توازن القوة يضعف المصالحة الفلسطينية بقلم: محمد أبو الفضل

  • 10/30/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

لعبة شد الحبل وإرخائه من حين لآخر، هي طريقة حافظت على درجة مرتفعة من التوازن، وحالت دون انفراد إحدى الحركتين بالقرار الفلسطيني.العرب محمد أبو الفضل [نُشر في 2017/10/30، العدد: 10797، ص(9)] في الدول المستقلة يساعد توازن القوة بين العناصر الداخلية على تسوية الكثير من الأزمات، على قاعدة لا غالب ولا مغلوب أو أي صيغة أخرى يمكن قبولها، لكن في الدول التي تقع تحت الاحتلال يؤدي التوازن بين المكونات الفاعلة إلى المزيد من المشكلات والتعقيدات التي تحول دون الوصول لتفاهمات سياسية. وفي غالبية الدول التي وقعت تحت الاحتلال وتصدت قواها الحية للاستعمار كانت هناك حركة واحدة رئيسة وبجوارها حركات وجماعات وفصائل فرعية، وعند وجود أكثر من قوة أساسية ينتهي الأمر (غالبا) بذوبان القوى الفرعية في الكيان الأكبر أو تتحلل وتختفي. المهم تحتل المشهد قوة واحدة، تهيمن على المقاومة والحل والعقد والتفاوض لنيل الاستقلال، وتسيطر على صناعة القرار عقب التخلص من الاستعمار. الوصفة السابقة نجحت في دول عديدة، وحققت رواجا نسبيا في فلسطين، عندما كانت لحركة فتح كلمة أولى عقب تأسيسها مباشرة، وبعد تكاثر الحركات انصهر الجميع تقريبا تحت سقف منظمة التحرير الفلسطينية، وبدا القرار ينطوي على رؤية توافقية لا تخلو من هيمنة “فتحاوية”. لذلك كانت حركة فتح تمسك بمعظم خيوط قرار المقاومة، وعندما جاء عصر التسوية ظل الزعيم ياسر عرفات (أبوعمار) أيضا قابضا على تلابيب القرار الفلسطيني وسط معارضة من الحركات الرافضة لعملية السلام مع إسرائيل، ووقع اتفاق أوسلو واستطاع استيعاب معارضيه، وحاول توظيفهم لاسترداد المزيد من الأراضي الواقعة تحت الاحتلال، بحجة أن قطاعا مهما من شعبه يرفض مبدأ التسوية، وإسكاته يستوجب أن تتخلى إسرائيل عن تشددها، ويقوم المجتمع الدولي بدوره للضغط عليها. عند هذه الضفة من النهر، جرت مياه فلسطينية وإسرائيلية وإقليمية ودولية كثيرة، وصعدت وهبطت عملية التسوية، ثم استقرت عند مستوى الجمود، بعد أن تراجعت فتح، وتعاظم دور حماس الإسلامية بموجب سيطرتها على غزة عام 2007، وحدث ما يشبه القطيعة بين الضفة الغربية وغزة، وفرضت كل حركة هيمنتها على منطقة، وبدا التوازن الأمني والسياسي والشعبي متقاربا في وجدان الفلسطينيين. المثير أن معادلة التوازن وصلت إلى المستوى الخارجي، ونجحت كل حركة في نسج علاقات جيدة مع جهات متباينة، وشهدت التحالفات الإقليمية لكل طرف تغيرات وتطورات وتقلبات مختلفة، وفي النهاية توصلت الحركتان إلى صيغة مناسبة، مكنت كلاهما من الحضور السياسي على الصعيد الخارجي، واستقوى كل جانب بالجهة التي تدعمه. لعبة شد الحبل وإرخائه من حين لآخر، تجيدها كل حركة، وتعمل بها كلما احتاجت لها، وهي طريقة حافظت على