المشكلة باعتبار أن الحرس الثوري يسيطر على ما يتراوح بين 20 إلى 40 بالمئة من الاقتصاد الإيراني، حسب بعض التقديرات، وتصل إيراداته السنوية من أنشطته الاقتصادية إلى نحو 12 مليار دولار، وقام بتأسيس شركات اقتصادية تعمل في القطاعات الحيوية في الدولة، على غرار البتروكيمياويات والاتصالات والنقل والسياحة والبنوك وغيرها. ويحظى الحرس الثوري بنفوذ واسع أيضا داخل بعض شركات “البونياد” التي تعمل في المجال الخيري الاجتماعي وتمارس دورا مهما في دعم إيران في الخارج، وتخضع لإشراف المرشد الأعلى. ودفع ذلك رؤساء الجمهورية المتعاقبين إلى انتقاد الدور الاقتصادي للحرس الثوري، وحتى من كان منهم عضوا فيه، على غرار الرئيس السابق أحمدي نجاد الذي لم يتوان عن شن حملة ضد الأنشطة الاقتصادية للحرس، عندما وجد أنها تضع عقبات عديدة أمام تنفيذ برنامجه الاقتصادي، إلى درجة دفعت الأخير، في أكتوبر 2012، إلى إبداء ندمه على دعم أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية. وسعت حكومة الرئيس روحاني إلى استثمار الوصول إلى الاتفاق النووي من أجل الضغط لتقليص النفوذ الاقتصادي للحرس وإتاحة الفرصة لرفع نسبة مشاركة القطاع الخاص في المشروعات الاقتصادية المختلفة، واستندت في هذا السياق إلى اعتبارين رئيسيين: الأول، أن هذا النفوذ الواسع يدفع الشركات والبنوك الغربية إلى العزوف عن الدخول في معاملات مالية أو صفقات اقتصادية مع جهات داخل إيران، خشية أن تكون تلك الجهات تابعة للحرس الثوري، أو متهمة بدعم برنامج الصواريخ الباليستية أو البرنامج النووي، بشكل يمكن أن يعرضها لعقوبات جديدة من جانب الولايات المتحدة الأميركية. والثاني، أن تمويل العمليات التي يقوم بها الحرس الثوري في الداخل والخارج يقع على عاتق الحكومة، وليس على الحرس نفسه، باعتبار أن الإنفاق العسكري يعتبر أحد أهم بنود الموازنة التي تضعها الحكومة سنويا وتقدمها إلى مجلس الشورى الإسلامي للبت فيها قبل بداية العام الإيراني في 21 مارس من كل عام. وكان من اللافت أن روحاني حرص، في أبريل 2017، على تأكيد أن حكومته رفعت الميزانية الدفاعية بنسبة 145 بالمئة منذ وصوله إلى رئاسة الجمهورية في أغسطس 2013. ويكمن حرص الحكومة على اتخاذ هذه الخطوة في توجيه رسالة مباشرة تفيد بأنه لا يوجد داع لتوسيع نطاق البنية الاقتصادية للحرس، لأن الحكومة قادرة على تمويل أنشطته المختلفة من موازنة الدولة. لكن السياسة الجديدة التي تتبعها إدارة ترامب تجاه إيران المتشددة، والتي توضحت في الخطاب الذي ألقاه ترامب في 13 أكتوبر، وتوازى مع إصداره تعليمات لوزارة الخزانة بفرض عقوبات جديدة على الحرس، ستعرقل جهود روحاني في تقييد النفوذ الاقتصادي للأخير. وسارع الحرس الثوري إلى الإبقاء على التوتر مع واشنطن، وبدأ في توجيه تهديدات مباشرة لمصالح واشنطن في المنطقة، وأصر على مواصلة إجراء تجارب خاصة بالصواريخ الباليستية، وأمعن في تعزيز دوره الخارجي. وتوازى ذلك مع الانتقادات الحادة التي واصل المرشد خامنئي توجيهها إلى السياسة الاقتصادية للحكومة، بعد أن اعتبر أنها لم تنجح في استثمار الفرص التي منحها لها عقب الوصول إلى الاتفاق النووي، في ظل حرصه على تحميلها مسؤولية الوضع الحالي الذي وصل إليه الاتفاق. وتصاعدت الدعوة من جديد إلى تفعيل سياسة الاكتفاء الذاتي، بشكل يعني في المقام الأول عدم التعويل على الاستثمارات الأجنبية وإفساح المجال لعودة الشركات التابعة للحرس الثوري للسيطرة على المشروعات الكبرى والبنية الاقتصادية للدولة. ويمكن القول إن أجواء التصعيد الحالية بين واشنطن وطهران قد تعيد الأزمة الاقتصادية الإيرانية إلى مربعها الأول قبل الوصول إلى الاتفاق النووي، بكل ما يعنيه ذلك من عودة الاقتصاد إلى قبضة الحرس الثوري من جديد. رئيس تحرير دورية مختارات إيرانية
مشاركة :