درجة مرتفعة من التوازن، وبصورة حالت دون انفراد إحدى الحركتين بالقرار الفلسطيني. كل طرف يملك من المقومات ما يمكنه من مناطحة الآخر عند الضرورة، ولم نعد نسمع لصوت مرتفع يشير إلى حركات أخرى، فالجبهة الديمقراطية غاب عدد كبير من قياداتها وفقدت جزءا من بريقها العسكري والسياسي، والجبهة الشعبية ليست أفضل حالا، وكلاهما نهشته الخلافات. أما حركة الجهاد الإسلامي، فتحرص على الاحتفاظ بمسافة بعيدا عن كل من فتح وحماس، وغلّبت النهج “البرجماتي” ولم تعد تميل تلقائيا ناحية حماس. وهي في كل الأحوال يمكن أن ترجح كفة أحد الطرفين، لكنها تريد الحفاظ على قدر من الاستقلال الذاتي، كما أن خطابها لم يعد يتماشى مع المتغيرات الحاصلة في المنطقة. القاعدة التي انطلقت منها المصالحة الفلسطينية برعاية مصر، أخذت في الحسبان توازن الرعب بين الحركتين، وتم تجاهل الفصائل الأخرى، على اعتبار أن التفاهم والتقارب والاتفاق بينهما كفيل ليفضي إلى مصالحة وطنية. الجهود المبذولة في هذا الاتجاه قطعت شوطا كبيرا، وتبلورت معالمها في اتفاق القاهرة بين فتح وحماس في 12 أكتوبر الجاري، الذي وضع أسس المصالحة، غير أن العقبات التي تعتريها حاليا تعيد للأذهان فكرة الحركة الكبيرة أو القوة المهيمنة، بعد الدخول في تفاصيل الاتفاق وتجدد الخلافات حول نقل المهام من حماس للحكومة الفلسطينية الحالية. لم يتوقع أشد المتفائلين باتفاق القاهرة مروره دون مطبات وتطبيقه وسط وئام، فالمسافات الأمنية متباعدة بين فتح وحماس، والفواصل السياسية من الصعوبة سد فجواتها سريعا، والخسائر التي سوف يتكبدها بعض الأشخاص في الحركتين ليست هينة ما يدفعهم للسعي نحو تخريب أي اتفاق. المنغصات التي ظهرت خلال الأيام الماضية بشأن تسليم بعض المقرات في غزة للحكومة، أحد الملامح الظاهرة للخلاف، وتعكس حجم الاحتقان بين الحركتين، وتضاف إلى تعثر حل أزمة الموظفين الذين عينتهم حماس خلال فترة إدارتها للقطاع، والصعوبات التي تواجه نقل تبعية قوات الشرطة من حماس إلى الحكومة الفلسطينية وما يعتريها من مشكلات كثيرة. التحديات التي تواجه المصالحة عميقة ودقيقة وتتطلب قوة خارقة لتجاوزها، لأن المشكلات التي تراكمت خلال السنوات الماضية يصعب التخلص منها بمجرد توقيع اتفاق تقضي بنوده بمصالحة غائبة، يقبل عليها كل طرف وهو يعرف أن صمودها بحاجة إلى إرادة خارقة، وربما قبل بها تحت ضغوط داخلية وإقليمية فرضت عليه عدم التخلف أو نتيجة رغبة في عدم تحمل مسؤولية ضياع فرصتها. الواضح أن انعدام الشفافية السياسية لدى قيادة حركتي فتح وحماس، يساهم في عدم التفاؤل بجدوى المصالحة، فكل طرف يملك قناعة بأنه الأحق بقيادة العمل الفلسطيني منفردا، وما لم تختف هذه النغمة أو تتفوق إحداهما على الأخرى وتنتهي صيغة توازن القوة الشاملة، سوف تظل القضية الفلسطينية تراوح مكانها بين العراك والمصالحة. كاتب مصريمحمد أبو الفضل

مشاركة :